زياد الرحباني:الليبرالية المتوحشة في «المحطة الموضوعية للإرسال»
إثر مقالٍ على جزءين، الأسبوع المنصرم، تحت عنوان: «الأصل، الجرأة»، تمّ فيه التركيز على بعض ممّا تتفضّل علينا به محطة «ال.بي.سي» ليليّاً ومنذ ولادتها، وُجّهت إليّ بعض التعليقات من مقرّبين مفادها أن المقال جيّد لكنه شديد اللهجة، غريب التوقيت، وقَويّ. وكلمة قَويّ، هنا، بمعنى العيار. الأرجح أن تلك العبارات والمعايير، هي صحافية بامتياز. لذا، في البداية، أودّ الاعتراف، للقرّاء، ولكلّ «الداخلين» إلى موقع جريدة «الأخبار» على الانترنت، ليسجّلوا، إلى جانب شتائمهم أحياناً، المرحّب بها، ملاحظةً متكرّرة: «ومنذ متى أصبح الرحباني صحافياً؟». لهم، أودّ أن أعترف بأنهم على حق مئة في المئة. لستُ صحافياً على الإطلاق، كما أنني وضّحتُ للصحافة، في الصحافة، سابقاً: لستُ مسرحياً كذلك. لذا يمكن اعتباري، بكل راحة ضمير، «متعدّياً» على المهنتين. أنا، لمزيد من الحصر والتحديد: مواطنٌ شيوعيٌ يعمل في الموسيقى. وكل ما بدر مني على مسرح أو إذاعة أو في صحيفة، كان وسيكون من باب التعبير السياسي عن الانتماء. فلا معنى لهذا الاستغراب في بلد يعيش الحرب منذ كنتُ في الثامنة عشرة، كما أني لن أكُفَّ عن التعدّي على المهن من حين إلى آخر في بلد يمكن أن يكون فيه السيّد أحمد فتفت وزيراً للداخلية في حالة حرب شاملة ودفاع عن قضاء مرجعيون أو يُسمعُ فيه أن السيّد غطاس خوري مرشحٌ لرئاسة الجمهورية، يا ولدي، أو أن الرفيق كارلوس إدّه زعيمٌ باريسيٌ لثورة الأرز يترجم له السفير الروسي في لبنان إلى العربية.
إن ما قيل في المقال المذكور، ليس عن محطة «ال.بي.سي» التلفزيونية حصراً. أي إنه ليس تقييماً لتلفزيون لبناني ببرامجه وعامليه. إنه نقدٌ للوجه، بل لواجهة القوات اللبنانية الإعلامية الأولى بامتياز. إنها، في اللغة الإعلامية، سلاح الـ«ميديا» للإرسال القواتي، لا المسيحي عموماً. إنه الرسالة والمضمون، إنه «الخطاب» من الكرنتينا سابقاً، إلى المدفون آنفاً، مروراً بأدما حالياً. وهل ما قيل، من هذا المنطلق، قويّ العيار؟ إن كان كذلك، فلا خوف، فمحطة «ال.بي.سي» أقوى. وهي منتشرة في كل أرجاء المعمورة. وأكثر من عشرين في المئة من بثّها (هوائها) مخصّص لدعايتها عن نفسها. فكيف لنا أن ننافسها أو نضاهيها بمقال يوميّ؟ ونحن تناولناها، بالضبط، لهذه الأسباب. فالبلد في معركة بين فريقين انقسم السواد الأكبر من المواطنين بينهما، والقوات موجودة إلى جانب أحدهما، ولها حلفاؤها، بالطبع، لذا أحببتُ أن أُذكّر هؤلاء، قبل المواطنين الآخرين، وخاصة غير البالغين منهم، مَنْ هم دون الـ21، فعلياً أو عملياً، بتاريخ هذه المحطة التي شكلها الطاغي الدائم: انهيارٌ جبليٌّ من الترفيه أو انفجارٌ كيميائيٌّ من التسلية والتشويق. وقد يتطعّم مع النعاس، بالدسّ العنصريّ الفينيقيّ الناعم بنعومة مقدّميه ومقدّماته. من هنا أيضاً، لا داعي لمحاسبتها على الموضوعية. ففي الحرب لا أحد موضوعياً إلا نوادي «الليونز» و«الروتاري» و«ألومناي كلوب» أو ماسونيّو رأس بيروت الموحّدة. أما القوات فهم، بعكسهم، غير موضوعيين لكونهم واضحي الوجهة والهدف، لكون قائدهم واضحاً، لكون مشروعهم أوضح، والواضح، عموماً، أفضل من التقدمي الفاعوري. وإن كانت «ال.بي.سي» يوماً موضوعية، ففي حال واحدة: ألا وهي تقصيرها الإعلامي المستمرّ والملحوظ في تغطية انتمائها القواتي ــــــ الأساس. كل تغطية لطرف آخر في البلاد، فيها إمعان في الموضوعية، لا بل في «الليبرالية المتوحّشة». ألم تروها تغطّي أخبار المناطق السنّية المحرومة في طرابلس؟ واكتئاب النائب الوسيم مصباح الأحدب لذلك؟ ألم تروها تغطّي الجنوب الشيعي المنكوب؟ (بحزب الله، طبعاً) أو حتى بأخبار العراق الشقيق التي كثيراً ما تؤخّر برامج «الهزّ والحظّ والإعلام المكتظّ»؟ إنها موضوعية فوق العادة، في نظر السيدة دولّلي غانم أو المبدع وليد عبود اللذين يضطرّان في كثير من الصباحات لمحاورة العونيين، وذلك بالنيابة عن السيدة مي شدياق التي منعها أطباؤها الفرنسيون من ذلك لمدة غير محدّدة.
في النهاية، هم أخصام لنا في السياسة والوطن، وهذا حقّهم. وهم واضحون، لذا لا تحرجوهم. ونحن ما زلنا نشاهدهم عند اللزوم، رغم ما كتبنا في المقال السابق، لنعرف أين أصبحوا، فهم الضدّ وككل ضدٍّ يحملُ معه الضدّ، فالردّ إذاً عليهم يكون في أفكارهم، بل من صنعهم أحياناً. أخيراً، ذكرنا في الجزء الثاني من المقال، أن «... مَنْ لم يقتنع بموضوعيتهم من العاملين في المحطة... يَكُنْ منفرداً في زاويةٍ «ذاتياً»، والغالب أن الباقين لاحظوه و«أتْركوه» «المحطة الموضوعية للإرسال»). هنا لم نكن نؤلّف نصوصاً خياليّة أو تهكّميّة. كنّا نتناول شخصاً فعلياً مركزياً أدار هذه المؤسسة منذ البداية. وقد فتح، برأيي، في جدارها ــــــ الأساس، ثقباً كبيراً باتّجاه الآخرين، في لبنان أولاً، ثمّ في العالم العربي. والثقب كان سياسياً. يُلقّب هذا الشخص بـ«الشيخ» حتى ما قبل «انفتاح المحطة عربياً». وقد شكّل في لحظة أملاً لهذه المحطة القواتية. وكما يجب الإنصات يومياً إلى الخصوم، وجبت محاورة الأذكياء منهم، لا بل إن هؤلاء هم تحديداً مَن يمكن التحالف معهم في فترات من التاريخ المكرّر المعلوك بشكل متواصل حتى الرابع عشر من آذار. وشكراً.
زياد رحباني
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد