شهر الاحتفال بالهزيمة
أما الآن وقد انقضى شهر «الاحتفال» بالذكرى الأربعين للنكسة التي لا نزال نعاني منها حتى اليوم، قد يكون مفيداً أن نقف وقفة عند هذا الشهر الاحتفالي المنصرم. ففي الذكرى الأربعين لنكسة حزيران أجريت احتفاليات فضائية خاصة واسعة ومتنوعة. وهي أجريت على افتراض صائب أو خاطئ، يقول إن العرب شعب ينسى ما حدث، خلافاً للقول الشعبي الدارج: «إن البدوي يمكن أن يأخذ بثأره بعد اربعين سنة»، وأضيف إلى هذا القول عبارة: «إذا لم يكن مقهوراً».
شملت الاحتفالية، التي تميزت هذه المرة بأنها أجريت على شاشات الفضائيات، وليس في أي مكان آخر، ندوات ولقاءات مع شخصيات ذات صلة، واعترافات، وأفلاماً وثائقية، وآراء من الشارع العربي في المشرق والمغرب، ومن الجيل الذي ولد بعد النكسة، أو الهزيمة، وبكائيات عاطفية ونشاطات ثقافية وفنية بمستويات مختلفة، صعوداً وهبوطاً. وهي كلها أتت تستنهض البدوي القابع في دواخلنا كي يأخذ ثأره في شكل بدائي أو متحضر، بالنسبة الى البعض، وفي أي شكل من الأشكال بالنسبة الى البعض الآخر. وفي مقارنة بين مشهدين: مشهد ما قبل الهزيمة والمشهد الراهن يمكننا اكتشاف حقيقة مرة، هي أن مشهد ما قبل الهزيمة لم يكن يوحي بأي هزيمة، على عكس المشهد العربي الراهن الذي يوحي بهزيمة واقعة، ولكنها مجزأة إلى قطع متناثرة.
ترافقت الصحوة التي أعقبت الهزيمة مع نشاطات إبداعية وفكرية رائدة، يمكن أن نذكر منها في سورية مسرحية سعد الله ونوس «حفلة سمر»، وكتاب صادق جلال العظم «النقد الذاتي بعد الهزيمة»، لكن تلك الصحوة تراجعت أمام متغيرات عاصفة ومتلاحقة.
في كل ما عرض، مما رأيناه وسمعناه على الفضائيات حول أسباب الهزيمة ونتائجها، وقراءة الحاضر، نجد تعتيماً أو مواربة من المحتفلين في قول بعض حقائق بسيطة جداً يعرفها الناس العاديون ولا يتحدثون بها إلا همساً، أحياناً، عن الأسباب الحقيقية للهزيمة الكبرى التي حدثت قبل أربعين سنة، والهزائم المجزأة التي نعيشها.
ثمة من لا يعرفون اليوم ماذا حدث قبل أربعين سنة، وكثير من الذين يعرفون تلك الحقائق يتهربون منها.
في رواية روبرت لويس ستيفنسون «المخطوف» تحدث جريمة اغتيال، تتحول إلى لغز محير، ولكن كل الناس كانوا يعرفون حقيقة هذه الجريمة اللغز من دون ان يبوحوا بها. وهذا ما يلخص كل ما قيل في الاحتفاليات الفضائية والأرضية التي رأينا وسمعنا وقرأنا تنويعاتها العتيدة. وكان يمكن ان تكون مفهومة اكثر لو ان الفضائيات، او بعضها فعلت ما هو بديهي: عرض الأفلام السينمائية التي حققها عن الهزيمة مبدعون رأوا ما لم يره آخرون!.
بندر عبد الحميد
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد