صفقة أمريكية- تركية لم تنجز بعد

27-07-2006

صفقة أمريكية- تركية لم تنجز بعد

لفترة طويلة ظلت تركيا أكثر انهماكاً في علاقاتها مع أوروبا والخليج، إضافة إلى بعض دول آسيا الوسطى والقوقاز. وذلك على المستوى الإقليمي، أما على المستوى الاستراتيجي الدولي، فقد ظلت تركيا بدءاً من انتهاء الحرب العالمية الثانية وحتى الآن أكثر ارتباطاً بالأجندة الأمريكية.
بسبب هذه الارتباطات، أصبحت أوروبا عضوً فاعلاً في حلف الناتو.. ورغم طموح الأتراك وتطلعهم شمالاً نحو أوروبا، فقد ظلت طوال هذه الفترة، مشكلة الملف الكردي تشكل تهديداً رئيساً للدولة التركية.. لإبقاء تركيا واقعة ضمن مصيدة (شدّ الأطراف) –أي استمرارية حالة المعاناة والتوتر وتشتت التركيز والمجهود- فقد لعبت القوى الغربية في تركيا ضمن اتجاهين، بحيث من الجهة الأولى تقوم أمريكا بدعم تركيا عسكرياً وسياسياً واقتصادياً.. لجهة استغلال تركيا في التحالفات الأمنية والعسكرية ضد خصوم أمريكا.. وفي الوقت نفسه توريطها في مصيدة الديون بما يضمن تبعيتها لأمريكا.. حيث تظل تركيا بحاجة ماسة دائمة لرعاية ودعم أمريكا..
أما من الجهة الثانية فيقوم الأوروبيون الغربيون بالتلويح للأتراك بإمكانية قبول انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، ولكن بشرط احترام حقوق الإنسان، وتحسين الوضع الاقتصادي، (أي بلغة أخرى: التخلص من مشكلات وأعباء الديون الأمريكية)، ولم يكتف الأوروبيون بذلك، فقد قاموا بفتح أراضيهم للمنظمات الكردية التركية، وأجهزتها الدعائية.. وذلك بعكس أمريكا التي ظلت كعادتها (أفضل) من يلعب دوراً مزدوجاً في الملفات الكردية، وذلك بأن وظفت تنظيمات أكراد العراق من أجل الـ(استقلال) والحرية..
في خضم لعبة الدور المزدوج، حاولت أمريكا الضغط على تركيا من أجل الاشتراك في الحرب ضد العراق، وذلك على النحو الذي ترتبت عليه الكثير من التداعيات السلبية على وحدة حلف الناتو، فتركيا عضو في الحلف، وإذا أعلنت الحرب ضد العراق.. فإن معاهدة الناتو تلزم كل الأطراف بتقديم المساعدة والدعم لها.. بما في ذلك الدول الأوروبية الغربية التي رفضت المشاركة مع أمريكا.. وقد أدت محاولة استدراج تركيا بوساطة أمريكا للمشاركة في الحرب ضد العراق إلى أزمة كبرى داخل حلف الناتو.. استطاع الأوروبيون احتواءها، وقبل الأكراد الموقف الأوروبي على مضض، وذلك على (أمل) أن يساعد ذلك في تسريع انضمام تركيا التي طال انتظارها إلى الاتحاد الأوروبي.
وقد اتضح لاحقاً أن أمريكا –ومن ورائها إسرائيل- كانت حريصة بقدر كبير على مساعدات (أكراد العراق) لها في إنجاح عملية الغزو، وقد بذلت غالبية التنظيمات الكردية العراقية (جهداً خارقاً) مؤدية أفضل الخدمات لقوات الغزو الأمريكي.. وذلك حتى لا (ينتقص شيء) وبالتالي تضطر أمريكا لطلب مساعدة الجيش التركي.. والذي عندما يدخل الأراضي العراقية لمساعدتها.. فإنه بكل تأكيد سوف يقوم بتنفيذ بعض الـ(مهام الإضافية) في شمال العراق..
التعاون الأمريكي- الإسرائيلي- التركي، ظل متطوراً على قدم وساق، وقد قامت الشركات النفطية الأمريكية بتمديد أنابيب نفط باكو- تبليسي- جيهان، الذي ضمن للأتراك مرور صادرات نفط بحر قزوين عبر أراضيهم، على النحو الذي يجعل تركيا شريكاً استراتيجياً في صادرات نفط بحر قزوين، إضافة إلى صادرات النفط الأخرى التي تمر خطوط أنابيبها عبر أراضيها من إيران والعراق، بسبب تورط أمريكا في أفغانستان والعراق, فهي تعمل حالياً على تفادي أي تورط إضافي لقواتها العسكرية، وفي الوقت نفسه تركز من أجل الاستعانة بحلفائها التقليديين مثل تركيا.. للقيام ببعض المهام العسكرية بـ(الوكالة) عن أمريكا.. وبالذات في منطقة الشرق الأوسط.
- الأتراك هذه المرة، يريدون استغلال هذه الفرصة التي يظنون أنها سوف تؤدي إلى جعلهم يستعيدون وضعهم ومكانتهم كـ(لاعب) تاريخي في منطقة الشرق الأوسط، وبالتالي، فهم يحاولون عقد صفقة.. (أزعجت) إدارة الرئيس بوش، وأربكت بعض حساباته..
- تقوم الصفقة التركية وفقاً لقاعدة: (هذه) بـ(تلك)، أي: تقدم تركيا المساعدات اللازمة للولايات المتحدة في عمليات المشاركة في (القوات المتعددة الجنسيات) التي ترغب أمريكا بتشكيلها تحت راية (حلف الناتو).. أو (القوات الدولية).. من أجل هدف معلن هو (حفظ وقف إطلاق النار والسلام).. وهدف غير معلن هو الـ(حرب ضد الإرهاب) الذي يهدد أمريكا و(حلفاءها) في الشرق الأوسط.. ولكن بشرط أن تساعد أمريكا تركيا أيضاً في (حربها ضد الإرهاب).. وذلك عن طريق السماح للجيش التركي بالدخول إلى شمال العراق.. وذلك من أجل القضاء على (الجماعات الإرهابية).. التي أصبحت تهدد أمن وسلامة تركيا..
وفي حال موافقة الأمريكيين على هذه الصفقة، يكونون قد فقدوا (حليفاً هاماً داخل العراق)، وبالتالي يواجهون معارضة أكبر، وإذا رفضوا، فإن عليهم البحث عن بديل مناسب، وهو أمر صعب أيضاً.
ويقال: إن الرئيس الأمريكي جورج بوش قد اتصل هاتفياً برئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان مرتين خلال ثلاثة أيام، قال له في آخرها: إن الولايات المتحدة سوف تعمل مع تركيا في الـ(الاهتمام) بأمر هذه التهديدات الإرهابية التي يقوم بها (حزب العمال الديمقراطي الكردستاني).. كذلك يقال: إن الحكومة الأمريكية قد أبلغت الحكومة العراقية التي يرأسها (جلال طالباني زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي) رسالة قوية حول لجوء الجماعات الإرهابية الكردية التي تستهدف تركيا إلى  شمال العراق.
حالياً، تفيد التقارير بأن هناك مباحثات بين العسكريين الأمريكيين والعسكريين الأتراك من أجل وضع الخطوات الصارمة التي يجب القيام بها ضد التنظيمات الإرهابية الكردية التركية الموجودة حالياً في المناطق الكردية (العراقية).
على مايبدو، سوف تقوم أمريكا بممارسة لعبة الـ(لعب حسب الظروف) والتي تتضمن عدداً كبيراً من اللاعبين في الشرق الأوسط.. وفقاً لمبدأ (معك اليوم).. و(ضدك غداً).. وذلك (حسب الظروف)..

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...