كيف ألصق الغرب تهمة الإرهاب بالعرب والمسلمين؟
إن إضافة الاعتداء المعنوي إلى الاعتداء المادي تزيد به فرص الانتصار على الخصم، فإذا كان الاعتداء المادي يثير الرعب في نفس الخصم وينهك قواه، فالاعتداء المعنوي يضعف ثقته بنفسه ويثبط همته.
جلال أمين
بهذه الحيلة تمكَّن الغرب من إيذاء العرب والمسلمين بكل السبل المادية والمعنوية، بل أظهروهم على أنهم إرهابيون وجهلاء، حتى بات المسلمون في موقف المدافع عن النفس لا صاحب الحق والحجة القوية. فقد تعرض العرب والمسلمون على مدى عقود عديدة إلى حملات تحقير واعتداء معنوي، شأنهم شأن ما تعرضت إليه بقية الشعوب التي خضعت للاستعمار الغربي، إلا أنه منذ الإعلان عن الدولة الإسرائيلية تضاعفت حملات التشهير واشتدت قوةً وضراوة. وبالأخص في أعقاب أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، وما صاحبها من حملات تشهير ممنهجة عبر إصدار كُتب، كان هدفها الأول والأخير النيل من سمعة العرب والمسلمين، والقضاء على أي مشاعر قد تتعاطف معهم.
تغير النظام العالمي وصناعة عدو جديد «الإرهاب»
خلال المرحلة التي استمرت لمدة ربع قرن من عام 1945 إلى 1970 سُمح لدول العالم الثالث بدرجة من حرية الحركة، لم تتمتع طوال المائة العام السابقة لها. تلك الظروف مكَّنت كثيرًا من دول العالم الثالث من تحقيق نهضة اقتصادية واجتماعية لا بأس بها، إذ سُمح بتخفيف الضغوط الخارجية عليهم، فحظيت خلال الخمسينيات والستينيات بحكومات وطنية قوية نسبيًّا تمكنت من ممارسة درجة عالية من الحماية لصناعاتها وتطبيق إجراءات فعالة لإعادة توزيع الدخل والتقريب بين الطبقات.
لكن مع تغير النظام العالمي وتطور وتقدم أساليب الاتصال والمواصلات والتخزين، بات التنظيم الملائم لذلك التطور هو الشركات متعددة الجنسيات المنتشرة في كل بقاع الأرض. ولم يعد من الممكن أن يستمر ما تمتعت به دول العالم الثالث من حرية الحركة والاستقلال النسبي. لذا، أُدخلت الحواجز الجمركية وأُنشئت منظمة التجارة الدولية، وانهار إعادة التوزيع أمام تدخل الشركات متعددة الجنسيات وضغوط المؤسسات الدولية. الأمر الذي تتسبب في انهيار مشروعات الاندماج الاقتصادي بين مجموعات من دول العالم الثالث، وإذا بالاتحاد السوفيتي نفسه والكتلة الاشتراكية تنهار أمام تصاعد المصالح الاقتصادية لتلك الشركات العملاقة. صاحب هذا التغيير في النظام العالمي تغير موازٍ في الخطاب الإنشائي المستخدم لـ «تجميل القبيح وإبراز أحقر الغايات كأنها أنبل الأشياء». فبينما روَّج الاستعمار القديم القائم على الاحتلال العسكري لأن أوروبا تتحمل مسؤولية نشر الحضارة، وشكَّك في قدرة الشعوب الخاضعة للاحتلال على تحقيق النهضة، بسبب صفات راسخة فيها تعود إلى الجنس أو الدين أو الثقافة والمناخ. فإنه تزامنًا مع فترة الاتفتاح رفعت الشركات متعددة الجنسيات شعارات العولمة والقرية الواحدة ونهاية التاريخ.
ومن بين أساليبها في الترويج لتلك الأفكار: اختراع عدو تُوجه إليه نقمة الشعوب المراد كسب تأييدها، وذلك لضمان تعبئة الناس وراء هدف معين، فتحول العدو بعد أن كان في صورة الدولة المحتلة أو الدولة الاستعمارية المنافسة إلى عدو غير واضح المعالم أطلقت عليه اسم «الإرهاب»، وخاصة الإرهاب العربي والإسلامي.
تعرض المسلمون والعرب في عصر العولمة جراء تصدير تلك الفكرة إلى حملة من التشهير والتحقير امتدت من أمريكا غربًا إلى الصين شرقًا، مرورًا بأوروبا الغربية والشرقية، علاوة على إسرائيل. وقد مثَّلت الحرب الأمريكية على العراق فضيحة بمعنى الكلمة لنظريات صراع الحضارات ونهاية التاريخ، وفضيحة نالت الحضارة الغربية التي لطالما أظهرت نفسها في مظهر الساعي لنشر الحضارة والتمدين بين أهالي بلاد أفريقيا وآسيا وحمايتها لحقوق الأقليات. فكان الهجوم على العراق وسيلة لتمرير العديد من الأعمال غير الأخلاقية وإسكات المعارضين والاستيلاء على أراضي الغير بالباطل وقتل الأبرياء، لا انتصارًا للديموقراطية.
دليل الرجل الذكي للتشهير بالعرب والمسلمين
لم تمضِ شهور قليلة بعد أحداث 11 سبتمبر حتى صدر كتاب بعنوان «أين مكمن الخطأ» للكاتب «برنارد لويس»، قصد في العنوان أن يتساءل عن أسباب ارتكاب المسلمين لأحداث 11 سبتمبر/أيلول، ويتجرءون على تفجير البرجين. اُتبعت كل الأساليب لضمان نجاح ذلك الكتاب والتسويق إليه من أجل إيصال رسالة مفادها:
وبالفعل تصدر الكتاب قائمة الكتب الأكثر مبيعًا؛ لأن الجميع كان يريد معرفة السبب وراء ارتكاب هذا الفعل الجنوني، روَّج ذلك الكتاب للرواية الرسمية التي أذاعتها الإدارة الأمريكية، بأن المخططين والمنفذين كلهم مسلمون وجنسياتهم كلها إما سعودية أو مصرية، وأن سبب ارتكابهم لهذه الأعمال كراهيتهم لأمريكا، وأن الهدف منه الانتقام من أمريكا.
وفي حين شكَّك كتاب فرنسيون وألمان في القصة برمتها، لم يكتفِ لويس بذلك، بل أصدر كتابًا آخر بعنوان «أزمة الإسلام: حرب مقدسة وإرهاب غير مقدس». اختلف هذا الكتاب عن السابق الذي احتوى على بعض المعلومات من التاريخ القديم والحديث، والذي كان بالغ التحيز ضد المسلمين. فقد كان الكتاب الجديد أقرب إلى منشور دعائي، احتوى على مجموعة من المبادئ العامة التي تصلح كدليل ممتاز لأي شخص يستهدف تشويه سمعة الإسلام والمسلمين، والذي من مبادئه:
1. الصورة الإجمالية التي يخرج بها القارئ عن المسلمين قبيحة للغاية من مختلف الزوايا مع ذكر صفتين إيجابيتين لصالح الإسلام والمسلمين، لإضفاء صبغة حيادية على الكتاب.
2. بث الكراهية، إذ لم يكتفِ بأن يكون هذا العدو حافلاً بمختلف النقائص والعيوب، بل يجب أن يحمل قدرًا كبيرًا من الكراهية العمياء لأصدقائهم، وخصوصًا الأمريكيين.
3. لا يكفي أن يكون عدوك مليئًا بالعيوب، ويحمل لك فائق الكراهية، بل لابد أيضًا أن يكون قويًّا قادرًا على الإضرار بك. إذ ما الذي يخيفك من عدو مهما كان كارهًا لك إذا كان ضعيفًا لا يملك إيذاءك. وذلك بتصوير الحملة التي يقودها أسامة بن لادن على أنها ليست مجرد عملية انتقامية من أمريكا وإسرائيل، بل هي «بداية استئناف صراع، الهدف منه السيطرة على العالم».
4. حاول قدر الإمكان ألا تُظهر هذا العدو على أنه مجرد حفنة قليلة من الأشخاص، بل يجب أن تبذل كل جهدك كي يخرج القارئ بصورة وانطباع عام سيئ عن الإسلام والمسلمين.
5. لا تنسَ أن للمسلمين حججًا مضادة لحججك، وبعضها لا يخلو من قوة جعلت الكثيرين يشكون في سلامة موقفك، لذا من الأفضل أن تذكر تلك الحجج وترد عليها بحجج أقوى وأقرب إلى الحقيقة.
6. يتعلق ذلك المبدأ بإسرائيل، إذ يجب ألا ننسى أن تشويه سمعة الإسلام والمسلمين يستهدف إلى جانب خدمة بعض المصالح الأمريكية المباشرة في البلاد الإسلامية، المساعدة في تحسين صورة إسرائيل لدى الرأي العام العالمي.
الإعلام الغربي وتزييف الحقائق
جاء تقرير «التنمية الإنسانية العربية» عام 2002، الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ليُقابل باحتفاء كبير من قبل الصحافة الغربية. إذ يعرض ضمنه أرقامًا ومعلومات عن مدى سوء أداء الاقتصاد العربي وتدهوره خلال العشرين عامًا الماضية، وقد حاول ذلك التقرير دراسة وتحليل هذا الأداء السيئ.
لاقى التقرير تأييدًا واسعًا من قبل مجلة الإيكونوميست، إذ سلَّط الضوء على عيوب وسلبيات يُعاني منها المجتمع العربي والإسلامي، كتدهور مستوى التعليم وانتشار الأمية، فضلًا عن افتقاد حرية التعبير والقيود المفروضة على الصحافة والانتخابات المزيفة، كذلك الانفتاح الاقتصادي المتباطئ وغير المنضبط في الدول العربية. وقد أجمع التقرير ومجلة الإيكونوميست على ما تتعرض له المرأة العربية من إهمال وسوء تقدير من جانب الرجل العربي، من باب التشهير بالعرب والمسلمين، متجاهلًا الإشارة إلى ارتفاع نسبة مساهمة المرأة العربية والمسلمة في سوق العمل. وركز فقط على ارتفاع نسبة ارتداء النساء العربيات والمسلمات للحجاب أكثر من أي وقت مضى.
وعلاوة على أن التقرير أظهر حرصه الواضح على اقتناص أي فرصة لتوجيه الاتهام للعرب والتقليل من شأنهم، فقد احتوت النسخة العربية منه على كثير من الجمل الملتوية، حتى أن كتابة ذلك التقرير تُرك للأهواء والمواقف الأيديولوجية من قبل الباحثين.
استخدم الغرب بحرفية شديدة وسائل الإعلام لبث أفكاره، سواء لجمهور الغرب أو العرب والمسلمين أنفسهم، خاصة أن بعض شعوبنا تعتقد أن مجرد التقدم التكنولوجي الذي تتسم به وسيلة من وسائل الإعلام الغربي يُضفي على خطابها درجة أكبر من الحياد وعدم التحيز. وهو ما جعلهم يُصدقون ما يلقيه الغرب على العرب والمسلمين من تهم الإرهاب بشكلٍ دائم.
إن وسائل الإعلام الغربية لا تدفع الناس إلى اعتناق أفكار خاطئة وحسب، بل يصل إلى حد تشكيل عواطفهم وتوجيهها نحو خدمة مصالح المسيطرين على تلك الوسائل. فقد دفعت بالعرب إلى درجة الدفاع عن الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، واعتقادهم بأن الهدف من الاحتلال الأمريكي للعراق هو إحلال لنظام ديمقراطي محل نظام ديكتاتوري، وأن ما أسفر عنه ذلك الهجوم من مقتل الآلاف من العراقيين كان نتيجة تعرضه لمقاومة عنيفة كان من الممكن تفاديها إذا ما تبنى العراقيون الحل السلمي.
هكذا يصور الإعلام العربي أن الولايات المتحدة وما تقدمه من نظام ديمقراطي هو المثال الذي من الواجب الاحتذاء به، وأنها لا تفعل سوى أنها تحارب الإرهاب، الذي هو بالأساس إسلامي، وأن المسلمين هم السبب فيه لأنهم لا يتقبلون فكرة التسامح مع الآخر.
في مقابل كل حملات التشويه والتشهير هذه، لم يتبنَ العرب سوى موقف دفاعي ضعيف. كمحاولة تشبيه مبادئ الإسلام بمبادئ الغرب لإقناع الجمهور بأنه لا ينبغي الخوف من الإسلام لأنه «أليف»، أو محاولة التبرؤ من المسلمين الذين يكرههم الغرب، بالقول إنهم لا ينتمون إلى الإسلام، وأن ما يحدث لا يمثل الإسلام الحقيقي، في محاولة للتمييز بين الإسلام الحقيقي وغير الحقيقي، والمسلم و«المتأسلم». دون أن يكون هناك رد قوي وحقيقي وموازٍ بالرد على الشبهات وتفنيدها وتوجيه الرأي العام عبر إعلام يخاطبهم بنفس لغتهم.
إضاءات
إضافة تعليق جديد