لاتتحدثوا بالثقافة أمام المسؤولين فيضحكون من سذاجتكم
قبل دخولي مجلس الشعب كنت أكثر حرية مني اليوم، غير أن دخولي إليه كان بسبب الحرب، ولن أكرر ذلك بعد نهايتها : هذا مافكرت فيه لحظة قاطع الرئيس حمودة الصباغ مداخلتي أول مرة، ثم منعني من إكمال فكرتي إلى نهايتها بحجة الوقت، رغم أنه أعطى للجميع وقتهم الكافي، ورغم أني استمعت إلى كلمته التوجيهية المطولة في افتتاح الجلسة الأولى للعام الجديد، شن فيها هجوما على كتاب الفيسبوك و"مشتقاته من وسائل التواصل الإجتماعي" حسب تعبير سيادته.. والواقع أن كلمته التوجيهية كان يمكن إلقاءها في اجتماع حزبي من لون واحد، ولكن ليس تحت قبة برلمان يحتوي على تيارات فكرية وسياسية متنوعة، ونواب يكفل لهم الدستور حرية الرأي الآخر .. هذا وقد استمرت جلسة اليوم سبع ساعات تحدث فيها 89 نائبا غطوا مجمل قضايا ناخبيهم وأجاب عنها الرئيس عماد خميس بكياسة بعد أن اعتذر للشعب السوري من صعوبة تأمين بعض احتياجاته الأساسية بسبب الحصار الظالم على سورية .. ويمكنكم متابعة نقاشات الجلسة على موقع مجلس الشعب، وأورد مداخلتي هنا باعتبار أن الإعلام الرسمي لاينشر ما أقوله، رغم أني خدمته ربع قرن بإخلاص:
السيدرئيس الحكومة عبر مقام الرئاسة:
تحدثنا في أول لقاء معكم قبل عامين عن حركة التاريخ التي تمر فوق مكتب رئيس وأعضاء الحكومة، فإما أن تتركوا بصمتكم وذكركم، أو تكرروا سيرة الحكومات السابقة عليكم.. وقلنا إن فلسفة التاريخ تقول بأن الأمم العظيمة هي تلك التي تجدد نفسها وتتدفق بسلاسة وتناغم مع نهر الزمن، وأما الأمم التي تحكمها عقلية صنمية ثابتة فإنها تستمر بإعادة إنتاج نفسها وبالتالي إعادة إنتاج أخطائها وأعدائها لتحكم على نفسها بالغرق في مستنقع الزمن .
السيد رئيس الحكومة: لن أنتقد أداء حكومتكم اليوم لأن زملائي سيفعلون، غير أن جهودكم اليومية الحثيثة لا يمكنها أن تنتصر على الفوضى التي تسربت إلى بنية الدولة من دون تغيير حقيقي في السياسات الداخلية، إذا أن بعض القوى التي أفرزتها الحرب مازالت تؤخر نهوض مؤسساتنا الوطنية كما تؤخر مسيرة الإعمار التي ماتزال تراوح في حدود الشعارات والتمنيات، لهذا نرى أن تعديل الوزارات وتغيير الحكومات لن يجدي نفعاً إذا استمرت الدولة على نهجها القديم كما لو أن الزمن ثابت لا يتغير، لذلك ندعو قياداتنا إلى تحطيم أصنامها أسوة بما فعله رسولنا الكريم..(مقاطعة وتصحيح من الرئيس)
وأختم كلامي بما قاله الكاتب "مارك توين" عن فلسفة التاريخ التي تمر في دمشق منذ الأزل:
بالنسبة لدمشق السنوات لحظات، والعقود تفاهات عابرة من الزمن..
في كتابات كل قرن من الأربعة آلاف سنة الماضية كان اسمها في الذكر الحكيم ومدائحها تزين الأغاني..
إنها لاتقيس الزمن بالأيام والشهور والسنين، بل بالإمبراطوريات التي شهدت صعودها وازدهارها ثم تلاشيها.. إنها نمط من الخلود.. (مقاطعة)
لم يحدث أي حدث موثق في العالم إلا وكانت دمشق حية لتلقي النبأ.. عُد إلى أبعد حدود الماضي المبهم ، فدمشق كانت دوما في الوجود، وقد نظرت في العظام الجافة لألف امبراطورية، وسوف تشهد أضرحة آلاف أخرى قبلما تموت..
أيها السادة : آمل أن نكون على مستوى اللحظة التي نمر بها كي لانخسر التاريخ والجغرافية من بوابة الإقتصاد، لأن جمهور المؤيدين للدولة بات يشعر بالخيبة والخذلان، بعد صمود أسطوري قل مثيله في تاريخ الشعوب..
هذا وقد قدمت كتابا خطيا لرئيس مجلس الشعب أطلب فيه حضور وزراء النفط والكهرباء والتجارة الداخلية للإجابة على أسئلة النواب حول أزمة الغاز والكهرباء وحليب الأطفال، حيث أن استمرار أزمة عدم توفر هذه الخدمات قد استنفد صبر الناس إلى درجة الاستنجاد بمقام رئاسة الجمهورية.. وهز سيادته رأسه الكريم بالإيجاب بعد الإطلاع عليها..
نبيل صالح
إضافة تعليق جديد