مشروع أوروبي مشترك لبناء متحف افتراضي لآثار العراق وسوريا

15-06-2015

مشروع أوروبي مشترك لبناء متحف افتراضي لآثار العراق وسوريا

قال هيرمان بارزينغر، عالم الآثار ورئيس مؤسسة التراث الثقافي في ألمانيا، إن "الخطر لا يتأتى فقط من التدمير الممنهج للآثار الذي يتبع في كل من سوريا والعراق، ولكن أيضا من (عمليات النهب والاتجار) اللتين تمثلان خسارة ثقافية هائلة" وأضاف، أنه وبنتيجة التدمير والنهب معا، "فإن الإطار المهم لإعادة تكوين الحضارات في المنطقة، قد دمر تمامًا".

ومنذ شباط الماضي، بدأ شابان يعملان في موقع "الإرث الثقافي الافتراضي" الذي يحاول جمع تحف العالم على موقع خاص، بموجب مشروع أوروبي مشترك، محاولة بناء متحف للآثار السورية والعراقية التي هي في طريقها إلى الاندثار، وفقا لصحيفة "الشرق الأوسط".

وطلب القيمون على الموقع من كل أولئك الذين التقطوا صورًا فوتوغرافية لآثار هذين البلدين، أن يرسلوا صورهم للموقع لإعادة تركيبها من خلال مشاهد ثلاثية الأبعاد، أقرب ما تكون إلى الواقع، وهو ما يتم إنجازه في الوقت الحالي. مواقع عدة معنية بالتراث، أطلقت نداءات، سواء للتبليغ عن آثار تم العثور عيها، أو لجمع الصور، أو لتزويد المعنيين بالمعلومات حول الآثار السورية والعراقية.

ويقرّ الأثريون وكذلك المنظمات الدولية الثقافية، بأنهم في حالة عجز تام، حين تكون لغة السلاح هي السائدة، ولا مكان لغيرها ،واللافت أن تنظيم "داعش" أنشأ وزارة مهمتها جني الأرباح من نهب الآثار التي سيطر عليها التنظيم في سوريا والعراق، وآخرها تدمر التاريخية بوسط سوريا.

ويقدر الاختصاصيون الآثار التي فقدت بملايين الدولارات، وإذ يعد البعض أنه من المستحيل تقدير قيمة القطع الأثرية التي سرقت أو حطمت في سوريا، وهي مهد لحضارات إنسانية قديمة، فإن "الجمعية الدولية لتجار التحف الفنية في لندن تقدرها بما يقارب مائتي مليون يورو في عام 2013 وحده".

يذكر أن الإحصاءات تقول إن 4500 موقع أثري، باتت جميعها تحت سيطرة "داعش" في كل من سوريا والعراق، و"داعش" حين لا ينهب أو يحطم، فإنه يترك لبعض العصابات حرية التصرف ويفرض عليها ضريبة الخمس على ما تبيعه أو تستفيد منه، ليمول نفسه بأسهل السبل وأقلها تكلفة.

وتعد لائحة الآثار التي فقدت، وربما إلى الأبد، طويلة وموجعة، فمن مدينة نمرود في العراق، إلى متحف الموصل، ورأس أبي تمام، ومرقد النبي يونس. كما دمر مسلحو "داعش" تمثال الموسيقي والملحن العراقي من القرن التاسع عشر عثمان الموصلي، وكذلك تمثالا للشاعر أبي تمام. وفي الموصل، تم نبش قبر الفيلسوف العربي ابن الأثير، ودمرت القبة المقامة فوق ضريحه.

مئات المدافن والكنائس والمقامات في مدن سوريا والعراق، تعد كنزًا أثريًا ثمينًا، منها ما دمر، وغيرها مهددة بالزوال. من تمثال ابي العلاء المعري إلى شواهد القبور في سوريا، لم ترحمها العصابات المسلحة الهمجية، كانت مادة ثمينة لدراسة أسماء العائلات، وإعادة التعرف على المهن المندثرة التي أعطت أسماءها لبيوتات لا تزال موجودة إلى اليوم.

مدينة تدمر وحدها التي تحول مسرحها الروماني البديع إلى مكان للإعدامات الجماعية، مجرد التفكير بإمكانية فقدها، يعد أمرًا مرعبًا، لكل من يقدر قيمة هذا الكنز الإنساني الذي صمد ألفي سنة، وها هو مهدد بمعاول الجهل واللامبالاة.

في تدمر أيضا، وإضافة إلى المسرح الأثري، يوجد السوق التاريخي، والشارع المستقيم المحاط بالأعمدة على مدى عدة كيلومترات، والبوابة الكبرى المعروفة بـ"قوس النصر"، ومعبد بعلشمين، ومدفن زنوبيا، وسبيل حوريات الماء، ووادي القبور، ومجلس الشيوخ، وكنوز كثيرة أخرى يصعب حصرها.

وتدمر،المدينة المفترق، التي شكلت نقطة التقاء تجارية وثقافية، هي موضع حضارتين شرقية ورومانية غربية، كما أن فيها آثارا تهم الديانات السماوية الثلاث، واستطاعت أن تقاوم مئات السنين، ومن هنا، الصرخة المدوية التي أطلقت من كل اتجاه مخافة فقدانها.

الإجراءات الدولية والغربية كثيرة، لمحاولة التصدي لمهربي التحف. مجلس الأمن الدولي كان قد طالب الحكومات بالتحرك لمنع تهريب الآثار العراقية والسورية، منبهًا إلى أن هذه المسروقات تشكل مصدرًا مهمًا لتمويل "داعش"، كما أن الإنتربول وضع قاعدة بيانات للآثار المنهوبة التي تم إحصاؤها، ووزعت المعلومات على "اليونيسكو" وكذلك المتاحف والمؤسسة المعنية لوضع فهارس بالمسروقات، لأنها ستظهر عاجلاً أم آجلاً، وسيكون بالإمكان استعادتها.

لكن هذا النوع من التدابير شهدناه عند الغزو الأميركي للعراق واستشراء الفوضى، ونهب الآثار، ومع ذلك فإن ما تمت استعادته، لا يشكل شيئًا مهمًا بالنسبة لما فقد، ولم يتمكن أحد من العثور على القطع الأهم لغاية الآن. ومعلوم أن هيئات مهمة ومنها متاحف ومؤسسات أثرية، باتت تضرب بمصدر القطعة عرض الحائط، وتشتري ما يعرض عليها بصرف النظر عن مشروعية الشراء. فالطمع كبير، والمحاسبة نادرًا ما تكون على مستوى المخالفات المرتكبة.

ومع أن قضية آثار سوريا والعراق المهددة بالاندثار، تثير غضب المجتمع الدولي شفهيًا على الأقل، مع كثير من العجز، على المستوى العملي، فإن ثمة أصواتًا عربية تستنكر هذا الاهتمام وتعتبر الآثار مجرد حجارة، ونوعًا من الترف غير المقبول ما دامت حياة الناس ترخص إلى حد أن المجازر باتت أمرًا يوميًا.

وعلى مر التاريخ تعلمنا أنه وخلال الحروب بمجرد أن تبدأ فئة بمحو الهوية التاريخية لشعب ما، فإن هذا يستتبع بمجازر للقضاء الجسدي على أفراد هذا الشعب نفسه.

وكذلك هي حال "داعش" في المناطق التي يسيطر عليها، إذ يجمع التنظيم بين تدمير الأماكن وقتل السكان بطرق وحشية، وبالتالي، فليست صحيحة تلك المفاضلة الدائمة بين البشر والحجر، إذ إن الجهة التي تريد الخراب، تسقط الخطوط الحمراء، ولا تعود تميز بين السكان وأماكنهم الأعز على قلوبهم.

وكالات

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...