لا رجم للزاني في الإسلام.."دراسة أًصولية موثقة" ج /1/
لقد ولد هذا التشريع وولدت معه معاول هدمه، شأنه في ذلك شأن أي باطل والذي من أهم خصائصه أنه لا يثبت طويلاً أمام الحق، وقد اعترض بعض العلماء الأفاضل علي تسلل هذه الفرية إلي الإسلام (ومنهم الإمام فخر الدين الرازي والإمام محمد أبو زهرة، وفضيلة الشيخ محمد الغزالي وأيضا الدكتور مصطفي محمود والدكتور أحمد حجازي السقا و ا.د/أحمد شلبي وغيرهم الكثير مما نحسبهم عند الله من الصفوة).
وقد شهد هذا القرن عصر العولمة، وهو في رأيي ليس عصر التمرد علي كل كتب التراث وأئمتهم، وإنما هو تمرد علي الجمود والتمسك بكل ما هو قديم وما به من أخطاء، ولقد بات من المحال في هذا العصر أن نتمسك بهذا القديم ظناً منّا بأنه وحده هو الذي فيه الخير، كل الخير حتي ولو كان خطأ!!....إن هذا العصر هو عصر البحث في أكثر من ثلاثة آلاف كتاب في ثانية واحدة، وسوف تتهاوي فيه كل الكتب التي تحتوي نصوصا تعج بالخرافات والأساطير، وتسئ إلي الله ورسوله، ليبقي القرآن وحده إماماً ورائداً ونوراً، فلنبدأ البحث:
أولا: مصدر الرجم وأساسه:
1- في العهد القديم:
ورد الرجم بالعهد القديم كعقوبة للزنا، ولانتقاص الملوك، وللشرك، ومن ذلك:
الرجم كعقوبة للزنا عند اليهود:
تكرر ذكر الرجم كعقوبة للزنا بأكثر من موقع بالعهد القديم، ففي سفر التثنية:
(23 إذا كانت فتاة عذراء مخطوبة فوجدها رجل في المدينة واضطجع معها 24 فأخرجوهما كليهما إلي باب تلك المدينة وارجموهما بالحجارة حتى يموتا الفتاة من أجل أنها لم تصرخ في المدينة والرجل من أجل أنه أذل امرأة صاحبه فتنزع الشر من وسطك) (سفر التثنية، إصحاح 24،22 )
الرجم كعقوبة لانتقاص الملوك عند اليهود:
(13 وأتي رجلان من بني بليعال وجلسا تجاهه وشهد رجلا بليعال علي نابوت أمام الشعب قائلين قد جدف نابوت علي الله وعلي الملك، فأخرجوه خارج المدينة، ورجموه بحجارة فمات) (سفر الملوك، إصحاح 21/13).
الرجم كعقوبة لليهود:
(2 إذا وجد في وسطك في أحد أبوابك التي يعطيك الرب إلهك رجل أو امرأة يفعل شرا في عيني الرب إلهك بتجاوز عهده. 3 ويذهب ويعبد آلهة أخري ويسجد لها أو للشمس أو للقمر أو لكل من جند السماء. الشئ الذي لم أوص به. 4 وأخبرت وسمعت وفحصت جيدا وإذا الأمر صحيح أكيد قد عمل ذلك الرجس في إسرائيل 5 فاخرج ذلك أو تلك المرأة الذي فعل ذلك الأمر الشرير إلي أبوابك الرجل أو المرأة وارجمه بالحجارة حتى يموت) (سفر التثنية، إصحاح 17/2).
2- في العهد الجديد:بمطالعة العهد الجديد نجد أن منحرفي اليهود يهددون عيسي صلي الله عليه وسلم بالرجم:
(31 فتناول اليهود أيضا حجارة ليرجموه. 32 أجابهم يسوع أعمالا كثيرة حسنة أريتكم من عند أبي بسبب أي عمل منها ترجمونني)
ولقد بات من المقطوع به أن العهدين القديم والجديد قد تم ترجمتهما إلي العربية قبل زمن البعثة وأثناءه بل وبعده أيضا (ولقد أوضحنا هذه الحقيقة في بحث آخر)..وسوف نورد بعض الأمثلة علي تطابق بعض نصوص أهل الكتاب بالأحاديث المنسوبة إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم ليعلم كل ذي لب مدي اختلاق ذلك التشريع، وإليك هذه الأمثلة:
المثال الأول (الرجم في بيت الله):
فنجد عند البخاري (مثلا):
(فأمر به أن يُرْجم بالمصلٌي)
بينما نجد في العهد القديم:
(21 ففتنوا عليه ورجموه بحجارة بأمر الملك في دار بيت الرب)
المثال الثاني: (المسامحة في العقوبة):
فنجد عند أبي داود وأحمد بن حنبل:
(فأمر النبي به "أي الزاني" أن يرجم، فأخرج به إلي الحرة فلما رجم فوجد مس الحجارة جزع فخرج يشتد فلقيه عبد الله بن أُنيْس وقد عجز أصحابه فنزع له بوظيف بعير فرماه به فقتله ثم أتي النبي ص فذكر ذلك لهُ فقال: هلا تركتموه لعله أن يتوب الله عليه؟) (سنن أبي داود: ح 4419، و مسند أحمد ح 21383).
فنسبوا للنبي أنه يسامح الزاني برغم قول الله تعالي:
(وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) (النور 2).
وعلي الرغم من ذلك يقول الرواة: كانت ستأخذه بالزاني رأفة!!
وكما جاء بالأحاديث أن النبي صلي الله عليه وسلم تمني أن يترك الزاني بدون عقاب فقد جاء في الإنجيل أيضا أن عيسي لم يرجم الزانية، والنص كالتالي:
(3 وقدم إليه الكتبة و الفريسيون امرأة أمسكت في زنا، ولما أقاموها في الوسط 4 قالوا له يا معلم هذه المرأة أمسكت وهي تزني في ذات الفعل. 5 وموسي في الناموس أوصانا إن مثل هذه ترجم. فماذا تقول أنت. 6 قالوا هذا ليجربوه لكي يكون لهم ما يشتكون به عليه. وأما يسوع فانحني إلي أسفل وكان يكتب بإصبعه علي الأرض. 7 ولما استمروا يسألونه انتصب وقال لهم من كان منكم بلا خطية فليرمها أولا بحجر. 8 ثم انحني أيضا إلي أسفل وكان يكتب علي الأرض. 9 وأما هم فلما سمعوا وكانت ضمائرهم تبكتهم خرجوا واحدا فواحدا مبتدئين من الشيوخ إلي الآخرين، وبقي يسوع وحده والمرأة واقفة في الوسط، 10 فلما انتصب يسوع ولم ينظر أحدا سوي المرأة قال لها يا امرأة أين هم أولئك المشتكون عليك، أما دانك أحد. 11 قالت لا أحد يا سيد، قال لها يسوع ولا أنا أُدينك، إذ هبي ولا تخطئي أيضاً).
ولعل القارئ قد لاحظ من خلال الأمثلة السابقة أن نصوص التوراة والإنجيل تكاد تتطابق ترجماتها العربية مع نصوص الروايات التي زعموا أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قد نطق بها بشأن الرجم (المفتري)، ومدي التناقض الصارخ بين ذلك وبين القرآن العظيم، الأمر الذي يؤكد استحالة وجود ذلك التشريع في الإسلام فالرسول لم يكن له علاقة بذلك التشريع من قريب أو بعيد.
أدلة من الـقـرآن الـكريم
لقد وردت مشتقات كلمة الرجم 14 مرة منها 5 مرات بمعني الرجم الفعلي كالتالي
(إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا) (الكهف 20)
(قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا) (مريم 46)
(قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ) (هود 91)
(قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ) (الشعراء 116)
(قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ) (يس 18)
ونلاحظ أن الحق تبارك وتعالي لم يشر من قريب أو بعيد ولو في آية واحدة من الآيات السابقة إلي الرجم كعقوبة للزنا أو لأي جريمة أخري، ومما يدعو إلي التأمل أن الآيات الخمس السابقة قد أومأت إلي أن الكفار مثل قوم نوح وقوم شعيب....الخ هم الذين تصدر عنهم هذه الجريمة الشنعاء لما فيهم من قلوب قست وماتت لخلوها من الإيمان إذ كانوا يرهبون بها الذين يخرجون عن طاعتهم، فقد هدد أبو إبراهيم ابنه بالرجم لأنه قد رغب عن آلهته المزعومة، وكذلك فعل قوم شعيب وغيرهم، ولم يُذكر ولو مرة واحدة أن مؤمناً قام بتلك الفعلة أو حتي هم بالإقدام عليها، إذ أنني لا أتصور صدور ذلك الفعل عن مؤمن حتي ولو كان منوطاً بتنفيذ تلك العقوبة!! لأن هذه الجريمة منافية للإنسانية تماما وأن قطع يد السارق أو حتي حد القصاص لأهون من ذلك بكثير، إذ يصرخ المرجوم من الألم ويتضرع ويتطاير منه الدم تلو الدم، بل وشظايا جسده تتناثر قطعا دقيقة كعصف مأكول، لذا لا يصلح الرجم أن يكون حدا شرعه الله علي الإطلاق في الإسلام ولا فيما قبله من شرائع!!
تأملات أخري في القرآن حول هذا التشريع المفتري:
1- إنه ليس في القرآن (أو حتي أي رواية من الروايات التي يدعونها) أي تحذير المؤمنين ألا تأخذهم رأفة في إقامة حد الرجم علي الزناة كما فعل بشأن الجلد (وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِر)ِ، ومن المقطوع به عقلا كما قلنا أن الرجم أشد عقوبة من أي شئ آخر، فلو كان هذا التشريع من عند الله لكان بالأحري يجب التحذير(المغلظ) للمؤمنين بعدم الرأفة في إقامة هذا الحد بصورة أشد من الجلد.
2- إن عقوبة الجلد ليست بسيطة كما يتصورها الناس، إذ يكفي إيلامها المعنوي كان الله تعالي يعلم أنها غير كافية لردع الزاني عن سلوكه غير السوي لما شدد علي عدم استخدام الرأفة أثناء الجلد.
3- إن القرآن جاء هدي ورحمة للعالمين، فيه تبيان لكل شئ، وهذه هي طبيعة الرسالة الخاتمة، يقول الله تعالي:
(لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (يوسف 111).
وقال تعالي أيضا:
(وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) (النحل 89).
فإذا قال سبحانه ذلك عن كتابة ولم يذكر شيئاً من أهم الأشياء والتي تتعلق بإزهاق روح إنسان لوقع التناقض بين قوله تعالي وفعله (حاشا لله ثم كلا ثم أستغفر الله العظيم)، إذ أن قضية إزهاق روح إنسان وخاصة إن كان مؤمنا لا تتوقف علي روايات ظنية مجهولة المصدر غير معروفة التاريخ تحديدا كما سوف نذكر ذلك بالتفصيل.
4- لم يشهد كتاب الله عز وجل افتتاحية مثل افتتاحية سورة النور، فيقول تعالي
(سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النور 1)
أي فيها آيات واضحات لا لبس فيها، وأول الأحكام التي سأشرعها لكم فيها هو أن من يزنيان منكم فعذبوهما بالجلد لكل من المرأة والرجل، وليشهد هذا العذاب طائفة من المؤمنين، وليحذر المؤمنون أن يرأفوا بهما، وأكثر من ذلك قوله في نهاية الآية (لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، أي أنه يخبرنا تبارك وتعالي علي ما ستكون الأمة (إلا من رحم ربي) عليه من التلاعب بتلك الحكم مستقبلا وافتراء حكماً دخيلاً علي القرآن كي لا تقع في مغبة هذا الفعل العظيم.
5- إن العذاب في القرآن شئ أما القتل والموت فشئ آخر، ولقد ورد في سورة النمل ما يوضح ذلك، يقول الله سبحانه عن القرار الذي اتخذه سليمان بشأن الهدهد لولا جاءه الهدهد بسلطان مبين: (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ) (النمل 21)، فعندما يقول الله تعالي بصدد الملاعنة بيانا بحكم من يتهمها زوجها بعلة الزنا وقد شهد عليها هذا الزوج أربع شهادات وأتمهن بالخامسة: (ويدرؤا عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ) (النور 8)، وهذا يعني أنها لو اعترفت بوقوعها في الزنا فسيكون العذاب، والجلد هنا هو المسمي بالعذاب كما جاء في الآية التي سبقتها (وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ) (النور 2).
6- يقول الله تعالي: (وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ) (النساء:25) .
وقد وجد القائلون بالرجم أنفسهم في ورطة حقيقية بسبب تلك الآية، فالله تعالي يقول أن من تُحصن من ملك اليمين بالزواج ثم تأتي بالفاحشة تعاقب بنصف عقوبة المتزوجة الحرة.
لكن الرجم لا ينتصف، وهذا سيؤدي لاستبعاده، وتقوية ما نص الله عليه من جلد الحرة المتزوجة الزانية مئة جلدة، وبالتالي ستئول عقوبة نظيرتها من ملك اليمين إلي خمسين جلدة.
احتال الرواة علي المقاس أو المقاس عليه، فقالوا: إن الإحصان المذكور في الآية هو الإسلام، أو أن المحصنات هن الحرائر لا المزوجات!!
ويقول بعضهم: وقال الله عز وجل في الإماء فيمن أحصن (فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ)، قال الشافعي: فقال من أحفظ عنه من أهل العلم: "إحصانها إسلامها" (كتاب الإمام الشافعي: (6/167)، ويقول أيضا بالرسالة (ص: 136): (جماع الإحصان أن يكون دون التحصين مانع من تناول المحرم فالإسلام مانع وكذلك الحرية مانعة وكذلك الزوج والإصابة مانع وكذلك الحبس في البيوت مانع وكل ما منع أحصن قال الله (وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ).
(الأنبياء 80)، وقال (لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ) (الحشر 14) يعني قري ممنوعة، قال وآخر الكلام وأوله يدلان علي أن معني الإحصان المذكور عاما في موضع دون غيره أن الإحصان ها هنا الإسلام دون النكاح والحرية والتحصين بالحبس والعفاف وهذه الأسماء التي يجمعها اسم الإحصان.
جاءت كلمة حصن في القرآن علي مستوي الجذر 34 مرة بمواضع شتي، ومعان مختلفة، وما يهمنا هنا معناها إذا تعلقت بالنساء.
فنجد أنها تأتي للنساء بمعني العفة:
(وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا) (الأنبياء 91).
أي التي عفت فرجها فلم يمسسها بشر.
(إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا) (النور 33).
أي إن أردن تعففا.
(أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ).
أي ينكح العفيفات المؤمنات، وهكذا.
والزواج يحصن المرأة ويعفها، خاصة لطبيعتها وظروفها، وفي الأمر تفصيل لاحق، وما يهمنا هنا هو أن الزواج يُحصن المرأة:
(أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ) (النساء 24)
فالرجل يحصن المرأة
(فَإِذَا أُحْصِنَّ) (النساء 25)، أي إذا عففن بالزواج.
(ِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ) (المائدة 5).
والسياق مستمر في بيان أن الرجل بزواجه من المرأة يحصنها وهكذا...
ولم تأت كلمة المحصنات ولو مرة واحدة بمعني المسلمات كما يقول الإمام الشافعي!!
وهنا في سورة النساء نجد أن الآية (فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ..) جاءت كتعضيد للنص القرآني بسورة النور علي أن عقوبة الزنا هي الجلد مئة للمرأة والرجل، وكتعضيد للنص القرآني بنفس السورة علي كون العقوبة ذاتها للمتزوجة إذا اعترفت.
فقد اشتملت الآية (محل البحث) علي عقوبة المحصنات (المتزوجات) من ملك اليمين، وعلي عقوبة المحصنات (الحرائر)، فإذا هو الجلد لكليهما مع اختلاف العدد.
ونلاحظ أن قول الله تعالي (الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ)، يبين أن الإيمان هو المطلب الأول فيمن يُتزوج بها، ولذا ندبت الآيات المؤمن غير القادر ماديا علي الارتباط بالحرة المؤمنة أن يجعل توجيهه للمؤمنة أيضا ولكن هذة المرة ستكون للمؤمنة التي توافق مقدرته من ملك اليمين الفقيرة ماديا ولكنها الغنية إيمانا:
(فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ)
وهو يتوافق مع قوله تعالي:
(وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ)
ثم يبين سبحانه أن العلاقة هنا شأنها شأن أية علاقة جنسية بين أي ذكر وأية أنثي تكون ضمن إطار الزواج الشرعي (لا أن يتسرى بها كما يزعم جل الروائيين) فيقول سبحانه: (فانكحوهن)، وهو يتوافق مع كون العلاقة المذكورة في إطار النكاح.
ثم بين سبحانه أن مقومات هذا الزواج بعد الإيمان هي
أولا: موافقة الأهل، حيث إنها فتاة ليست بالمستغنية عمراً أو مالاً عن أهلها فيقول تعالي: (ِبإِذْنِ أَهْلِهِنَّ)
ثم ثانيا إتيانها بحقها المادي المتفق عليه: (وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ).
فإذا تم ذلك وأُحصنت بالزواج ثم أتت بفاحشة الزنا فعليها نصف ما علي الحرة المحصنة بالزواج من العذاب:
(فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ).
إذن فالسياق كله متسق ومنتظم مع مسألة النكاح وأنه يكون للمؤمنات سواء من الحرائر أو ملك اليمين. والإحصان المذكور مترتب علي الزواج، والإسلام سابق الزواج تماما لأنه شرط للزواج وليس نتيجة له.
/يتبع/ المصدر:نادي الفكر العربي
التعليقات
هل فعلاً من كتب السطر الأول
إضافة تعليق جديد