محلِّلون روس يقرأون زيارة الأسد: موسكو لن تساوم على سوريا
في الأسابيع الماضية، حصلت تطورات عسكرية وسياسية مهمة على صعيد الأزمة السورية، خاصة على صعيد العلاقات الروسية ـ السورية.
وكان للزيارة غير المنتظرة للرئيس السوري بشار الأسد إلى الكرملين صداها الكبير، وشكلت صدمة كبيرة للولايات المتحدة وحلفائها، حيث أكدت من جديد أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتمسك بشرعية الأسد أكثر من أي وقت مضى، على اعتباره رئيساً فاز في الانتخابات الأخيرة، وروسيا لن تألو جهداً في التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية، وهذا ما كانت تدعو إليه منذ بداية الأزمة .
صحيح أن زيارة الأسد كانت قصيرة وخاطفة، لكنها بالمعنى السياسي لا تحسب بطول الوقت. الأعداء الذين راهنوا على عزل الرئيس السوري عن المشهد السياسي الدولي راهنوا على الحصان الخاطئ والغبي، وحسابات جيوسياسية ضيقة، إذ اعتبروا أن تشديد الحصار الاقتصادي على روسيا سيدفعها إلى تقديم التنازلات في ما يخص الملفين الأوكراني والسوري.
ثلاث ساعات من المحادثات المكثفة طالت الكثير من الملفات بين البلدين في هذه المرحلة الدقيقة، عبر زيادة التعاون على كل الصعد، وخصوصاً الوجود العسكري الروسي في سوريا، حيث جرى الحديث عن بناء قاعدة عسكرية كبيرة في سوريا ودعم الجيش السوري بكل ما يلزم من العتاد الجديد ليكون جاهزاً لمواجهة تحديات ما بعد الحرب، وإبعاد شبح عودة الإرهابيين إلى سوريا، والدور الرئيسي الذي سيؤديه الأسد في التوصل إلى حل سياسي، إذ إنه من اللاعبين الأساسيين على طاولة الحوار.
ليس من السهولة بالنسبة لأعداء الأسد «هضم» اللقاء في الكرملين والجو «العائلي» الذي تُوِّج بعشاء ساده الود. قد تكون لائحة الطعام بسيطة، ولكن الدسم فيها يترجم مساعدات عسكرية واتفاقات وحماية دائمة طويلة الأجل لسوريا وقيادتها وشعبها في المحافل الدولية.
اللقاء قسم، بحسب المعلومات، إلى ثلاث جلسات: لقاء منفرد بين الرئيسين، آخر على العشاء، والثالث كان موسعاً انضم إليه وزير الخارجية سيرغي لافروف ووزير الدفاع سيرغي شويغو وسكرتير مجلس الأمن نيكولاي باتروشيف.
إن اللـقاء الذي حصل إنما يؤشر إلى أن روسيا بدأت بالهجوم الديبلوماسي الجاد، على اعتبار أن مواقفها من الأزمة السورية معروفة، ولكن اليوم باتت مدموغة بصواريخ من قزوين ومطاردة الإرهابيين على الأراضي السورية والقرار تم اتخاذه ولا عودة عنه أي الدعم السياسي والعسكري المباشر لسوريا وقيادتها، والحديث عن رحيل الأسد أصبح بلا معنى ولا جدوى.
ويشير المحلل السياسي في معهد الدراسات التاريخية ميخائيل ميخائيلوفتش شيتو، في حديث إلى «السفير»، إلى أن «الموقف الروسي واضح على صعيد العلاقة مع الأسد، وما الاستقبال العلني إلَّا دليل على أن الحديث عن رحيله مجرد هراء. إن روسيا ماضية في خياراتها في مواجهة الإرهاب على الأراضي السورية وغيرها من الدول، وهي دعت إلى تشكيل جبهة دولية لمواجهته، ولكن واشنطن لم تتجاوب، بل على العكس كانت تمول وتساعد المنظمات الإرهابية من أجل تدمير سوريا وتاريخها».
الزيارة تحمل في طياتها عاملَين أساسيين: الأول يتعلق بشخصية الأسد، على اعتبار أنه رئيس شرعي ومنتخب شعبياً، وهذا يدل على أنه ليس معزولا ويتواصل مع العالم وجاء إلى الكرملين باحثاً عن حل لقضية بلده ولم يذهب إلى واشنطن أو جنيف. ثانيا، التذكير إنه من دون روسيا والأسد لا يمكن أن يمر أي حل، بحسب المحلل السياسي ديمتري بوليكانوف، مضيفاً: «إذا كان الرئيس الأميركي باراك أوباما يهدد بتقديم صواريخ ستينغر إلى المسلحين الإرهابيين فإنه بذلك يصب الزيت على النار. إنه يدفع باتجاه تأجيج الحرب لا وقفها».
من جهته، قال نائب وزير الخارجية السابق ومدير مركز الأبحاث السياسية أندريه فيودوروف إنه كان يمكن عدم الحديث عن الزيارة، ولكن الإعلان عنها يحمل معاني ورسائل كثيرة: «روسيا وضعت أوراقها على الطاولة».
في الإطار، اعتبر نائب المتحدث باسم الدوما الروسي نيقولاي ليفيتشيف أن المحادثات بين الرئيسَين الروسي والسوري هي إعلان على الملأ أن موسكو ماضية في دعمها لدمشق في محاربة الإرهاب، وأن التعاون سيستمر على كل الصعد. ومن الواضح أن المجموعات الإرهابية بعد الدعم الروسي بدأت بالتقهقر.
لقد اعتمدت روسيا طريقة «الصدمة والرعب» التي فاجأت فيها الدول الغربية والإقليمية على السواء، عبر إطلاقها صواريخ من قزوين وشن غارات جوية على أوكار الإرهابيين استنادا إلى بنك أهداف عسكري محدد وخطة عسكرية محكمة، وبذلك تكشف عن جزء من أوراق اللعبة على طاولة الصراع، وكما يقال: الأمور في خواتيمها.
الزيارة دفعت بالعديد من المحللين السياسيين الروس إلى وصفها بالتاريخية وهي إصرار على طبيعة العلاقات الروسية ـ السورية، لكن هناك مَن ينظر إليها من منظار آخر بعد التدخل العسكري المباشر لروسيا عبر الدعم اللوجستي والجوي، ما سمح للقوات السورية باستعادة الكثير من المدن من أيدي الجماعات المسلحة، وبالتالي خلق «موازين» سياسية، بعد الضربات الصاروخية من بحر قزوين التي لم تكن في الحسبان.
واعتبر كبير الباحثين في مركز «السياسات المقارنة» ديمتري ابزالوف أن الظهور العلني للأسد يعني أنه رئيس شرعي على الصعيد العالمي، وشريك أساسي في التوصل إلى حل سياسي في سوريا، ومن الضروري لروسيا أن تسعى لأن يكون الأسد حول طاولة الحوار خلال مناقشة العملية السلمية. ومن الواضح أن اللقاء بين الرئيسين يدفع في هذا الاتجاه.
ويشير ابزالوف إلى أنه كان بإمكان بوتين استقبال الأسد في أي مكان في روسيا، لكن من الواضح أن حصول اللقاء في الكرملين يعني أن بوتين قد اتخذ قراراً بالدعم الكامل للرئيس الشرعي بشار الأسد، ولا مساومة حول وجوده في السلطة.
وأضاف ابزالوف إن اقتصاد سوريا مدمر، وهو بحاجة إلى النهوض السريع من دون شك، ويجري الآن نقاش حول تقديم المساعدة، خاصة مع الشركات الروسية الكبرى «غازبروم» و «روسنفت».
من جهته، اعتبر مدير معهد «مركز التطوير» من مدرسة الاقتصاد العليا فاليري ميرونوف أن الزيارة التي قام بها الأسد كانت محسوبة بشكل دقيق، وليس بهدف الاستعراض، فيما أوضح مدير مركز الاستشراف العسكري اناتولي تسيغانوك أن سوريا بحاجة ماسة إلى السلاح الروسي الحديث، خصوصاً الطائرات والطوافات والصواريخ والراجمات الحديثة «المحرقة»، وهناك اتفاق سابق على دعم الجيش السوري بكل ما يلزم من عتاد وتقنيات. وأشار إلى أن «اللقاء المغلق بين الرئيسين الروسي والسوري قد يكون ناقش إمكانية قيام روسيا بإنشاء قاعدة بحرية عسكرية كاملة وإلغاء قسم من الديون السورية».
فؤاد خشيش
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد