ماجد حليمة: مقبلون على عمل كبير
في ضوء الاقتراحات والتصورات والخطوات العملية التي يطرحها الأستاذ ماجد حليمة ـ المدير العام لهيئة الإذاعة والتلفزيون.
يبدو أن الهيئة مقبلة على عمل كبير، يتضمن تحويلها إلى مؤسسة اقتصادية قادرة على مجاراة سوق الإعلام العالمي ومواكبته، وإحداث قنوات فضائية وإذاعية جديدة، والارتقاء بالأداء الإعلامي إلى مستويات متقدمة، بما يضمن وصول الصوت والصورة السورية إلى فضاءات أبعد وأرحب. وفي هذا الحوار معه نسلط الضوء على جميع هذه النقاط، وعلى التغييرات التي يشهدها مبنى ساحة الأمويين.
ہ تتحدثون عن (استراتيجية عامة) لتطوير وتحديث الإعلام المرئي والمسموع، فما هي مكونات هذه الخطة؟
ہہ أمضيت عمري المهني داخل الهيئة، ولأنني أدرك واقعها وظروفها وأوضاعها، فقد كان هاجسي الأساسي والأول هو موضوع التطوير والتغيير، وبدأنا العمل على خطين متوازيين: الأول مرحلي يتطلب إعادة النظر في آليات العمل القديمة والبرامجية، والأوضاع المالية والإدارية والاقتصادية للهيئة. أما الخط الثاني، وهو الأساسي، فهو وضع تصور استراتيجي للارتقاء بعمل الهيئة، وهو ما يتطلب إعادة النظر في واقعها كهيئة إدارية، لذا استعنا بورشة عمل، ضمت عدداً كبيراً من المستشارين الاقتصاديين والفنيين، وعقدت سلسلة اجتماعات متواصلة مطولة وجادة، كان من نتيجتها وضع مشروع مرسوم لتحويل الهيئة إلى مؤسسة اقتصادية مستقلة مالياً وإدارياً، ووضع نظام مالي ومحاسبي وإداري يعبر عن هذا التحول المهم، إضافة إلى وضع نظام داخلي جديد للهيئة ينسجم مع دورها الجديد وتطلعاتها الكبيرة في عملها القادم.
- ہ نحن كمشاهدين يهمنا ما الذي سنراه على شاشات الهيئة، وما الذي نسمعه على أثيرها، فماذا يعني تحويلها من مؤسسة إدارية خدمية إلى هيئة ذات طابع اقتصادي على هذا الصعيد؟
ہہ الواقع الحالي يكبلنا، ويفرض قيوداً إدارية تشل حركتنا، بينما الإعلام الآن انتقل إلى السوق، وهذا السوق أصبح له معطيات، وأنت يجب أن تعمل بآليات السوق الإعلامي كي تواكب الإعلام العالمي، فلم يعد في العالم جزيرة منعزلة، ونحن جزء من هذا العالم، لذا يجب أن نواكب، وأنا لا أقول المنافسة بل المواكبة، لأنه حتى تكون مشاهداً ومسموعاً، يجب أن تكون جزءاً من السوق الإعلامية بتقنياته وبإنتاجه وبآليات عمله. أي أن يكون الموضوع الاحترافي عاملاً أساسياً. ومع وجود عامل الاستثمار، فإن الهيئة ستعتمد على نفسها مستقبلاً بما تنتجه من أعمال، وما تقوم به من نشاطات.
ہ ما أعلمه أن الحكومة تموّل الهيئة، وبالتالي فإن جميع عائداتها تعود إلى وزارة المالية؟
ہہ هذا الأمر سيتغير مع تحويل الهيئة إلى مؤسسة اقتصادية..
ہ وعندما يتغير هذا الوضع، ما هي الإمكانات التي ستتاح أمام الهيئة؟
ہہ عندما ناقشنا الوضع الراهن، انطلقنا من مبدأ أن للهيئة وظيفة سياسية وإعلامية، فهي تعبر عن دور سورية وموقفها، وتنقل صورتها الحضارية إلى العالم. لذا يجب أن يستمر دعم الدولة لها. أما تحويلها إلى هيئة ذات طابع اقتصادي فسيصب في صالحها، وفي تعزيز دورها في حمل رسالة المجتمع السوري إلى العالم. لذلك زاوجنا في مشروع (التشريع) الخاص بين استمرار دورنا الإعلامي والسياسي والثقافي، وبين الاستفادة مما ننتجه من ريع الإعلانات والاستثمارات التي يمكن أن نحصل عليها نتيجة لبرامج الاتصالات الهاتفية، ومن خلال مطارح الاستثمار الأخرى التي سنقوم بها. لنعزز قدرات الهيئة الفنية والمالية، وامتلاكها لأحدث تقنيات العمل الإذاعي والتلفزيوني.
ونحن نعتبر صدور التشريع الجديد خطوة مهمة ومفصلية لنقل الهيئة من واقع الركود الحالي إلى حالة متطورة وفعالة، وتلك خطوة أساسية ومهمة لخلق فرص عمل جديدة، ووضع نظام حوافز جديد، ونظام داخلي عصري، يقونن عمل الهيئة بما يتناسب مع دورها الحضاري والاقتصادي الجديد.
- ہ بانتظار صدور التشريع الجديد للهيئة، ما هي الخطوات التمهيدية التي اتخذتموها لضبط آليات العمل تمهيداً للنقلة الكبيرة؟
ہہ اتخذنا بعض الإجراءات في ضبط إيقاع العمل، وفي مأسسته، بمعنى تكريس العمل المؤسساتي من خلال دعوة كل رؤساء الأقسام والمديرين والمفاصل الرئيسية ورؤساء الدوائر للمشاركة في القرار، وشكلت اجتماعاتهم ما يشبه (المجلس الاستشاري)، وبدأنا نتشاور في كل المسائل التي تعنينا كهيئة، وقد انعكست هذه المشاركة بشكل جيد على سير العمل، وظهرت في أسلوب ومستوى التغطية لأحداث الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان، فقد تم التعامل مع هذا الحدث بكل مهنية وباهتمام كبير، شعر به المشاهد السوري خصوصاً والعربي عموماً.
ہ بدأتم إذاً بتحقيق المشاركة في اتخاذ القرار، وممارسة الديموقراطية داخل العمل المؤسساتي، لكنكم أصدرتم سلسلة من القرارات بتغييرات في العديد من المواقع في الإذاعة والتلفزيون، فأين تندرج هذه القرارات؟
ہہ هذه القرارات اتخذت في إطار إعادة تعديل (الواقع)، ورفد العمل بكوادر شابة مندفعة ومتحمسة للعمل، ونأمل أن تكون خياراتنا صحيحة، لأن الشباب الذين اخترناهم يملكون الخبرة والحماسة للعمل، وأعتقد أنهم سيكونون فعالين في تنفيذ التصورات الجديدة للهيئة. ومع تقديري لجهود الزملاء الذين غادروا مواقعهم، فإنه لا بد من إيقاع عمل جديد وآلية عمل جديدة، وكل مرحلة تحتاج إلى أشخاصها، ولعل هذه التغييرات تكون خطوة لتعزيز الهياكل الإدارية، لأننا مقبلون على عمل كبير.
ہ تعاني هيئة الإذاعة والتلفزيون منذ عشرات السنين من ظاهرة التسيب في الدوام، والانقطاع عن العمل، حتى أن بعض العاملين لم يدخل المبنى منذ عدة سنوات، فكيف تعالجون هذه الظواهر السلبية؟
ہہ هذا موضوع أساسي، فنحن نعمل الآن على ضبط الوضع الإداري، من حيث الدوام والتزام العاملين، ومعالجة أوضاع الانقطاع والتسيب التي كانت قائمة، وستكون هناك معالجات جدية، ولن يكون هناك أي تساهل مع أي مقصر أو متسيب أو متغيب، وهذه ظاهرة خطيرة يجب أن تحسم جذرياً.
- ہ قرأنا وسمعنا عن نية الهيئة إطلاق قناة فضائية إخبارية، فما مبرر هذه الخطوة؟
ہہ نحن في الإعلام وللأسف، لم نحسن تقديم بلادنا للعالم، وهذه واحدة من نقاط ضعفنا الإعلامي، لذلك فإن وظيفة هذه القناة الجديدة، هي أن تنقل وجه سورية الحضاري إلى العالم، وستكون إخبارية وبرامجية، حيث تكون الجرعة الإخبارية فيها أكبر، كما ستتضمن برامج وثائقية، وأخرى تسجيلية، كما ستقوم ببث حي ومباشر للوقائع والأحداث، بما يضمن أن نعبر عن سورية الحقيقية كما هي.
ہ ومتى سنشاهد برامج القناة الجديدة؟
ہہ نأمل أن ننجز هذا المشروع في المرحلة القريبة القادمة.
ہ وماذا عن الفضائية السورية الحالية، هل ستتغير مهامها؟
ہہ سيترافق إطلاق الفضائية الجديدة، مع تحديث هوية الفضائية الحالية، لتصبح قناة للأسرة السورية والعربية عموماً، حيث تتضمن جرعة أكبر من الدراما، مع جرعة أكبر من الإعلانات، وحيث تؤمن واردات مالية لتحمل عبء البرامج الأخبارية والسياسية التي ليس لها مردود مالي.
ہ وهل حددتم هوية القناة الأولى الأرضية مجدداً؟
ہہ القناة الأولى الأرضية تم تحديد هويتها كقناة وطنية محلية، تتعامل مع الشأن المحلي بشفافية وجرأة ووضوح، حيث يتكامل دورها مع دور الإعلام المقروء والمسموع في الرقابة، وفي طرح الأفكار ومعالجة المشكلات والقضايا التي تهم الجمهور محلياً.
ہ يرى البعض أن الإذاعة لا تحظى بالقدر نفسه من الاهتمام الذي يحظى به التلفزيون، فماذا عن الإذاعة؟
ہہ نحن لدينا سلة كاملة من المقترحات وتصور كامل لما ستكون عليه الهيئة في المرحلة القادمة، سواء في التلفزيون أو الإذاعة، فهناك مشاريع جاهزة هندسياً لتأسيس قنوات إذاعية جديدة (FM) للشباب، في كل من حلب ودير الزور والحسكة واللاذقية وطرطوس. كما لدينا خطة لتطوير إرسال الإذاعة الحالي، بما في ذلك البرنامج العام وإذاعة الشعب وإذاعة الشباب في دمشق.
- ہ كل هذا جميل وجيّد، ولكن المشاهد يهمه ما سيرى على الشاشة السورية، فماذا فعلتم على هذا الصعيد؟
ہہ أنهينا مؤخراً اجتماعات نوعية ومكثفة، لم تكن تحصل من قبل في الهيئة، فلأول مرة تجتمع لجان البرامج برئاسة المدير العام، وتناقش برامج القنوات الثلاث (الأرضية والفضائية والثانية) بشكل معمق. فدرسنا البرامج القائمة والبرامج المقترحة، ووضعنا خطة برامجية جديدة، نعتقد أنها سترتقي بمستوى المشاهدة في القنوات الثلاث. وستبدأ الدورة البرامجية الجديدة مع مطلع العام الجديد، وسيلاحظ المشاهد تطويراً في مضامين هذه البرامج وشكلها الفني والجمالي، وسيحكم لنا أو علينا.
ہ وماذا عن إنتاجكم الدرامي التلفزيوني، وهل من جديد على هذا الصعيد؟
ہہ لدينا الآن خطة كبيرة جداً للإنتاج الدرامي التلفزيوني، وهناك ستة مسلسلات جديدة قيد الإنتاج، وستكون مميزة. وهنا أشير إلى أننا من ضمن إجراءاتنا الجديدة، وضعنا على المخرج شرطاً جزائياً، فهو يقدم للهيئة تعهداً بأن العمل سيكون ناجحاً، وسيسوق. وحين ندفع للمسلسل ثلاثين مليون ليرة مثلاً يجب أن نضمن أنه سيأتي لنا بستين مليون ليرة على الأقل. وإذا لم يكن ناجحاً، فسنقوم بتغريم المخرج. وهذا الإجراء سنمارسه بمنتهى الشفافية والمسؤولية، لأننا حريصون على سوية الأعمال التي ننتجها، وحريصون على المال العام.
ہ وهل بدأتم بتطبيق هذا الإجراء فعلياً؟
ہہ طبعاً. وللأمانة أقول: إن من أول ثمار هذا الإجراء حصولنا على (الميدالية الذهبية) لمسلسل (الأمنية الخامسة). لقد كان هذا المسلسل يتعثر، فغيّرنا المخرج ومدير الإنتاج، وتم إنجاز المسلسل خلال شهرين، ونال الذهبية في مهرجان القاهرة.
ہ جرى اجتماع وأحاديث عن التعاون بين الهيئة والقطاع الخاص الإنتاجي، فهل تبلورت صيغة للتعاون بين الجانبين؟
ہہ بادرت الهيئة للدعوة إلى هذا الاجتماع مع ممثلي شركات الإنتاج الدرامي ولجنة صناعة السينما والتلفزيون، وكانت النتائج التي أسفرت عنه جيدة جداً. وهناك حالياً مشاريع مشتركة تبحث، والحوارات مستمرة بيننا وبين المنتجين، ونأمل أن نتوصل خلال الفترة القريبة القادمة لوضع صيغ عملية للبدء بالتنفيذ بأسلوب (الإنتاج المشترك) أو (المنتج المنفذ).
وقد اتفقنا على تشكيل لجنة متابعة لتواصل عمليات التنسيق والتحضير، كما سندعو نقابة الفنانين للمشاركة في الاجتماع المقبل لننهض جميعاً، وبتعاون كبير، بهذه الصناعة السورية المهمة جداً.
- ہ أنتم كهيئة متهمون بإهمال الأغنية السورية التي وصلت إلى حال لا يسر! فماذا في جعبتكم لإنقاذ هذه الأغنية وإعادة إطلاقها؟
ہہ هذا موضوع مهم، وسنوليه كل عناية واهتمام، وهو يحتاج إلى جلسة حوار خاصة، لكنني أجيبك الآن وباقتضاب، بأننا وفي لجان البرامج قررنا إعادة برنامج (ليالي التلفزيون) دعماً للأغنية السورية، وسيكون البرنامج مبدئياً بشكل شهري، وهذه خطوة أولى باتجاه الأغنية السورية، التي سنبحث جوانب الأزمة كافة التي تعاني منها، لنجد الحلول المناسبة والملائمة لها.
- ہ هل يعقل أننا وبعد عشرات السنين من الاستقرار نعاني من نقص في المحررين والمذيعين في الهيئة؟
ہہ هو أمر مؤسف ومحزن، لكن نحن كنا نعاني من مشكلات إدارية، فعلى مدى عشرة أو خمسة عشر عاماً لم تعلن الهيئة عن أية مسابقة لانتقاء محررين ومذيعات ومذيعين، وكان يتم تعويض هذا النقص بتشكيل لجان مؤقتة تختار انتقائياً بعض العاملين كمذيعين ومحررين، كما لجأت الإدارات سابقاً إلى نظام التعيين على المكافأة، وهو نظام ليس صحيحاً أو سليماً، لكنه تم العمل به اضطراراً.
ہ والحل؟
ہہ لدينا تصورنا لمعالجة هذا الأمر، ووضع ضوابط للانتقاء والتعيين، وسنعمد لإجراء مسابقات لاختيار مذيعين ومذيعات، ومحررين ومحررات، لإعدادهم وتدريبهم ليكونوا من الكفاءات التي يعتمد عليها في مشاريعنا الجديدة، وهذه مسألة ملحة ومهمة.
- ہ إن مشاريعكم لتطوير الهيئة وتحديثها وتوسيع نطاق عملها يتطلب كوادر أكاديمية ومؤهلة مهنياً، فكيف تسدون النقص الحاصل؟
ہہ بالتدريب والتأهيل. لقد بدأنا عمليات التدريب ونحن مستمرون بها، والآن لدينا فريق تدريب من هيئة الإذاعة البريطانية (BBC)، وكان لدينا فريق من دولة أخرى، وهناك عقود جديدة للتدريب مع مركز التدريب الإذاعي والتلفزيوني التابع للجامعة العربية، وعقود أخرى مع مركز التدريب التابع لمحطة (الجزيرة)، وأؤكد أن عملية التدريب والتأهيل مستمرة، ولن تتوقف.
- ہ من المعروف أن قنوات التلفزيون المصري كانت تمتنع عن بث الأعمال السورية لأسباب معروفة، وقد علمت أنكم حققتم اختراقاً في هذا المجال لدى زيارتكم الأخيرة للقاهرة ، فما الذي حدث؟
ہہ الذي حدث أننا اتفقنا مع الأخوة المصريين على إنتاج أعمال درامية مشتركة، وسنبدأ بذلك خلال فترة قريبة، كما اتفقنا على بث الأعمال السورية والمصرية على القنوات المصرية والسورية، وبدأنا بتنفيذ الاتفاق من خلال عرض مسلسل (حدائق الشيطان)، وهم سيفعلون الأمر نفسه، وأنا متفائل بهذا التعاون، وأعتقد أنه سيكون لصالح الطرفين في مجال الدراما التلفزيونية.
عمار أبو عابد
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد