فريق إزالة الإنتصار
عجيب أمر بعض اللبنانيين... فهم فوق كل ما اقترفوه من آثام وخطايا خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان، وبعده في مرحلة الحصار الاستفزازي، تراهم يصرّون على محو وإزالة آثار ونتائج الانتصار الاستراتيجي والتاريخي الباهر الذي حققته المقاومة واللبنانيون المؤيدون لها، ومعهم لبنان طبعاً وجميع أحرار العالم. فهم أصرّوا ويصرّون على أن المقاومة انهزمت وانهزم لبنان، وأن إسرائيل والدول المشاركة في العدوان والمتعاطفة معها قد انتصرت! ونحن، إذ لا نعرف المقاييس والاعتبارات التي بموجبها يتوصلون إلى نتائج كهذه، نجد أن العديد من الاعتبارات الموضوعية تشير بدون أدنى شك إلى انتصار المقاومة الباهر الذي أدهش وفاجأ الأقربين والأبعدين على السواء. ودليلنا على ذلك ما يلي:
1 يقاس نجاح أي عمل، بما في ذلك الأعمال العسكرية، استناداً إلى نسبة ما حققه من نجاح في تحقيق الأهداف المتوخاة منه أصلاً. فالمقاومة بدأت بعملية عسكرية تهدف إلى أسر جنود العدو توصلاً إلى هدف تحرير الأسرى اللبنانيين في السجون الإسرائيلية بنتيجة المقايضة عبر مفاوضات غير مباشرة. وخلال عملية الأسر قُتل ستة جنود للعدو. وبعد كل الذي جرى، وبعد كل الغطرسة الإسرائيلية وغير الإسرائيلية أيضاً، والكلام الكبير الذي قيل، نرى أن الأمور تتجه نحو مقايضة الأسيرين الإسرائيليين مقابل الأسرى اللبنانيين (وغير اللبنانيين؟). بالمقابل، فإن إسرائيل شنّت الحرب المفتوحة على لبنان بهدف معلن هو القضاء على المقاومة. وطبعاً فشلت في
تحقيق هذا الهدف. وخلال العدوان، بدأ المسؤولون الإسرائيليون (رغم تخبّطهم الفاضح وتناقض تصريحاتهم المثير للسخرية) ينزّلون من مستوى أهداف العدوان على لبنان، حتى وصل بهم الأمر إلى مجرّد أن يصل الجيش الإسرائيلي، بأي شكل كان، إلى مجرى نهر الليطاني! وطبعاً فشلت إسرائيل في تحقيق ذلك. وأفضل دليل هو ما نسمعه ونقرأه يومياً عن تداعيات عدوان إسرائيل على واقع الحياة السياسية والعسكرية في الداخل الإسرائيلي بالذات.
2 أما الكلام على العدد المرتفع للضحايا اللبنانيين، وعن النسبة العالية من الأطفال والشيوخ بينهم، فهو إنما يدل على وحشية الإسرائيلي وتفلّته من أي ضوابط قانونية أو دينية أو أخلاقية في ممارسة عدوانه على لبنان واللبنانيين! إلا أن ما يجب التنبّه له في هذا المجال هو النسبة المرتفعة من الضحايا المدنيين اللبنانيين إلى المقاتلين، في مقابل نسبة متقاربة بين الضحايا المدنيين والعسكريين عند العدو! هذا مع الإشارة إلى أن المقاومة اللبنانية ليست جيشاً نظامياً، وإلى أن القتلى الإسرائيليين المدنيين وقعوا نتيجة القصف الصاروخي، الذي مهما كان دقيقاً لا يمكن له أن يقارب دقة القصف بواسطة الطيران الأكثر تطوراً وبواسطة القنابل الذكية!!! صحيح أننا لا نعرف عدد القتلى من جنود العدو، كما لا نعرف بالضبط عدد شهداء المقاومة، لكن الأكيد أن نسبة الشهداء إلى قتلى جنود العدو هي أفضل نسبة عرفتها جميع الحروب العربية الإسرائيلية!!!
3 ثم يحدثونك عن الخراب والدمار اللذين أصابا المنازل والأبنية والمصانع والجسور وبعض أعمدة الإرسال والبنى التحتية، واللذين جاءت تقديراتهما الرسمية لتتراوح بين مبلغ 3.6 مليارات دولار و15 مليار دولار! كذلك يحدثونك عن موسم الاصطياف والسهر والمهرجانات الذي باظ، وعن الربح الفائت نتيجة كل ذلك! صحيح! لكن، من قال إن الحرب لا كلفة لها؟ ومن قال إن حجم الكلفة هو المعيار الأساس للهزيمة أو الانتصار؟ اللهم إلا عند المحاسبجية وعَبَدة المال. ولهؤلاء نوجّه السؤال التالي: بكم من الدولارات تقدّرون كرامة اللبناني وكرامة لبنان؟ وهنا نسوق أمثلة من التاريخ الحديث، تاريخ الحرب العالمية الثانية وحرب فيتنام: فهل خسرت روسيا وبريطانيا الحرب رغم الدمار الهائل والشامل الذي أصابهما نتيجتها (ولا ننسى ستالينغراد ولينينغراد هنا، لا بمقياس الخسارة البشرية ولا بمقياس الخسارة المادية)؟!! وهل خسرت فيتنام الحرب ضد الولايات المتحدة الأميركية، رغم الضحايا ورغم الدمار وسياسة الأرض المحروقة، ورغم الفظائع التي اقترفها الأميركيون بحق الشعب الفيتنامي؟!!
4 أما الأهم من كل هذه الحسابات، والسبب الأول لفشل العدوان الإسرائيلي ولانتصار المقاومة ولبنان، فيكمن، في قناعتنا، في أن هذا العدوان على لبنان كان هدفه الأساس والأهم سلخ لبنان عن مساره الذي سار عليه حتى اليوم في موضوع النزاع العربي الإسرائيلي، وجرّه إلى معسكر موال للولايات المتحدة ولإملاءاتها في ما يخص هذا الصراع. ولقد فشل هذا المخطط حتى الآن. وفشلت معه الولايات المتحدة ومن ساندها من الدول الأجنبية والعربية. بالمقابل، فإن المقاومة انتصرت وانتصر معها لبنان. وهذا الانتصار له قيمة مزدوجة، لأنه تحقق بالرغم من موقف الفريق الانهزامي الداخلي، الشعبي والرسمي! وفي تقديرنا أن هذا العدوان هو المحاولة السادسة، وليست الأولى، لتغيير هوية لبنان العربية وموقعه في الصراع العربي الإسرائيلي (سنفصل ذلك في مناسبة لاحقة). وقد فشل كما فشلت المحاولات السابقة. كذلك فلقد فشل، بالطبع، الفريق الداخلي الذي كان يطمح إلى ذلك وينتظره. وهنا يكمن السبب في شعور هذا الفريق بأن المقاومة هُزمت، وبأن لبنان هُزم. فهزيمة المقاومة هي ما يتمناه ويشتهيه ويرغب فيه من أجل توظيفه سياسياً في الداخل. أما شعوره بهزيمة لبنان فهو ليس سوى انعكاس لشعوره بهزيمة مشروعه الداخلي في السيطرة والهيمنة!!!
الياس سابا
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد