سمير يزبك.. يترك صوته على طريق بيروت ـ دمشق ويرحل
قبل بضعة أسابيع، اجتاحت مواقع التواصل صور وأخبار تشير إلى الحالة الصحية الحرجة التي يمرّ بها أحد أبرز نجوم الفن اللبناني في الزمن الجميل: سمير يزبك. لكن سرعان ما تناسى الناس والإعلام الأمر، ليغرقوا في رتاباتهم اليومية، قبل أن يعودوا ويفجعوا صباح أمس برحيله، إثر مشوار طويل غلّفه بأعمال لا تتكرّر. إذاً استسلم قلب يزبك أخيراً، لصخب السرطان المتفشي في جسده، الذي بدأ بالتهام حنجرته أولاً، ليخسر القدرة على الكلام منذ سنوات ويعيش في صمت مطبق.
من رحلة التراتيل الكنسية مروراً بالمعهد الموسيقي، ثم بدايته في الإذاعة اللبنانية إلى حكايته الشهيرة مع السيدة فيروز حين عمل لفترة مزيناً للشعر والشراكة مع الرحابنة ثم رفيق درب «روميو لحود»، وصولاً إلى الحرب وفترة المرض، بقي لسمير يزبك خصوصية واضحة عن نظرائه وزملائه الذين شكلوا الزمن الذهبي للأغنية اللبنانية. ففي ستينيات وسبعينيات القرن الماضي وحتى في ثمانينياته، احتفى لبنان بعشرات الأصوات الغنائية التي لوّنت أيامه، فكانت لابن «رمحالا – عاليه» بصمته الخاصة. فالصوت الجبلي القوي الذي يتحوّل بسرعة لصوت شجي مؤثر، ثم يعود ليحتفل بالحياة، تنقل بين أعمال فنيّة جمعها عامل مشترك هو اللحن والأداء الذي يبقى راسخاً لفترة طويلة. ربما هذا ما كان وراء تسابق الشباب حتى اليوم لإعادة تجديد أغانيه في برامج الهواة، حيث كنّا نستمع إلى استعادات عديدة لأغنياته الكبيرة وبخاصة «الزينة لبست خلخالا» و «دقي يا ربابة».
ثمة كنز من الأعمال الجميلة، التي غنّاها يزبك، لا تزال خبيئة في أرشيف التلفزيون والإذاعة لا سيما بين بيروت ودمشق. فحماسة «ويلي من حبن» تلتقي مع الشجن في «خدني معك» وموال «موجوع»، لا يزال إلى اليوم يشكل نقطة لامعة من ذهبيات الأغنية اللبنانية، في فترة كانت المنافسة قاسية مع أسماء كان يغني لها أيام طفولته، قبل أن يعود ويقف إلى جانبهم ويغني معهم وبخاصة «وديع الصافي» و «نصري شمس الدين» إلى آخرين، ممن أصبحوا رفاق الدرب ونجوم تلك الفترة: ملحم بركات وإيلي شويري وكذلك جوزيف عازار والراحل «عصام رجي».
أكثر من 300 أغنية وعشرات الأعمال المسرحية طبعت مسيرة الراحل بين بيروت ودمشق التي أحبته وما زالت تحتفي بأغانيه فيما يتسابق الشباب على أدائها دون أن يعرف البعض صاحبها. فحين اندلعت الحرب اللبنانية سنة 1975 شدّ عشرات الفنانين رحالهم إلى مصر أو باريس واختار آخرون البقاء في لبنان، فيما قرر سمير يزبك التوجه نحو جوار بلاده سوريا، هناك غنّى لدمشق والتقى مع شعرائها وموسيقييها مثل عيسى أيوب وسهيل عرفة فقدّم «يا بلادي».. وما كان على الشام إلا أن بادلته الحب واحتفت به طيلة جنون الحرب اللبنانية، فيما تستمر الإذاعات السورية، وحتى اليوم، تداوم على بث الكثير من أغانيه في الصباح، لا سيما «اسأل عليّ الليل»، و»يا حوا راح اللي راح»، كما «دقي دقي يا ربابة».
من بين هذه الأغنيات، لا بدّ ـ ربما ـ أن نتوقف عند «إسأل عليّ الليل»، إذ قال الفنان الراحل عنها بأنها لم تأخذ حقها كثيراً برغم اللحن والأداء اللذين لا يمكن ألا أن يبقيا في ذهن المستمع لفترة طويلة. هل هذا هو السبب الذي دفع بأحد أبرز نجوم الجيل الجديد «وائل جسار» لإعادة غنائها من جديد؟
في أي حال، ربما كان من اللافت، وبرغم كل نجاحات تلك الفترة الذهبية، أن نجد سمير يزبك قد غاب عن الإعلام عقب عودته إلى بيروت بعد انتهاء الحرب، فاقتصرت إطلالته على مناسبات قليلة لعلّ آخرها في بعض البرامج التلفزيونية وبعض السهرات التي عرضت منذ سنوات قليلة.
سمير يزبك، يغادر جسده بعد صوته. لكنه يترك لنا هذا الصوت الذي لن يتكرّر.. وعلى الطريق بين بيروت والشام، لا تزال أصداء تلك النبرات تستعيد صدى حكايات كانت تتطلّع إلى وطن لم يجد حضوره إلا في غياب الكثير من أشيائه.
مسارات
ـ من مواليد رمحالا - قضاء عاليه سنة 1939 (وفي مرجع آخر 1942).
ـ متزوّج من حنان نصار (1978) ولهما، أمير (1979) ومنال (1982).
ـ عمل كمزيّن للسيدات في مطلع شبابه، حيث تعرفت عليه فيروز وقدمته في مهرجانات بعلبك.
ـ بدأ فنياً في العام 1961 من خلال مهرجانات بعلبك الدولية، وتوالى ذلك في الأعوام 1962 و1963، 1964 و1967 و1968. وفي عامي 1970 و1971 شارك في مهرجانات الأرز وإهدن وبعلبك وبيت الدين.
ـ ورث عن والدته وبتشجيع منها صوتاً جميلاً.
ـ درس في المعهد الموسيقي على يد سليم الحلو.
ـ عمل في المسرح 4 سنوات في فينيسيا مع روميو لحود وسنتين في مسرح المارتينيز.
ـ هواياته: الرياضة، ممارسة كرة القدم وكرة السلة والسباحة.
ـ غنى عشرات الأغنيات التي لاقت رواجاً كبيراً، منها «الزينة لبست خلخالا»، «اسأل عليّ الليل»، «شحاد»، «ويلي ويلي من حبن ويلي»، «دقي دقي يا ربابة»، «حني حني يا حنونة».
ـ شارك المطربة الكبيرة صباح والفنانة سلوى القطريب في معظم مسرحياتهما.
ـ أشهر المسرحيات التي شارك بها: «الشلال»، «مين جوز مين»، «القلعة»، «الفرمان»، «موسم العز». بالإضافة إلى السهرة الغنائية التي جمعته مع صباح وحملت عنوان «العواصف».
طارق العبد
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد