متوسط ارتفاع الأسعار يصل إلى 41.7%
منذ أشهر، عرضت احدى المنظمات التابعة للأمم المتحدة التي تعمل في آسيا وشمال أفريقيا تقريراً بينت فيه أن هناك ارتفاعاً في الأسعار سجل في سورية بين العام 2003 و 2006 وصل الى 35% وقد عزت ذلك الى وجود أعداد كبيرة من اللاجئين العراقيين الذين استقبلتهم سورية.
كثيراً ما استهجن البعض أن تكون زيادة الأسعار وصلت الى هذه النسبة.
فظاهرة ارتفاع الأسعار تشكل هاجساً بالنسبة للمستهلك والحكومة لكن هذا الهاجس أكبر عند المستهلك ،فربّ الأسرة لا يستغرق وقتاً طويلاً في التسويق فهو في أقل من ساعة يكون قد اشترى كل ما يحتاجه البيت من غذاء ليوم كامل.
أما الحكومة فلديها اجراءات تعتمد على تقارير ووقائع تأخذ حيزاً كبيراً من الوقت فعندما تتخذ القرار يكون رب الأسرة قد خلع جيوبه وهو يفتش عن بقايا مصروف.
ان ارتفاع الأسعار شمل سلعاً أساسية غذائية ضرورية للمواطن تشكل 77 % من سلة المستهلك وهذا الارتفاع لم يكن نتيجة لظاهرة تضخمية في الاقتصاد السورية.
هذا ما بينه تقرير عرض أمام اجتماع مديري التجارة الداخلية وترأسه السيد وزير الاقتصاد والتجارة.
ويضيف التقرير: ان أسعار الخضار ارتفعت بنسبة 21.5% ما بين عامي 2004 و 2006 و 31.2% ما بين عامي 2005 و 2006.
وأن أسعار اللحوم والبيض ارتفعت فقط 3.8 % عامي 2004 ـ 2006 و 23.4% ما بين 2005 و 2006 والحق هنا على انفلونزا الطيور.
وان اسعار الحمص ارتفعت بنسبة 13% ما بين 2004 و 2006 و 48 % ما بين 2005 و 2006 مع ملاحظة انخفاض المساحة المزروعة بنسبة 28.16 عن الأعوام السابقة.
وارتفعت اسعار البطاطا بنسبة 41 % عامي 2005 و 2006 والبندورة المحمية ارتفعت بمعدل 25%، أما البصل فقد زادت اسعاره بنسبة 81.81% عام 2006.
وبحسبة بسيطة وإذا كانت المواد المذكورة هي عينة وهي فعلاً كذلك فهذا يعني أنه خلال عامي 2005 و 2006 فإن الأسعار قد ارتفعت في سورية بمعدل 41.7% وبالتالي فإن تقرير المنظمة الدولية قد وفر على الحكومة حوالي 9%.
في الأسباب الموضوعية تتصدر الأحوال الجوية من صقيع وانحباس الأمطار هذه الأسباب إضافة الى ظروف الدول المجاورة وزيادة عدد الوافدين الى سورية ما ادى الى زيادة الطلب وبالتالي اختلال موازنة العرض والطلب.
إضافة الى أسباب أخرى قد لا يكون لها صلة بالواقع.
أما الاسباب غير الموضوعية فتعود الى ارتفاع معدلات الارباح وخاصة ارباح الحلقات الوسيطة أو عدم تداول الفواتير بين حلقات الوساطة التجارية و خاصة تهرب المنتجين والمستوردين وباعة الجملة من اعطاء الفواتير للباعة ليتهربوا من دفع الضريبة لوزارة المالية. وعدم التقيد ببطاقة البيان التي تشكل هوية السلعة اضافة الى التهريب والتصدير غير النظامي وحالة احتكار استيراد بعض السلع.
لا شك ان للأحوال الجوية التي سادت خلال الشتاء المنصرم دوراً لا بأس به وان زيادة عدد الوافدين ممن يملكون قدرة شرائية تفوق كثيراً القدرة الشرائية لنسبة كبيرة من المواطنين أيضاً لها دور كبير.
هذا لا يمكن التدخل فيه فهو في الحالتين قضاء وقدر، أما أن يذكر تقرير صادر عن جهة حكومية أن ارتفاع معدل الربح والتهرب من تقديم الفواتير وبطاقة البيان.. فهذا لا يضحك فقط.. بل إنه يبكي.
وزارة الاقتصاد هي المعنية بضبط الأسعار من خلال تحديد نسب ربح تستند على دراسة الكلفة وترك هامش للربح لكل حلقة تجارية وإذا ما تجاوز أحد ذلك يفترض ان دوريات حماية المستهلك بالمرصاد وهي موزعة بالاسواق «للعمل وليس للبروظة».
أما موضوع الفواتير وعدم تقديمها فنعتقد أنه قديم قدم الاستيراد والتصنيع في سورية، ولم يأت وزير إلا ويتحدث عن ذلك. وبقي كله كلاماً بكلام.. يصدر من جهة عليا «وزير» ليصب في آذان جهة أدنى وهكذا حتى تحولت الى معزوفة مرة ترددها غرف التجارة وأخرى غرف الصناعة مع أن المخالفين «وهم كثر» ينتسبون الى احدى هذه العزف..
وتبقى وزارة المالية «منذ زمن وليس الآن فقط أمام «صندوق الفرجة» تصفق مع المصفقين وتفرك يديها حزناً لأن مطرحاً من أهم المطارح الضريبية لا تستطيع الامساك به أو النفاذ الى تلك الحلقة المحمية في «الغرف المظلمة» أما التهريب والتصدير غير النظامي فلن نتحدث عنهما لا لسبب إلا لأننا لا نريد سماع صدى صوتنا الذي يغرد منذ عقود في واد سحيق.
ما لم تعلمه فعلاً هو الاسباب الحقيقية وراء هذه الزيادات الكبيرة في الاسعار،
فارتفاع اسعار الخضار يعود الى الاضرار الكبيرة التي ألحقتها «الطبيعة» بالمواسم وبالتالي ندرة المادة المعروضة ولعلمكم فإن السوق «عرض وطلب» والتصدير الجائر لم يراع ندرة هذه المواد على موائدنا.
وان ارتفاع اسعار البيض يعود لعزوف دجاجنا عن البيض بعد أن حاولت وزارة الزراعةإلصاق تهمة «الانفلونزا» به إضافة الى تهريبه «تحت بنود أخرى» تمر مرور الكرام من المنافذ الحدودية بعد أن منعت وزارتا الاقتصاد والزراعة تصديره لتنعم بطعمه اللذيذ.
أما ارتفاع سعر الحمص لا يعود الى قلة الشهية بعد نصائح الاطباء لمرض القولون والمعدة وارتفاع نسبة الاسيدوريك في الدم بعدم تناوله كي لا يتفاقم المرض ويتحول الى مزمن بل الى انخفاض المساحة المزروعة بمعدل 28.16% وانخفاض الانتاجية في وحدة المساحة بنسبة 21.5% بسبب البذار المحسنة؟!..
وما لا تعلمه أيضاً ان زيادة اسعار البطاطا بنسبة 41 % لا يعود الى انخفاض نسبة المساحة المزروعة بنسبة 6% أو قلة الكميات المستوردة بحجة العفن البني بل سبب البذرة الجديدة «قليلة الانتاجية» التي وهبتها مؤسسة اكثار البذار للمزراعين.. لكن بـ 17 ألف ليرة للطن.
وان العواصف التي كسرت «الانفاق» المحمية في الساحل السوري شردت «شتلات» البندورة ولهذا ارتفعت أسعارها والمشكلة ان المزراعين لم يعيدوا زراعتها بسبب انتظار لجان التخمين التي لم تصل حتى الآن، وبالتالي فإن الحكومة معذورة بعدم التعويض لأنها لم «تقرش» كم سيكلفها ذلك وهي الحريصة على استمرار الانتاج كيلا تلزم نفسها بالاستيراد.
أما البصل.. فرائحته منفرة ولهذا وبسبب حرص وزارة الاقتصاد على عدم استفحال الخلافات الزوجية، فقد بسطت يدها لتواقيع التصدير، لتقذف بالبصل الى خارج الحدود ومن لم يحصل على توقيع فقد وضع « بصله» في برادات تسير شرقاً تحت جنح الظلام ـ ووزارة المالية تسير غرباً بحثاً عن مطرح البصل الضريبي.
ومالاتعلمه ايضاً أن معدي التقرير الذي اجتزأنا منه هذه النسب لم يعده المكتب المركزي للاحصاء« الملهو بدراسة الفقر» ولاوزارة الزراعة المعنية بانتاج المحاصيل ـ بل مديريات التجارة الداخلية، وعرضت تفاصيله كاملة امام السيد وزير الاقتصاد والتجارة يوم الخميس 21/9/2007 اثناء ترأسه اجتماع مديري التجارة الداخلية في المحافظات
الواضح أنكم عجزتم عن اقناع التجار بتقديم الفواتير وبطاقات البيان ـ وهذا لايسعدنا .. هذا بالنسبة للسلع المستوردة والمصنعة.. أما مايخص الانتاج الزراعي الذي ارتفعت اسعاره بمعدل 41.7% فإن سر ذلك مدفون« في كروش السماسرة المتربعين على إمارات سوق الهال، والمتربصين بقوت الناس. فإذا علمتم ان اكثر من 50% من الاسعار التي نشتري بها غذاءنا يدفن في تلك الكروش ـ وأن الفلاح ـ او المزارع لايجني من تلك الاسعار الا مايقارب 30% بعد احتساب اجور النقل وأسعار الصناديق ـ دون أن تتعرض الى التكاليف الاخرى... عندما تدركون ذلك فإنكم ستضعون في تقاريركم اسباباً موضوعية بحق .
سلمان عيسى
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد