على هامش مؤتمر الجمعية البريطانية السورية: الوزراء بشرٌ مثلنا!
خلال السنوات الست الماضية حضرت أكثر من سبعة و عشرين ملتقى ـ بين ندوة و مؤتمر و حوار و ورشة عمل ـ تناولت جميعها الحرب على سورية، السمة العامة لهذه الملتقيات كان غياب الحضور الحكومي، و هو إن حدث فإنَّه يتسم بأمرين ، الأول أنه لا يجتمع وزيرين في مكان واحد ، أما الثاني فهو الحضور الخاطف "لمعاليه" و الذي يقتصر على إلقاء كلمة يوّضح فيها للحاضرين شراسة "الأزمة" التي تطحنهم ، أبعادها الإقليمية و الدولية، أثرها في شلّ عمل وزارته (تخيلوا ..!!) ، و بعدها يعتذر لمشاغله الحكومية، و يغادر القاعة كالسهم مخلفاً وراءه ضجة هي مزيج من شغب مرافقته الأمنية و تململ الحاضرين ( أكاديميين و صحفيين و أصحاب حاجات ) الذين جاؤوا ليتلمسوا معلومة تسكت آلاف الأسئلة القلقة التي حملوها إلى القاعة، و تحولت بعد ذلك إلى غصّات في حناجرهم .
الأمور لم تكن كذلك في المؤتمر الذي دعت إليه " الجمعية البريطانية السورية "، و الذي ضمّ نخبة من الأكاديميين و المهتمين من مختلف الاختصاصات الاقتصادية و الفكرية و الاجتماعية و القانونية إلى جانب أربعة عشرة وزيرا قدم كل منهم ـ خلال الجلسات الست للمؤتمر ـ عرضا رقميا مفصلا عن واقع عمل وزارته قبل الحرب و خلالها ، و المعوقات التي يواجهها هذا العمل وزارته ، و الخطة الموضوعة لتجاوزها. تلا كل جلسة نقاش مفتوح مع الحضور.
في الحقيقة ، الأرقام التي قدمها السادة الوزراء و المحاضرون عن واقع سورية في ظل الحرب كانت أرقاما مرعبة ( 44 ترليون ليرة سورية مجموع الأضرار المباشرة و غير المباشرة) و تؤكد حقيقة واحدة و هي أن استمرار الدولة السورية هو معجزة متواصلة بفضل صبر السوريين و صمود جيشهم و قدرة الحكومة على المناورة في إيجاد الحلول و الالتفاف على العقوبات القهرية الأحادية الجانب و التي لا يمكن تصور حجم الإجرام الذي وصلت إليه.
بالمقابل ، أظهرت النقاشات ما بين السادة الوزراء و الحضور أن قدرة السوريين على الصمود يمكن أن تكون اقل كلفة لو تمّ تجاوز الأمور التالية:
1 ـ غياب البنية التشريعية الإسعافية التي تمكن الوزراء من مجابهة الكوارث الناشئة خلال الحرب ،فالبنية التشريعية التي يستندون أليها وضعت بمعظمها ما قبل عام 2011، أي أنها وليدة ذهن مسترخ يحكم فترات السلم ، على حين أن ما نحتاجه اليوم يتمثل في تشريعات طارئة تجترح الحلول للمشاكل الأكثر إلحاحا ( أزمة السكن، أزمة النقل، سوء الأحوال المعيشية ..) و ذلك دعما لصمود سوريي الداخل ( مادتنا بعنوان " يحدث في غياب الضمير").
2ـ غياب أي رؤية لإنشاء آلية للقضاء على الفساد، أو محاسبة المسؤولين المقصرين .
3 ـ عدم وضوح معايير تولي المناصب العامة، و الدور الذي يلعبه معيار الكفاءة في ذلك.
4ـ غياب حس المبادرة لتفادي وقوع الكوارث، فبعض الوزارات ـ كما تبين من المؤتمر ـ تتوافر لديها كل المعطيات الرقمية التي تقول بأن هناك كارثة على وشك الوقوع، و مع ذلك لا تتحرك قبل وقوعها بكل ما يعنيه ذلك من ارتفاع كلفة معالجتها.
5 ـ مقولة " الحكومة تعرف ما تفعل " لم تنفع بعض الوزراء في ردّهم على المختصين ـ و قد تفاجئ الجميع بسعة اطلاع بعضهم ـ و بالنتيجة كان هناك إقرار من بعض الوزراء بضرورة التخلي عن هذه المقولة المزمنة ، و بالتالي إشراك أهل الخبرة (من خارج الملاك) لمواجهة الصعوبات و الكوارث.
6 ـ برز هناك تفاوت واضح في تفاعل السادة الوزراء مع محاوريهم ، فالوزراء الذين جاؤوا من رحم مؤسساتهم ( الكهرباء و العدل و التربية مثلا) كانوا أكثر تجاوبا مع النقد الموجَّه إليهم ، و أكثر قدرة في استخدام لغة الأرقام في شرح معوقات العمل في وزاراتهم، و أكثر جرأة لجهة الإقرار بوجود تقصير ما سواء كان هذا التقصير ناجم عن عملهم ، أو عن ظروف الحرب ، أو نتيجة للتركة الثقيلة التي ورثوها عن سابقيهم ، على حين أن الوزراء الذين تولوا مناصبهم بعد مسيرة في العمل السياسي ، أو جاؤوا من خارج رحم وزارتهم ( لن أعطِ أمثلة منعاً للإحراج و لأسباب أخرى) كانوا اقرب إلى لغة التبرير و الخطابة الأمر الذي انعكس على تعاطي المشاركين مع طروحاتهم ، فهؤلاء انصرفوا في فترات الاستراحة إلى متابعة النقاش مع الفريق الأول من الوزراء و لسان حال البعض منهم يقول " يا إلهي .. الوزراء بشر مثلنا".
الآن نسأل: هل كان علينا الانتظار حتى السنة السابعة للحرب لنشرع بردم الفجوة ما بين المواطن و الوزير؟
لماذا لم يقم السادة الوزراء ـ قبل هذا المؤتمر ـ بشرح واقع عمل وزارتهم من خلال مؤتمرات تُعقد برعاية حكومية أو على وسائل الإعلام بعيدا عن المزايدات و الشعارات؟
هل من الضروري في كل تشكيلة وزارية أن يكون هناك وزراء من أصحاب " الروزة" و آخرون " يشبهوننا"؟
هل سنجد هذا الكم من الشفافية و الحضور الحكومي في مؤتمرات مماثلة تُعقد بمبادرات مدنية غير حكومية؟
و هل ستكون نتائج المؤتمر ضمن آلية عمل الحكومة للفترة القادمة على نحو ما وعد به السيد رئيس مجلس الوزراء؟
أكثر ما يعنينا هو أن تتم الإجابة على السؤال الأخير على أمل أن تقوم الحكومة بنشر الأرقام التي بحوزتها حول الأضرار التي لحقت بكل قطاع من قطاعات الدولة السورية نتيجة لهذه الحرب ، و أن تقوم الجمعية البريطانية السورية بتزويد رئاسة مجلس الوزراء بمخرجات المؤتمر و الذي اعتقد أن سرّ نجاحه يكمن في درجة تنظيمه العالية ، و الدقة باختيار المواضيع ، و الحرص على تنوع المدعوين و عدم إقصاء احد على أساس انتماءه الحزبي أو الفكري أو سواه، و هي أمور قلَّما اجتمعت في مؤتمر يُعقد بمبادرة حكومية، لكنها اجتمعت على يد رجل حكيم اسمه د. فواز الأخرس الذي طبّق ببراعة عبارة: سمي و افضح Name and Shame لتكون جسرا ما بين المواطن و صاحب القرار.
د. عصام التكروري: صاحبة الجلالة
إضافة تعليق جديد