عندما يتحول شاغل الدنيا إلى قشة نجاة
زيد قطريب: يبدو أن مقالي عن "الديوان الضوئي" المنشور في صحيفة تشرين، قد أصابت مقتلاً لدى الأستاذ "كاظم خليل" فانهمك بصياغة معلقة طويلة ومملة لمجرد أنني غرّدتُ خارج سرب المدّاحين والمطبّلين الذين أفردوا المصطلحات الخلبية في وصف عمل يصر خليل أن يقدمه كظاهرة تاريخية، وأنا أرى، وهذا من حقي، أن هذا "السي دي" يكتسب أهميته من أهمية صاحب الكلمات فقط وهو هنا الشاعر أدونيس!.
مهما يكن، فلن أطيل بمعلقة أخرى، كتلك التي أضنى نفسه بها، رغم أن رد خليل مليء بالأخطاء النحوية والإملائية، ورغم أنه أخذ كلامي على نحو لا يحتمل هذا التفسير "التاريخي" و"اللقطة" الذي أوقعه بمطبات تحليلية، فإنني سأعذره على اعتبار أنه "المنظر الأيديولوجي" لهذا العمل، واستناداً إلى ذلك سأتغاضى عن مجمل التجنيات التي ألحقها بمادتي تلك، فالواضح أن حياته في الغرب لم تستطع أن تجعل منه أكثر تقبلاً للرأي الآخر المختلف، هذا إذا لم يكن يعتقد أن ما يكتبه ويراه لابد أن يكون مقدساً على اعتبار أنه سليل ثقافة لديها من هذا الشيء الكثير!.
نعم، كلمة "لغط" وردت بالخطأ، وهي في الحقيقة "لغو"، ولا أدري إن كانت المصيبة بالنسبة إليه هنا، أم في مكان آخر ظل يدور حوله ليكتشفه القارىء في نهاية الموضوع، فهو المنظر الأيديولوجي للمشروع، وربما ساءه أن مقالي المنشور ركز فقط على أهمية أدونيس الشاعر وحضوره في مشروع كهذا، وليس على المخرج أو أصحاب الرؤيا البصرية الذين لم أجد أنهم استطاعوا تقديم شيء مختلف تماماً عن السائد، فالقصيدة الضوئية المنتجة في هذا "السي دي" متواضعة الرؤيا وتكتسب أهميتها من أهمية الشاعر فقط، وهنا أنا أتحدث عن هذا العمل تحديداً وليس عن تحويل الشعر إلى رؤيا بصرية بشكل عام!.
الكل يعلم أن أدونيس يصرّ أن يكون حاضراً شخصياً على أي عمل يخص تجربته الشعرية، و"خليل" نفسه أتى بمثال عن معارضة أدونيس لبث فيلم حول تجربته لأن الإخراج فيه لم يكن كما يريد أو يرى!. وسواء أُعجب أدونيس بما صنعه الغضبان في هذا السي دي أم لا، فإن بقية خلق الله لهم رأيهم أيضاً، إلا إذا كان "خليل" يحاول أن يمارس على الآخرين شيئاً من الديكتاتورية على آراء الناس، أو الالتجاء والاختباء خلف "مالىء الدنيا وشاغل الناس" من أجل الإشادة بعمل تصويري يثير الشفقة في كثير من المشاهد سواء تعلق الأمر بخلفيته الموسيقية الكربلائية المناسبة أكثر لقصائد الوقوف على الأطلال، أم بالرؤيا البصرية التي تسمح للمخرج أن يضع أي شيء في الكادر لمجرد أنه فهم القصيدة على هذا النحو!.
في هذا الإطار، أستطيع أن أفهم حجم الهلع والتنظير الذي أوقع "خليل" نفسه فيه، لكن ليسامحنا حول كل ما يتصل بمفاهيم الحداثة وأهمية أدونيس لأننا نحفظه عن ظهر قلب، وليخرج بالتالي من نظرة الثقافة البائدة الكلاسيكية التي تقدمه إلينا كمغترب أفنى عمره في الاتصال بالحداثة والاحتكاك بالثقافات، فيما نقبع نحن هنا تحت مفاهيم الشرق الرثة و"الإلغائية"، فهو لم يقدر على تقبل رأي مختلف عن "الزفة" المدائحية التي أطرب نفسه بها في الصحف الأخرى، وليعذرنا فلكل منا رأيه ورؤيته كما تقر جميع شرائع الكون وهو ما يفترض ألا يفسد للودّ قضية كما يقولون!.
إضافة تعليق جديد