مؤسسات استثمارية أجنبية تدرس التوسع في العالم العربي
شهدت الأسابيع الماضية إعلان عدد من المؤسسات المالية الأجنبية التي تعمل في مجال الاستثمار في الملكية الخاصة، عزمها فتح فروع لها في الدول العربية، بهدف شراء شركات عائلية والإستثمار في مشاريع تنوي الحكومات العربية تخصيصها. ومن بين هذه المؤسسات شركات أميركية وأوروبية، مثل «كارلايل» و «بلاك ستون» و «وكوهلبرغ كرافيس روبرت» و «تكساس باسيفيك».
ويأتي هذا الإعلان فيما تتجه الحكومات العربية إلى تخصيص عدد من المشاريع الحيوية خلال بضع سنوات تقدر قيمتها بأكثر من 200 بليون دولار، وفيما تبيع شركات عائلية أجزاء من حصصها لتوسيع شركاتها وتطويرها كي تستطيع منافسة المؤسسات المتعددة الجنسيات، المتوقع دخولها المنطقة مع اتجاه الدول العربية إلى اللحاق بركب العولمة.
ويرى الرئيس التنفيذي لشركة «المال كابيتال» ناصر النابلسي، أن أنظار المؤسسات المالية اتجهت إلى المنطقة في وقت انخفضت فيه قيمة الشركات العربية على خلفية التراجع الكبير في بورصات المنطقة، «ما شكل فرصة لشراء هذه الشركات بأسعار افضل».
وأثارت هذه الخطوة جدلا في أوساط القيادات الاقتصادية الخليجية، بين من يراها تصب في مصلحة دول المنطقة التي تحتاج إلى الاستثمارات الأجنبية المباشرة لتطوير اقتصاداتها، وآخرين أعربوا عن خشيتهم أن تقوم هذه المؤسسات باستثمار السيولة العربية التي تراكمت بفعل الارتفاع القياسي لأسعار النفط ومن ثم ترحيلها إلى الخارج.
وقال النابلسي: «أخشى أن تستثمر هذه المؤسسات أموال العرب في شراء الشركات العربية ومن ثم بيعها وترحيل الأموال إلى الخارج. نريد استقطاب الأموال الأجنبية، وليس استخدام أموال المنطقة للاستثمار في المنطقة». لكنه أشار إلى انه «إذا لجأت المؤسسات الأجنبية إلى استقطاب مستثمرين أجانب للاستثمار في الشركات العربية، فلا ضرر من ذلك، بل على العكس: فالمنطقة في حاجة إلى استثمارات أجنبية لتحريك عجلة الاقتصاد». وأضاف: «من إيجابيات مجيء مثل هذه المؤسسات المالية أنها ستضطر إلى الاستعانة بخبرات عربية، وهذا يزيد من خبرات الشباب العرب في مجال الاستثمار».
واستبعد النابلسي أن تكون المؤسسات الأجنبية قادرة على التأثير في الشركات العربية، على اعتبار أن قوانين الاستثمار في غالبية دول المنطقة لا تسمح للأجنبي بتملك حصص الغالبية في الشركات الوطنية، مثل الإمارات التي لا تسمح للأجنبي بتملك اكثر من 49 في المئة من اسهم الشركات.
وتخشى المؤسسات المالية الإقليمية التي تعنى بشراء الشركات ، مثل «أبراج كابيتال» و «شعاع كابيتال» و «المستثمر الوطني» و «جلوبل» و «غروث غيت»، أن تزاحمها المؤسسات الغربية في أسواق المنطقة.
لكن النابلسي لا ينكر أن المنطقة في حاجة إلى مثل هذه المؤسسات، على اعتبار أن المؤسسات المالية العربية التي تستثمر في الملكية الخاصة لا تزال محدودة وان استثماراتها لا تتجاوز 10 بلايين دولار، في وقت أعلنت المنطقة عن تخصيص مشاريع تتجاوز هذه الأرقام بكثير.
يشار إلى أن الاستثمار في الملكية الخاصة في المنطقة العربية بات يلقى رواجا ويتزايد سنة بعد أخرى، ومثلما باتت أنظار العالم تتجه للاستثمار في الملكية الخاصة في المنطقة، فان الكثير من السيولة العربية وجهت للاستثمار في شراء مؤسسات عالمية في كل المجالات، من فنادق إلى موانئ ومتاحف وشركات تصنيع سيارات وتكنولوجيا حديثة. وفيما لم تتجاوز قيمة الصناديق الاستثمارية في مجال الملكية الخاصة التي أطلقت في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا السنة الماضية 5.8 بليون دولار، تشير تقارير مؤسسة «جلوبل» إلى أن حجم الصناديق التي أطلقت من قبل مؤسسات عربية، حكومية وخاصة، منذ مطلع السنة، تجاوز 18 بليون دولار.
وأثار شراء «موانئ دبي العالمية» حق إدارة سبعة موانئ أميركية في إطار صفقة ضخمة شملت نحو 27 ميناء حول العالم «أزمة سياسية» في الولايات المتحدة، على اعتبار أن الموانئ تعتبر مشاريع استراتيجية حساسة، ما اضطر إمارة دبي إلى عرض الموانئ الأميركية للبيع، ما أثار حفيظة المستثمرين العرب.
واعتبر المحلل المالي معن الطبقجلي مجيء المؤسسات المالية الأجنبية إلى المنطقة «سيفاً ذي حدين»، مضيفاً: «هذه المؤسسات ستجلب لنا الخبرة وتستقطب الاستثمارات الأجنبية المباشرة». وأشار الى أن «لا ضرر من استثمار المؤسسات المالية الأجنبية في الوطن العربي، لكن على الحكومات أن تتعامل في هذا المجال بناء على مبدأ «المعاملة بالمثل»، وان تقوم بتحديد مشاريع استراتيجية في بلدانها، وان تمنع المؤسسات الغربية من شرائها، مشيرا إلى أن «انتهاج سياسة السوق المفتوحة أمر لا مفر منه، لكن مبدأ المعاملة بالمثل هو الآخر مبدأ لا بد منه في ضوء السياسة غير العادلة التي يتعامل بها الغرب مع الدول العربية».
دلال أبو غزالة
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد