مات الزرقاوي عاش «الزرقاويون»
لم يشعر العراقيون بموت أبو مصعب الزرقاوي, كما شعر بوش وبلير وحلفاؤهما الأوروبيون. فبعد أقل من ساعتين على الاحتفال الأميركي بنجاح قنبلتين ذكيّتين من الوزن الثقيل في إيجاد طريقهما إلى مخبأ الزرقاوي, استشهد أكثر من 37 عراقياً بانفجار خمس سيارات مفخّخة ... وكأن شيئاً لم يكن.
إن الفارق كبير بين أبو مصعب وأبو عدي. فعندما سقطت تماثيل صدام, لم تقم في العراق أي تماثيل بديلة. لكن, عندما سقط أبو مصعب الزرقاوي, كان المئات من «الزرقاويين» يترشّحون لخلافته لإكمال مسيرة قطع الرؤوس والسيارات المفخخة وزرع الفتن وتفجير المساجد وحرق الحسينيات ونسف قبب المقامات الشيعية.
ندرك أنه الانتصار الاميركي الأول منذ خروج صدام حسين من حفرته. لكنه انتصار موقّت لهزائم حتمية. فالفرحة الاميركية لن تدوم, إن لم تحافظ إدارة بوش على الاسباب الاقليمية الموجبة لهكذا انتصار, الذي من شأنه أن يقلب المعادلات الاميركية الداخلية, عبر رفع شعبية بوش والحد من انعكاسات فشل سياساته الخارجية على الحزب الجمهوري في انتخابات الكونغرس المقبلة.
واغتيال الزرقاوي ليس نتيجة جهد زائد لعملاء ال«سي.آي.إيه», أو حركة رصد بهلوانية لأحد أقمار التجسس التي تدور في الفلك العراقي, مع احترامنا وتقديرنا للرواية الاميركية الرسمية الشيّقة, لما تتضمّنه من تفاصيل بوليسية ومطاردات جوّية للمرشد الروحي لأبي مصعب. فـ«خيانة» الزرقاوي تأتي في لحظة تسوية دولية وإقليمية حرجة, يبدو فيها الأميركي أقل عناداً, والإيراني أقل تصلّباً, والروسي والصيني أقل تحفظّاً, والأوروبي أكثر تفاؤلاً.
لحظة دولية يدرك جميع أطرافها أنها لن تتكرّر. فمراحل تجميع الاوراق وحرقها واستبدالها ومن ثم إعادة جمعها انتهت, لتبدأ مرحلة جديدة من اللعب على الطاولات الكبيرة, حيث تبلغ المراهنات أحجاما قياسية, لما تحمله من حلول أو تعقيدات لدول وشعوب تنتظر نتائج الجولة الأخيرة لتحديد مصيرها المجهول.
أبو مصعب الزرقاوي قد يكون الثمن الأول لبداية التسويات, وكأنه عربون حسن نيات, أو دفعة أولى على الحساب. ولوائح الطلبات طويلة وتمتد إلى أكثر من قارة وإلى أكثر بكثير من دولة.
إن واشنطن وحلفاءها يدركون تماما مدى رمزية الانتصار العراقي, الذي لن يوقف حمامات الدم في المنطقة. فغياب الزرقاوي لن يغيّب نهجه الدموي في العراق, ولا مخطّطاته الجهنّمية في الهلال الذي رسمه من الاردن إلى السعودية وكاد يلامس سوريا ولبنان.
قد يبدو الزرقاوي في الصور التي وزّعها الجيش الأميركي جثّة هامدة, إلا أن دمه ما زال يجري في عروق الآلاف من «الارهابيين», الذين يستمدّون شرعيتهم من الاحتلال الأميركي ... صاحب الفضل في استقطاب «القاعدة» لجمهورها العراقي والعربي الواسع.
سامر الحسيني
المصدر: الكفاح العربي
إضافة تعليق جديد