«عند موتي احملوني كأنّي كتاب» أدونيس يكتشف سياسة الضوء بالكلمات
ربما هي من ضرورات الحال الصعبة التي وصل إليها الشعر، أن يصدر ضوئياً مزوداً «بالفيديو آرت» على قرص ليزري يختصر عناء الحصول على كتاب مطبوع قد لا يتوفر في جميع المكتبات، بالإضافة إلى أن سعره سيكون مرتفعاً قليلاً خاصة إذا كان صاحبه هو أدونيس!..
ما فعلته مجلة دبي الثقافية في عددها الأخير لم يكن سابقة أو مفاجأة تماماً، إنما هو التجربة الأولى لشاعر اعتاد الرهان على المغامرة والتجريب والبحث عن حلول، تلك الخطوة التي مكنت القراء من سماع قصائد لأدونيس بصوته مع خلفية موسيقية ومشاهد فيلمية وخلفيات فيها الكثير من التطبيقات اللونية والتصويرية، شكلت مشهدية بصرية وسماعية خيالية أتت بالشعر إلى ساحة الصورة حتى يواكب العصر ويثبت أنه قادر على شحذ الأدوات واختراع أساليب التواصل الجديدة مع قارئ بات يميل للاسترخاء والكسل كأنه ينتظر حتى تأتيه الثقافة على طبق من ذهب، وبقدر ما يبدو هذا العمل الإجرائي حلاً، فإنه يبدو مألوفاً في تجربة أدونيس الشعرية والثقافية وحتى في أعماله الفنية ورسوماته أو بالأحرى كولاجاته التي كان الشعر موضوعها الأساس.. في هذا «السي دي» المسمى سياسة الضوء أو الديوان الضوئي، هنا اشتغال مختلف على القصيدة التي اعتدنا قراءتها مطبوعة على الورق أو سماعها في الأماسي مباشرة من فم الشاعر، ورغم أنها ليست المرة الأولى التي يفعلها شاعر كما أسلفنا، إلا أن أهميتها تأتي من أهمية صاحبها إذا صح التعبير، فالكثيرون يعتبرون ما يتجرأ على فعله أو يجربه شاغل الدنيا ومالئ الناس، لا يلبث أن يتحول بعد فترة قصيرة إلى ابن شرعيّ يرسم تقليداً إضافياً سواء على صعيد شكل الشعر المكتوب أم على صعيد الفكرة غير المطروقة، وهما محوران حاول أدونيس دائماً أن يقدمهما بشكل مختلف وبهيّ!.
سيبتهج القارئ وهو يستمع إلى مقطوعات شعرية يلقيها الشاعر وهو يمشي في الطبيعة أو بين الغيوم، وربما سيشعر بالسعادة أكثر وهو يمسك خطأ لغوياً يقع فيه أدونيس أثناء الإلقاء، وهو موجود بالفعل، وإذا كان من متابعي الشعر والتجربة الأدونيسية بشكل خاص، سيكون بإمكانه أن يطلق العنان لمخيلته مع الصورة والموسيقا كي يتلقف الكلمات بشكل مختلف نوعاً ما.. وكأن أدونيس يقول: حسناً، إذا كان منطق تطور العصر يقتضي العمل على التكنولوجيا وتقنيات التصوير، فلم لا؟. الشعر قادر على المواكبة وابتكار الأداة مادام ذلك يسهّل وصول العبارات إلى الناس!.
يقول في افتتاحية الديواني الضوئي:
«عند موتي، احملوني كأني كتاب
وضعوا كتبي عند رأسي وادفنونا معاً
لغة الشيء أنقى وأبقى
والتعاليم لغطٌ!.»
ينتبه المشاهد أن أهمية العمل تأتي من كلمات الشاعر وقراءاته وحضوره الشخصي في المشاهد المختلفة، فرغم التقنيات التي يصنعها المخرج فداء الغضبان في «الديوان الضوئي»، إلا أن الرؤية البصرية بدت عادية أو تتفق مع ما نشاهده عادة في فنون «الفيديو آرت» والتصوير، فأهمية المحاولة تتأتى هنا من أهمية الكلمات وأهمية صاحبها دون شك، فرغم أن أدونيس ليس الشاعر الأول الذي يقدم على هذا النوع من تصوير الشعر أو تسجيله بالصوت والموسيقا على «س يدي»، إلا أنه بخصوصية تجربته وفرادتها أعطى تلك الأهمية للمنجز وفتح بالتالي الباب بشكل أوسع أمام الشعراء ليغدو ذلك تقليداً يمارس في المطبوعات الشعرية كأن تصبح مترافقة مع قرص ليزري مثلاً، والجميع سبق أن استمع للشعر في الأماسي مصحوباً بالموسيقا أو الرسم والفنون الأخرى!. فرغم أن أزمة الشعر لا تتعلق بالتسويق والإعلان، لكننا في الوقت نفسه يمكننا الحديث عن الكثير من الشعر المختلف والجديد الذي لا يصل إلى الناس بالشكل المطلوب!.
زيد قطريب
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد