لا زيادة في الرواتب... والعيد لـ"الفرجة"
على عكس التوقعات والتكهنات التي سرت في الشارع السوري عن زيادة مرتقبة لرواتب العاملين في القطاع العام، لم يصدر القرار الرسمي بذلك بعد، بالرغم من تداول بعض الأوساط ما يشبه الأخبار المؤكدة عن انتهاء حكومة تسيير الأعمال الحالية من تحضير دراسة شاملة تتضمن زيادة أجور العاملين في الدولة والعسكريين.
وقالت مصادر مطلعة إن لا زيادة على الرواتب في الوقت الحالي، لكن الحديث يجري عن منحة بنسبة 50 في المئة، ستعطى لمرة واحدة.
وبانتظار تأكيد التوقعات أو نفيها، تشهد أسواق دمشق، مع نهاية شهر رمضان، حركة شبه طبيعية، بإيقاعٍ مضبوط في الأسعار حتى الآن، حيث عمدت مؤسسات الدولة الاستهلاكية، على صعيد الأغذية والمواد التموينية، إلى توفير تشكيلة من السلع بأسعار مقبولة وكميات مناسبة، بعد زيادة عدد صالات البيع في جميع مناطق المحافظة، وذلك للحدّ من تلاعب بعض التجار بأسعار السلع.
وانقسمت آراء التجار بشأن احتمال زيادة أجور العاملين، بين مؤيد ومعارض، فبعضهم رأى أن ذلك سيزيد من حركة البيع خاصة في فترة الأعياد، وبالتالي تنشيط الأسواق والعجلة الاقتصادية ككل، فيما رأى آخرون أن زيادة أجور العاملين ستؤدي حتماً إلى ارتفاع أسعار المواد الأولية، وكذلك مواد الطاقة، علاوة على انهم سيضطرون إلى زيادة أجور عمالهم.
من جهتهم، يتمنى العمال ألا تزيد الرواتب، لأن التجار قد لا يزيدون أجورهم، ولأنهم سيتأثرون، شأنهم شأن كل السوريين، بتضخم الأسعار والمعيشة ككل، بعد الزيادة، خاصة أنه في ظل توفر اليد العاملة بكثرة وحاجة الناس إلى العمل تحت أي ظرف، قد يصبح العمال تحت رحمة التجار ومزاجهم.
وفي هذه الفترة، أي قبل عيد الفطر، تخفّ حركة السوق في العاصمة دمشق بالتزامن مع موعد الإفطار، لتستعيد نشاطها بعد اذان العشاء، حيث يبدأ سكان دمشق بارتياد الأسواق بقصد الترويح عن النفس، وغالباً بقصد الفرجة، حيث أن الناس يعمدون إلى توفير كل مستلزماتهم قبل بدء شهر الصوم، تحسباً لأي ارتفاع مرتقب للأسعار.
ومقارنة بالسنوات الثلاث الماضية، تشهد أسواق دمشق هذا العيد استقراراً نسبياً في أسعار السلع والبضائع، بالرغم من ارتفاعها الملحوظ، الأمر الذي انعكس ايجاباً على النشاط التجاري.
ويشعر الباعة بأنّ الإقبال على شراء حاجيات العيد فاق ما كانوا يتوقعونه، ومن وجهة نظرهم فإن الناس قد اعتادوا الوضع، ما دفعهم إلى محاولة خلق نوع من التأقلم مع ما يجري حولهم، بما في ذلك الغلاء المعيشي.
ويقول سمير، أحد تجار سوق الصالحية، إن "سكان العاصمة باتوا يشاهدون قذائف الهاون تسقط قربهم أحياناً، فإن لم تصبهم تابعوا طريقهم وكأن شيئاً لم يكن، لا سيّما أن الوضع الأمني قد تحسّن إلى حدٍّ ما. وبالنسبة إلى حركة السوق، فإن الناس يبحثون عن سبب لنسيان ما يحدث، ولا بأس بممارسة بعض طقوس العيد من شراء الثياب الجديدة والحلويات وغيرها حتى لو كلفت الكثير".
ويعزو التجار سبب الارتفاع الكبير في أسعار منتجاتهم إلى ازدياد تكلفة الاستيراد بعد انخفاض سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار، مع تعذر الوصول إلى منشأ بعض البضائع بسبب العقوبات الاقتصادية التي فرضت على سوريا خلال الأزمة، علاوة على خروج عدد كبير من المصانع والمشاغل من الخدمة، الأمر الذي سبب نقصاً في كميات البضائع المطروحة في السوق، مع مضاعفة أسعارها إلى ما يقارب الأربعة أمثال، بالتوازي طبعاً مع ارتفاع تكلفة اليد العاملة.
ويجد المواطن السوري، خاصة غير الموظف أو صاحب الدخل غير الثابت، صعوبة في جسر الهوة بين دخله وبين ارتفاع مستوى المعيشة. أبو موفق، على سبيل المثال، عامل في أحد متاجر دمشق، يقول: "بالرغم من عملي في محل لبيع الألبسة الجاهزة، فأنا لا أستطيع أن أشتري لزوجتي من هنا، فسعر القطعة الواحدة هنا يعادل ربع معاشي تقريباً، ما يدفعني إلى حساب أولوياتي والبحث عن بدائل مقبولة أو تأجيلها أحياناً".
في المقابل، يرى تجار السوق والقائمون على الاقتصاد الخاص أن ارتفاع الأسعار سبّب ضعفاً في حركة البيع والشراء في بعض الأسواق العامة، وساهم في توجّه المواطنين إلى الأسواق الشعبية، باعتبار انها أقل تكلفة وأسعارها مقبولة لذوي الدخل المحدود نوعاً ما.
محلات الحلويات ومتاجر ألبسة الأطفال تُصَنَّف الأكثر غلاءً على حد تعبير أمل، الصيدلانية التي لم تستطع شراء كل ما تضمنته قائمة احتياجاتها، والحل من وجهة نظرها أن يعاد النظر في الوضع المعيشي وضبط أسعار الأسواق بما يتلائم مع دخل المواطنين.
قد لا يجد سكان دمشق ضرورة لشراء الجديد لمناسبة العيد، ولكنهم لن يفوّتوا حتماً مناسبة الاستمتاع بطقوس الفطر، ولو من باب "الفرجة" وارتياد الأسواق على وقع أصوات الاشتباكات والقذائف، وفي ظل الأزمة التي لا يبدو لها انفراج قريب.
إضافة تعليق جديد