مخالفات وتجاوزات بالجملة لشركات النفط الأجنبية
الذي دعانا لفتح ملف شركات النفط الأجنبية العاملة لدينا، هو كثرة الشكاوى التي تردنا منذ شهور على هذه الشركات. ولاسيما أن هذه الشكاوى أخذت بالازدياد في الآونة الأخيرة. لكن في حقيقة الأمر بدأنا بالتقصي عن الموضوع من لحظة وصول أول شكوى إلينا في أواخر الشهر السادس من العام الحالي، لمعرفة مدى صدقية الشكاوى وحجم المخالفات المرتكبة ونوعها ومدى إساءتها للوطن والمواطن.
ووقتها توصلنا إلى رأس خيط قادنا فيما بعد إلى كشف الحقيقة كاملة. ويتمثل رأس الخيط هذا باكتشافنا من خلال المتابعة، بأن ثمة شكاوى سُجِّلت من قبل عدد من العمال بحق تلك الشركات لدى مديرية الشؤون الاجتماعية والعمل بالحسكة، وبناء على ذلك فتحت المديرية تحقيقاً بالموضوع، الأمر الذي دفعنا لتركيز جهودنا في تلك المرحلة لمتابعة نتائج ذلك التحقيق، لأنه سيوفر علينا الكثير من الجهد، ولاسيما إذا جرى بموضوعية بعيداً عن أية ضغوط وأخذ بعده القانوني الصرف، وهذا ما لم نشك فيه لأنه بين يدي جهة مشهود لإدارتها بالجدية والحزم في مثل هذه القضايا التي تخص حقوق العمال وتطبيق الأنظمة والقوانين المرعية.
وعلى الرغم من أن المسألة استغرقت وقتاً طويلاً بعض الشيء، نتيجة للروتين المقيت، فقد اكتشفنا في النهاية أن الأمر يستحق كل ذلك العناء، ولاسيما أننا توصلنا إلى الكثير من النتائج الهامة، التي نضعها بين يدي الجهات المختصة، من خلال هذا الملف الذي تقوم (تشرين) بفتحه، على أمل تحريك بقع النفط الراكدة، ورفع الغطاء عما تقترفه شركات النفط الأجنبية من موبقات بحق عمالنا.
وقبل أن نخوض في التفاصيل، نتوقف عند بعض الشكاوى المقدمة من قبل عدد من العمال لدى بعض شركات النفط الأجنبية، فماذا تقول تلك الشكاوى:
ـ اسمي فيصل محمد الحياوي من أهالي قرية عياش التابعة لمحافظة دير الزور. أفيدكم بأنني عملت لدى شركة (و) للخدمات البترولية بصفة شيف ميكانيك من تاريخ 7/2/2008 وبراتب شهري مقداره 100ألف ل.س، وتم تحديد موقع عملي في حقل تشرين (بالحسكة) على الحفارة رقم 24 والحفارة رقم 25 ولم أتقاض أي أجر من الشركة رغم مطالبتي المتكررة بذلك لمسؤول الحفر المدعو (ج.ب) الذي طلب مني صورة عن سجل أيام عملي لدى الشركة وبعد أن قدمت له المطلوب لم أره على الإطلاق. وبتاريخ 20/6/2008 أبلغني مسؤول الموقع المدعو (ر.ف) وهو روماني الجنسية بعدم رغبة الشركة ببقائي في العمل، دون أي مبرر قانوني أو مسوغ يجيز لهم إنهاء عملي ولاسيما أنه غير محدد المدة.
ـ شكوى أخرى مقدمة من 35 عاملاً يقولون فيها: إننا نعمل لدى شركة (و) للخدمات البترولية والمتعاقدة مع شركة (د) للقيام بأعمال حفر آبار النفط، وكانت بداية عملنا لدى فرع الشركة في محافظة دير الزور، حيث باشرنا العمل على الحفارة 24 التابعة للشركة ثم على حفارتين غيرها، وبعد عودتنا من الإجازة منذ ثلاثة أشهر بدأت الشركة باتباع العديد من الأساليب غير الأخلاقية لإجبارنا على ترك العمل، من ذلك:
1 ـ تركنا دون طعام والإيعاز لشركة الإطعام بعدم تقديم أية وجبة لنا.
2 ـ اتهامنا بالإضراب عن العمل.
3 ـ عدم دفع أجور النقل من موقع العمل إلى منازلنا، حيث أجبرنا على الانتقال على نفقتنا الخاصة.
4 ـ عدم منحنا زيادة الرواتب والأجور الصادرة عن رئيس الجمهورية ووزارة الشؤون الاجتماعية والعمل.
5 ـ إجبارنا على التوقيع على جداول الرواتب وهي فارغة.
ـ شكوى أخرى مقدمة من 14 عاملاً أسماؤهم لدينا يقولون فيها: إننا نعمل على الحفارتين 25 و 26 لدى شركة (و) للخدمات البترولية وبتاريخ 9/8/2008 حضر إلينا مدير الحفارة الأجنبي (ب.س) وأمرنا بالتوقف عن العمل ومغادرة الموقع فوراً لأن الشركة استغنت عنا دون أي مبرر وبشكل تعسفي.
شكاوى أخرى عديدة من مجموعة من العمال يؤكدون فيها أن بعض شركات النفط الأجنبية العاملة في محافظة الحسكة، متعاقدة مع إحدى الشركات في محافظة دير الزور لتأمين عمال لها. حيث تقوم هذه الشركة بما يلي:
1 ـ فصل العامل من عمله بعد مرور شهر واحد فقط على استخدامه.
2 ـ عدم تسليم العامل راتبه كاملاً واقتطاع الجزء الأكبر منه لصالحها.
3 ـ تقاضي عمولات عالية من العمال لقاء تأمين عمل لهم.
ومن بين الوثائق التي حصلنا عليها الكتاب رقم 2525/4 تاريخ 15/7/2008 الموجه من مدير مالية دير الزور إلى شركة (و) للخدمات البترولية، والمتضمن أنه ترتب على شركة (ن) للخدمات الهندسية صاحبتها السيدة (س.ع.ع.ب) وهي الشركة المتعاقد معها بعض شركات النفط الأجنبية لتأمين عمال لها، مبلغ 3 ملايين و100 ألف و175 ل.س ضرائب أرباح حقيقية وعقارات وأملاك دولة. ويطلب مدير مالية دير الزور من الشركة الموجه إليها الكتاب (عدم صرف أية مبالغ أو مستحقات لشركة (ن) للخدمات الهندسية وأصحابها إلا بعد حصولهم على براءة ذمة من مديرية مالية دير الزور تأميناً لحقوق الخزينة العامة).
ـ وثيقة أخرى هي الكتاب 1527/ص تاريخ 4/9/2008 الموجه من مدير الشؤون الاجتماعية والعمل بالحسكة إلى شركة (و) للخدمات البترولية يقول فيه: بناء على الجولة التفتيشية التي قام بها مفتش دائرة العمل الصناعي في مديريتنا إلى مواقع عمل الشركة في حقلي تشرين وعودة بتاريخ 19/7/2008 تبين أن الشركة تستخدم عمالاً أجانب دون الحصول على ترخيص عمل. مخالفة بذلك أحكام المادتين 35 ـ 36 من قانون العمل رقم 91 لعام 1959 وتعديلاته وقرار وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل رقم 2040 لعام 2005. وتم إفهام مفوض الشركة مضمون المخالفة ونظم بها الضبط اللازم أصولاً وأحيل الضبط إلى القضاء المختص.
كما قامت مديرية الشؤون الاجتماعية والعمل بالحسكة بتوجيه المذكرة رقم1237/ص تاريخ 4/8/2008، إلى وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، تتحدث فيها عن وجود العديد من المخالفات والتجاوزات المرتكبة من قبل بعض شركات النفط الأجنبية، وأبرز هذه التجاوزات:
1 ـ إن الشركة (و) للخدمات البترولية ومقرها الرئيس بدمشق والمتعاقدة مع شركة (د) للنفط للقيام بأعمال حفر وصيانة آبار النفط في مواقع متعددة في محافظة الحسكة، تستخدم خبراء أجانب دون الحصول على تراخيص عمل وبطريقة يتم التحايل فيها على القانون، حيث تم تنظيم ضبط مخالفة بحق الشركة لاستخدامها (8) خبراء أجانب، وأحيلت هذه الضبوط إلى القضاء المختص حسب الأصول.
2 ـ إن الشركة (و) للخدمات البترولية تستخدم عمالاً سوريين عن طريق المتعهدة (س.ع.ع.ب) صاحبة شركة (ن) للخدمات الهندسية بدير الزور، وليس لديها ترخيص كمتعهدة لتوريد العمال. وذلك لقاء بدل نقدي يتم التكتم عليه حتى لا يعرف العمال مقدار أجورهم. واستناداً لهذا العقد تقوم المتعهدة (س.ع.ع.ب) باستخدام واستقدام العمال من محافظة دير الزور إلى محافظة الحسكة، آخذة دور مكاتب التشغيل في تأمين فرص العمل، وتتقاضى عمولة لقاء ذلك، وهي التي تستلم أجور العمال وتعويضاتهم من تلك الشركة شهرياً، حيث تتأخر في تسليم الرواتب وتقتطع نسبة منها لصالحها، وأحياناً لا تسلمها لهم نهائياً. وهذا مخالف لأحكام قانون العمل رقم 91 لعام 1959 وتعديلاته وخاصة المادتين/21 و22/. وهو دليل واضح على مدى استهتار هاتين الشركتين بالقوانين والأنظمة. علاوة على أن معظم العمال غير مؤمن عليهم لدى مؤسسة التأمينات الاجتماعية.
3 ـ إن العقد المبرم بين الشركة (و) للخدمات البترولية وشركة (ن) للخدمات الهندسية الغاية منه حماية الشركة، والتهرب من التزاماتها تجاه العمال وحقوقهم الممنوحة لهم قانوناً، وتحقيق مكاسب للشركتين دون رقابة، وجعل الوسيط وهو شركة (ن) للخدمات الهندسية وسيلة لابتزاز العمال وإرغامهم على تنفيذ ما يطلب منهم والتنازل عن الامتيازات الممنوحة لهم بموجب القوانين والأنظمة النافذة.
4 ـ إن شركة ) ن) للخدمات الهندسية تتهرب من تسديد حقوق الخزينة العامة رغم المكاسب الكبيرة التي تحققها.
5 ـ إن العمال الموجودين في الشركة (و) للخدمات البترولية لا يعلمون بشكل واضح مقدار أجورهم الشهرية كون المتعهدة (س.ع.ع.ب) هي التي تستلم كامل الأجور وهذا مخالف لأحكام المادة 22 من قانون العمل.
وطالبت مديرية الشؤون الاجتماعية والعمل بالحسكة باتخاذ الإجراءات اللازمة بحق تلك الشركات، وذلك حماية لحقول النفط وما تمثله من ثروة وطنية وعماد للاقتصاد الوطني ولأهمية هذا القطاع ولحماية العاملين فيه وتأمين ظروف العمل المناسبة لهم.
وبناء على ذلك، وجهت الدكتورة ديالا الحج عارف وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل الكتاب رقم ع/5/6130 تاريخ 24/8/2008 إلى محافظ دير الزور، تبين فيه المخالفات المرتكبة من قبل الشركة (و) للخدمات البترولية وهي:
1 ـ استخدام عمال أجانب دون الحصول على ترخيص عمل مخالفة بذلك أحكام المادتين 35 و 36 من قانون العمل رقم 91 لعام 1959 وتعديلاته وقرار وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل رقم 2040 لعام 2005.
2 ـ العمل على استخدام عمال سوريين بوساطة المتعهدة (س.ع.ع.ب) صاحبة شركة (ن) للخدمات الهندسية في دير الزور دون الحصول على ترخيص بمزاولة عملها بالموارد البشرية. وبذلك تكون قد قامت بدور مكاتب التشغيل بتأمين فرص عمل للعمال السوريين من محافظة دير الزور إلى محافظة الحسكة، مخالفة بذلك أحكام القانون رقم 3 لعام 2001.
3 ـ قيام شركة (ن) باستغلال العمال وابتزازهم وحرمانهم من رواتبهم وتعويضاتهم حيث تقوم صاحبة الشركة المتعهدة (س.ع.ع. ب) بقبض الرواتب والتعويضات لحسابها دون أن تقوم بدفعها للعمال.
وطالبت وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل بإغلاق الشركة المذكورة.
وبغض النظر إذا كان الجهات المختصة في محافظة دير الزور قد أغلقت شركة (ن) للخدمات الهندسية أم لا، فإننا نتساءل عن حقوق العمال التي أكلتها عليهم هذه الشركة وشركات النفط الأجنبية المتعاقدة معها ؟. وماذا سيكون مصير تلك الحقوق؟. وبالتالي هل من إجراءات رادعة بحق شركات النفط الأجنبية، لكي تكف عن القيام بتلك التجاوزات والمخالفات التي ترتكبها على مدار الساعة دون خوف أو وجل ؟. وكأنه يحق لها ما لا يحق لغيرها أو كأنها فوق القانون، والخشية أن تعتبر تلك الشركات ـ بقصد أو بغير قصد ـ ذلك من ضمن المزايا العقدية التي حصلت عليها.
أسئلة لا نملك إلا أن نضعها برسم الجهات المختصة.
خليل اقطيني
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد