زنوبيا السورية: عرض مترهل للرحابنة في دبي

الجمل- دبي- فادي عزام:  أنتهى عرض مسرحية زنوبيا، وألقي القبض عليها وهي تحاول الوصول إلى « كسرى  الفرس» مستغيثة به ليساعد تدمر السورية ضد هجوم  الروم  الكاسح " وبدل أن تقيد  بالذهب كما في الحكاية التاريخية "الافتراضية "  جرت موثوقة إلى  عربة رومانية مكبلة بالحديد بعد أن خانتها القبائل العربية، وتوطأت على ملكها المعارضة الداخلية واحرقت " بلميرا " واستبيحت المدينة  لتتحول انقاضا وخيما مرمدة في دبي .

  اطفأت الأضواء الكاشفة وعادت الخيول المشاركة إلى اسطبلاتها وتوقف صوت كارول سماحة "أنا أول صرخة حرية من قلب الصحراء العربية في وجه روما العتية" . 
وتوقف المنجنيق بعد اطلاق ستة حمم حارقة، وانطفأت الحرائق التي أشعلت في خلفية العرض وتوقفت لوحتي الترجمة العملاقة عن ترجمة الحوار إلى اللغة الانكليزية وحيَّا  الممثلون المئة والثلاثون الجمهور .وشد التقنيون المئة والسبعون الرحال مغادرين دبي وصرفت الثلاثة  ملايين دولار" حسب مصادر غير رسمية "  على أكبر " استعراض " عربي تستضيفه مدينة الاستديوهات الناشئة في دبي الحديثة. 

انتهى العرض الرحباني " فرع منصور" الذي استمر 6 ليال كاملة استخدم فيها خلفية المسرح المفتوح كعمق سنوغرافي تتحرك به  الخيول والمعارك الافتراضية والبست 9 نخلات  حقيقية  اضواء خاصة وبنيت  سبع مكعبات كبيوت  سهلة الاشتعال تشتعل من نيران المحاربين. 

برع العرض في حشد كمية كبيرة من الممثلين على الركح الضخم، ونجح مرة أو مرتين في تحريك الجموع ومناغمتها مع الإضاءة والمؤثرات الخاصة " نفث النيران واطلاق الدخان " ولكن بقي الفضاء العملاق اكبر وأوسع من الحركة فالتهم الجموع في معظم مراحل  العرض وبدت وكأنها عاجزة عن التحرك أو استغلال الفضاء الضخم ، ولم تسعفها حركتها المترهلة بل أربكت أيقاع العرض الذي وقع في مطبات  الملل والرتابة وخاصة في الجزء الأول منه.

وبدت لغة الجسد والرقصات مكرورة وغير مبتكرة لم ترتق فنيا إلى عتبة " كركلا " مثلا.ولم  تشفع للعرض ومضات فنية بين الحين والآخر وكثافة تغير الأزياء وهشل الأحصنة على المسرح، فبقي وكأنه يتحرك في فقرات استعراضية غير متقنة في معظم الاحيان اكثر من التحرك في فضاء مسرحي افتراضي توفر له كل الأمكانيات اللازمة للنجاح.
أنتهى العرض وبدأ السؤال المفترض الذي غالبا ما يرافق عملا بهذا الحجم،يحق للمتلقي أن يتوقع أكثر من عرض مترهل محاط بأبهة تزينة وانفقاعات دخانية وتمرير خيول على المسرح وحرق بضعة خيام.
عرض مدجج بأحدث التقنيات المبهرة لم تشفع له ليكون على مستوى ما يسمى مسرح  الرحابنة ولم  يضف جديدا لتاريخهم القديم أو الجديد.

دبي التي جيّشت له كل ما استطاعت من قدرات تمتازبها في حملة هي الأضخم لعمل فني في تاريخ الإمارات والعرب المعاصر، استقطبت العرض ليدخل" السي في" الشخصي لمدينة متهمة عادة بإهمالها الثقافة والمسرح. فما كان منها إلا أن أغدقت بدعم مادي يعادل ميزانية مسارح عربية لسنوات.

يحق لهذا المتلقي، أن يتوقف ويسأل " فرع منصور"  أهذا استمرار لمسرح الرحابنة أم هواستغلال" مشروع " لتاريخ ألماسي لا يخفى على أحد وصار الأحرى به أن يتوقف عن تكرار نفسه من تاريخ الرعيان إلى المتنبي وسقراط وصولا لزنوبيا,بدت الجمل الموسيقية معادة ومستعادة من العروض السابقة بتوليفات معروفة الهوية. كما جاءت القفلات الموسيقية باهتة غير مؤثرة لم يتفاعل معها الجهمور أو يشعر بانتقالاتها،وتركت للإضاءة لعب هذا الدور.

انتهى العرض مخيبا متلقي النص بحبكته الدرامية التي تقرب حد السذاجة، وبمعالجة سطحية لشخصية مرت سابقا بمسرح الرحابنة قدمت سنة 1971 في مسرحية " ناس من ورق " على منصة معرض دمشق .فبدا النص في العرض وكأنه يتعامل مع متلقي يفترض أنه شبه أمي بالتاريخ والسياسة يجبره على الإنصات ومشاهدة اسقاطات معاصرة مقسورة قسرا عبر نكتة سمجة « ضحك الجمهور 3 مرات » أو خطاب شاعري ذي حامل فلسفي ممجوج ورموز ثقيلة الظل والظلال لجعله يستخلص عِبرا من التاريخ على طريقة الكتب المدرسية ومناهج  التعليم الرسمية." صفق الجمهور ثلاث مرات ونصف " 

صوت كارول سماحة التي جسدت شخصية "زنوبيا " القادر والجميل والقوي لم يوظف في مكانه ولم يضف هذا العرض لصوتها أي جديد باستثناء أغنية واحدة في بداية العرض. وبدا "أنطوان كرباج " أورليانوس القيصر" مستنسخا  ذاته بلا أي بريق حتى أنه يقرب من أن  يكون سطحيا وخاصة في مشهد الأعراب. ويكاد لا يعلق من صوت غسان صليبا وطاقته الكبيرة شيئا بعد نهاية العرض. 

زنوبيا أو زينب بنت عمرو بن الظرب بن حسان بن اذينة بن الصميدع أو الزباء كما يحلو للمؤرخين السوريين تسميتها، حضرت بقوة  في دبي وتبعثرت حكايتها مترهلة في عرضها على يد أيقونة المسرح العربي الحية منصور الرحباني وأنجاله الذين نعتب علي عرضهم  بقدر ما كنا نتوقع منهم .

الجمل