فلسطين شوكة في حلق أميركا
حتى قبل بدء الانتخابات كان السياسيون و المثقفون الإسرائيليون يتساءلون :هل ستكون حكومة اوباما جيدة مع إسرائيل؟ "أن تكون جيدة مع إسرائيل" هي الشيفرة التي نستخدمها و نقصد بها: " هل ستسمح لنا الولايات المتحدة بالاحتفاظ بمستوطناتنا و تستمر بدعم جهودنا لمنع المفاوضات مع الفلسطينيين من حمل أية ثمار؟"
و بالنسبة للأميركيين يجب أن يكون السؤال : " هل ستفهم إدارة أوباما بأنه من دون مخاطبة الاحتياجات الفلسطينية لن تكون قادرة على إخراج نفسها من ورطاتها الأعقد في الشرق الأوسط و من إعادة الانضمام للمجتمع الدولي و من إنقاذ اقتصادها؟
يجب أن يكون الصراع الإسرائيلي –الفلسطيني في مركز اهتمام الأميركيين و قريبا من رأس قائمة مهمات الحكومة.ربما هو ليس بأكثر الصراعات دموية في العالم ،إذا ما قارناه مثلا بالعراق،و لكنه يشكل بالنسبة للمسلمين و الشعوب في العالم رمزا للعدائية الأميركية و حب القتال. و الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني ليس مجرد صراع محلي بين قبيلتين متشاجرتين ،بل انه قابع في مركز زلزال الاستقرار العالمي . اذهب أينما شئت حول العالم و ستواجه الظاهرة ذاتها، ألا و هي الشعور بأن المعاناة الفلسطينية تجسد كل ما هو غير عادل في عالم تحكمه أميركا .
مع وصول أوباما إلى منصبه سيواجه حقيقة عالمية مختلفة تماما عن تلك التي كانت قبل ثمان سنوات، إنها حقيقة متعددة الجوانب و فيها يجب أن تجد أميركا الضعيفة و المعزولة مكانا لها .و سيكتشف أن جزء كبيرا من العزلة الأميركية سببه الرأي بأن احتلال الأراضي الفلسطينية هو في الواقع احتلال أميركي – إسرائيلي.
و إذا كان ترميم الاقتصاد الأميركي الضعيف يعتمد على إصلاح العلاقات مع بقية العالم، فان أوباما سيدرك بأنه بدون حل الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني لن يستطيع خلق تلك الظروف التي يمكن أن تقبل فيها الولايات المتحدة ثانية في المجتمع الدولي الأوسع.
و لكي أكون أكثر دقة أقول بأن الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني يؤثر مباشرة على الأميركيين على الأقل في خمسة طرق:
- انه يعزل الولايات المتحدة عن الأسواق العالمية الرئيسية ، مجبرا إياها على الشروع في إجراءات عدائية لضمان الأسواق عوضا عن التسوية السلمية.
- و هو بذلك يحول الاقتصاد الأميركي إلى إنتاج غير منتج ، و يجعله معتمدا على تمويل المصروفات العامة بالاقتراض الأمر الذي يزيد من الاعتماد على التمويل الأجنبي في الوقت الذي تحول فيه الموارد إلى الجيش عوضا عن التعليم أو الصحة أو الاستثمار.
- دعم الجيش الإسرائيلي يكلف دافعي الضرائب في الولايات المتحدة أكثر من ثلاثة مليارات دولار سنويا في وقت التراجع السحيق و تقوض البنية التحتية القومية.
- انه يؤدي إلى التدخل الأميركي في العالم و الذي هو عسكري بشكل رئيسي، و بهذا يتولد العداء و المقاومة و ما ينتج عنهما من تهديدات للأمن يخاف منها الأميركيون كثيرا .
- و ينتهي الأمر بتهديد الحريات المدنية الأميركية بتشجيع تشريعات مثل القانون الوطني(باتريوت أكت) و بإدخال التكتيكات الإسرائيلية لمواجهة المتمردين و الأسلحة المتطورة لاستخدامها في الضفة الغربية و غزة إلى قوات الشرطة الأميركية.
بالنسبة للكثير من الشعوب في العالم يمثل الفلسطينيون حالة الأكثرية .فهم حبات رمل صغيرة تقاوم ما لا يراه معظم الأميركيين و الأغنياء في الغرب.إنهم شعب محروم من الحق الأساسي بامتلاكهم لدولة، حتى و لو على الاثنين و العشرين بالمائة من فلسطين التاريخية التي احتلتها إسرائيل منذ عام 1967.و بالنسبة لمعظم البشرية التي تعيش في ظروف اقتصادية و سياسية لا يمكن تخيلها في الغرب ،ترمز المعاناة التي سببها الاحتلال الإسرائيلي ( الإفقار و النكران الكامل للحرية واللذين يستطيعا الاستمرار فقط بدعم من أميركا) لمعاناتهم هم المستمرة .
فالاضطهاد الإسرائيلي للفلسطينيين بدعم فعال من الولايات المتحدة يظهر بجلاء وجود نظام عالمي من السيطرة الغربية يمنع الآخرين من تحقيق أحلامهم بالرفاهية السياسية و الاقتصادية .
كما الشوكة في الحلق،كذلك الاحتلال الإسرائيلي لا يمكن تجاهله أو تجاوزه. و إن لم يناقش، فان الولايات المتحدة(حتى بقيادة اوباما) ستبقى غارقة في صراعات مع الشعوب المسلمة ، و ستبقى عرضة لشتائم الشعوب التي تتوق إلى الحرية الحقيقية و لن تجد الأمن و لا حتى الرفاهية التي تسعى إليهما.
إننا نعيش في حقيقة عالمية لا في سلام أميركي . و منطق إدارة بوش قد شق طريقه . و ما عاد بإمكان الولايات المتحدة أن ترمي بثقلها في الحرب ضد الإرهاب . و ما عاد من الممكن أن يكون تدخلها عسكريا صرفا . المنطق الجديد الذي يجب أن يرافق أوباما يختصر بكلمة واحدة : التسوية. و الولايات المتحدة لن تضع حجر الأساس الأول إلا إذا حققت تسوية مع العالم الإسلامي مما يعني إنهاء الاحتلال الإسرائيلي. ما يحدث للفلسطينيين يحمل أهمية عالمية .و إزالة الشوكة من الحلق ، أي إنهاء الاحتلال الإسرائيلي و السماح للفلسطينيين بدولة و مستقبل ملك لهم ، يجب أن يكون أولوية عليا في الإدارة الأميركية الجديدة . و بالطبع، محاولة أميركا لاستعادة مكانتها في العالم يعتمد على ذلك.إذ في الحقيقة العالمية التي نعيشها يحدث و أن يكون مصيرا الأميركيين و الفلسطينيين متشابكين.
*بقلم جيف هالبير مدير اللجنة الإسرائيلية ضد تدمير المنازل.
ترجمة : رنده القاسم
المصدر: الثورة
عن موقع counter Punch
إضافة تعليق جديد