(صوت ماريا).. جنون الرجل حرب في جسد النساء
امرأة ممزقة هي تكثيف لحرب عرقية (البوسنة ـ الصرب) لا تبقي ولا تذر، انتهت الحرب وبقيت آثارها دملا في أجساد الضحايا، المرأة ـ الضحية توزع لوحاتها على الخشبة وتتنقل بينها ضاربة هنا بريشتها وناثرة ألوانها هناك، ترسم أشكالا مشوهة تخرج من مخيلتها المضمخة بمشاهد القتل والجثث والاغتصاب، وبين اللوحات يتوضع سرير مشفى منه تنطلق (الممثلة) إلى لوحاتها تنفيذا لوصايا طبيبتها النفسية (الشخصية الغائبة الحاضرة عبر تداعيات الضحية)، وتعود لتتكور عليه علها تحرق ذاكرتها الحاضرة في ثنايا يومها، المرأة تسرد لنا حكايات حرب وجنود اغتصبوها هي وابنتها.. لا يهم جنسية الجنود وطوائفهم المهم جنون الحرب التي تحيل الحياة إلى جحيم، تُجهض الأم حملها بفعل التعب والعمر ووطأة المأساة فيما ابنتها تضع مولودها ليبقى شاهدا على حمل ناشز فيما المولود يصرخ ببراءة طلبا للحياة.
الابنة تموت أثناء الولادة فيما الأم تبقى على قيد الحياة تحارب سكاكين ذكرياتها التي تنهش روحها، تتحرك على الخشبة وكأنها في حقل ألغام ومن بين أقدام الجمهور تلملم بقايا أحذية وكأن الانفجارات المدوية حدثت للتو فمزقت الأجساد وتناثرت أشياؤها هنا وهناك..
لم يحدد المخرج (مانويل جيجي) دين وجنسية الضحية أو قومية مغتصبها فترك عرضه مفتوحا للأسئلة الإنسانية والوجودية، فالحرب هي الحرب تحدث في كل يوم وكل زمان ..
المخرج راهن على (فدوى سليمان) الغائبة عن ساحة الفن (مسرحيا وتلفزيونيا) منذ عدة سنوات وكأنها في حالة كمون إبداعي تجلى في (صوت ماريا)، نزع المخرج القشرة المحيطة بالممثلة التي أطلقت مخزونها العاطفي والجسدي والفكري على خشبة المسرح الدائري في المعهد العالي للفنون المسرحية لتروي لنا بصوتها وحركتها التي غطت فضاء الخشبة قصة حرب لما تنتهي بعد، فدوى استخدمت مخزونها الانفعالي عبر استحضاره على الخشبة فتوحد جسدها مع جسد ضحية مفترضة مر الجنود عليه وأشبعوه اغتصاباً هي وابنتها وغادروه بحثا عن مساحة أخرى تقودهم شهوة الدم والغلمة لاستباحة (المرأة ـ الحياة) وتطهيرها من أي خصب..
ولكن.. هل الضحية تغفر لجلادها..؟
ماريا التي تتصارع مع نفسها بفعل وجود طفل هو ثمرة (حرب واغتصاب) يغلبها حنان الجدة وحزن الأم الثكلى، فتضم الطفل كبارقة أمل لحياة ربما هي أفضل..
يوشي مانويل جيجي عرضه المسرحي بالشعر المأخوذ من دواوين محمود درويش ونزيه أبو عفش وبندر عبد الحميد، ليكون خلفية تشحن المشهد بعمق إنساني يخفف من سطوة المأساة وثقل الحدث، كما أدخل صوت فاتنة العلي كراوية للشعر لتتعدد الأصوات في عرض (مونودرامي) حملته باقتدار فدوى سليمان.
(صوت ماريا) عرض أطلق من جديد لممثلة تغافل عنها التلفزيون وتجاهلها المسرح فبدت وكأنها لم تغادر أبدا الخشبة..
صوت ماريا
الإنتاج: الأمانة العامة لاحتفالية دمشق عاصمة للثقافة العربية
تأليف: الكاتبة البوسنية ليديا شيرمان هوداك ـ الإعداد والإخراج: مانويل جيجي
تمثيل: فدوى سليمان
الإضاءة: ماهر هربش ـ مساعد مخرج: محمد عبود ـ الديكور: بيسان الشريف ـ الأزياء: كريستين طنوس.
أحمد الخليل
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد