دينيس روس: التفاوض مع سوريا سيغير معادلات المنطقة

الجمل:     نشرت صحيفة نيوريباليك الأمريكية الصادرة اليوم تحليلاً كتبه دينيس روس (مبعوث السلام الأمريكي السابق في الشرق الأوسط)، وقد حمل التحليل عنوان (التحدث إلى سوريا).
يقول دينيس روس بأنه كان يتحدث كثيراً مع كبار ضباط الجيش الإسرائيلي، حول الكيفية التي يمكن أن تتجاذب بها إسرائيل التهديدات الإقليمية، وكان دائماً يستمع إلى نفس الإجابة القائلة: (انتظر إلى حين ظهور نتائج وتوصيات لجنة فينوغراد)، ويقول دينيس روس: التقرير النهائي للجنة فينوغراد سوف يظهر لاحقاً، ولكن اللجنة أصدرت مؤخراً تقريراً مبدئياً مختصراً، أشارت فيه إلى أن القيادة السياسية والعسكرية الحالية في إسرائيل هي المسؤولة عن فشل حرب الجيش الإسرائيلي ضد حزب الله اللبناني وكل ما ترتب عليها من نتائج، ويقول دينيس روس بأنه على خلفية تقرير اللجنة المبدئي لم يعد بالإمكان التكهن بإمكانية استمرار رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت في منصبه.
يتساءل دينيس روس حول مصير حكومة أولمرت، وعن الكيفية التي سوف تسيطر بها على استجابة إسرائيل في التعامل مع التهديدات المعقدة المتشابكة التي بدأت تلوح في الأفق، وإلى أي مدى سوف تتحمل إسرائيل وتصبر على قيام حركة حماس بحشد الأسلحة والصواريخ ذات المدى الأطول في غزة؟ وهل سوف تكتفي إسرائيل بالاستمرار في المراقبة والرصد السلبي لحزب الله اللبناني وهو يقوم بإعادة إمداد وتطوير ترساناته الجديدة بما يشكل انتهاكاً واضحاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701؟ وعن الكيفية التي سوف تتعامل بها إسرائيل مع الإشارات والعلامات التي تفيد بأن سوريا تقوم بالاستعدادات تحسباً لصراع محتمل مع إسرائيل؟ وهل اقتربت اللحظة التي سوف تقرر فيها إسرائيل أن الجهود الدولية لإيقاف البرنامج النووي الإيراني هي جهود بطيئة لا تفي بالغرض اللازم، وبالتالي يتوجب على إسرائيل أن تتصرف اعتماداً على نفسها؟
يقول دينيس روس: لدي بعض الشكوك في أن الجيش الإسرائيلي قد تعلم الدروس التكتيكية واللوجستية الخاصة بحرب الصيف الماضي، وحتى إن تعلمها، فإن المشكلة الحقيقية تتمثل في الكيفية التي سوف يقوم بها هذا الجيش بتطبيق هذه الدروس لكي يخوض الحرب، أو لكي يتجنب ويتفادى القتال المحتمل.
المفارقة تتمثل في وجود نوعين من الدوافع المتناقضة بين ضباط الأمن الإسرائيلي الحاليين والسابقين: المجموعة الأولى تقول بأنه ليس بوسع إسرائيل أن تنتظر بينما تقوم حركة حماس وحزب الله اللبناني بمواصلة اكتساب المزيد من الوسائل العسكرية، والتي سوف تجعل الجولة الأخرى من المواجهة عالية الخسائر والتكلفة بالنسبة لإسرائيل. وعلى النقيض تقول المجموعة الثانية بأنه قد حان وقت التواصل مع سوريا.
- بالنسبة لرأي المجموعة الأولى، يقول دينيس روس: إن الدافع لهذا الرأي لا يتمثل فقط في الحاجة إلى تقليل الخسائر والتكاليف الباهظة التي يمكن أن توقعها حماس وحزب الله بإسرائيل، وإنما يتمثل أيضاً في إدراك أصحاب هذا الرأي لضرورة أن تستعيد إسرائيل مكانتها الرادعة التي اهتزت وضعفت كثيراً بعد حرب الصيف الماضي مع حزب الله اللبناني، وأن تثبت إسرائيل نفسها من خلال خوض صراع جديد ضد حماس أو ضد حزب الله أو ضد الاثنين معاً، وهو أمر سوف يكون له تأثير على مواقف سوريا بشكل قد يمتد إلى التأثير في مواقف إيران نفسها.
- بالنسبة لرأي المجموعة الثانية، يقول دينيس روس: إن الدافع  لهذا الرأي يتمثل في أن خوض جولة أخرى من المواجهة ضد حزب الله هو أمر غير مجد، ففي هذه المرة لا يمكن السماح لسوريا بإذكاء وتأجيج الصراع، والجلوس جانباً بلا حساب أو عقوبة.
ومن خلال معايرة الرأيين يقول دينيس روس بأنه استناداً إلى المسؤولين العسكريين الإسرائيليين الذين تحدث معهم، فإن إسرائيل من الممكن أن تدخل في حرب مع سوريا خلال العام القادم.
ويتساءل دينيس روس قائلاً: إذا كانت القيادة السورية ترغب في المحادثات، أفلا يتوجب على إسرائيل الدخول والانخراط مع سوريا في التفاهم، ورؤية ما إذا كان ممكناً تفادي وتجنّب الحرب؟
ويقول دينيس روس بأن البعض في إسرائيل يرى أن التفاهم مع سوريا يمكن أن يتضمن منافع ومزايا إضافية تتمثل في أن التفاهم والنقاش مع سوريا يمكن أيضاً أن تترتب عليه أموراً مفيدة، مثل إبعاد سوريا عن إيران، وفرض المزيد من القيود والضوابط على حزب الله وحركة حماس.
حتى الآن –برأي دينيس روس- لم تؤد الضغوط المطالبة بالتفاهم مع سوريا داخل المؤسسة العسكرية إلى حث أولمرت لكي يسقط معارضه لهذا التفاهم، ويرى دينيس روس بأن معارضة أولمرت سببها معارضة الإدارة الأمريكية برغم تأثيرها الكبير على أولمرت، فإنها لا تؤثر كثيراً على الإسرائيليين الذين يؤيدون التفاهم والحوار مع سوريا.
يتساءل دينيس روس قائلاً: إذا كانت سوريا لا تريد السلام وتستمر في دعمها لحماس وحزب الله، وكان رأي الإدارة الأمريكية حول سوريا صحيحاً، وكان رأي العسكريين الإسرائيليين المطالبين بالحرب صحيحاً، فما هي الخسارة التي سوف تحدث إذا تمت عملية التفاهم مع سوريا على النحو الذي يختبر مصداقية دعوات القيادة السورية الحالية من أجل إحلال السلام؟
يقول دينيس روس: إن على الإدارة الأمريكية أن تفهم وتدرك أن التفاهم والمحادثات مع سوريا، ليس معناها الاستسلام، فالمحادثات يمكن أن تكون وسيلة لبذل الجهود والضغط.
وفي الشرق الأوسط حالياً يرفض الإيرانيون وحزب الله وحماس الاعتراف بإسرائيل، وبضرورة عدم إقامة السلام مع إسرائيل، وعدم قبول حل إقامة الدولتين، واستناداً إلى هذه المعطيات يقول دينيس روس بأن سوريا حليف أساسي لهذه الأطراف، والتي تعتمد جميعها على سوريا، وبالتالي إذا تم التفاوض والتفاهم مع سوريا، فإن المعادلة سوف تتغير ويتغير معها كل شيء بالنسبة لهذه الأطراف.
ويضيف دينيس روس قائلاً بوجود سببين إضافيين من أجل إجراء المحادثات مع سوريا في هذا الوقت بالذات:
- السبب الأول: طالما أن كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية التقت مؤخراً مع وزير الخارجية السوري وليد المعلم، تحت مظلة المؤتمر الإقليمي حول العراق. فإنه من الصعب ومن غير الممكن أو المقبول أن تطالب الإدارة الأمريكية إسرائيل بعدم مقابلة السوريين والتفاهم معهم.
- السبب الثاني: بسبب تبعات وعواقب تقرير لجنة فينوغراد، فإن أولمرت أو من يأتي بعده، سوف يكونون أكثر حرصاً في ضرورة عدم التسرع والدخول بتهور في أي حرب قادمة، إلا إذا توافرت للقيادة الإسرائيلية الثقة الكاملة في قدرتهم على أن يثبوا للرأي العام ا لإسرائيلي أن الحرب لم يكن بالإمكان تجنبها وبأنه يتوجب دخولها من أجل تحقيق أهداف ضرورية حيوية ذات أهمية قصوى، بشكل لن تكلف الحرب معه إسرائيل إلا القليل من التكاليف المحتملة.. فهل تستطيع –كما يقول دينيس روس- أي قيادة إسرائيلية أن تقوم بذلك –أي شن الحرب- دون أن تتخذ الخطوات اللازمة وتمضي قدماً في العرض السوري بإجراء محادثات؟
وعموماً، يخلص دينيس روس إلى ضرورة أن تقوم إدارة بوش بالتفكير أكثر حول موقفها من المحادثات مع السوريين، ومن ثم فبدلاً من أن تقول إدارة بوش (لا) للإسرائيليين، فإنه يتوجب عليها أن تقوم بتنسيق الخطة مع الإسرائيليين، بما يتضمن تحديد الخطوط الحمراء التي يتوجب عدم تجاوزها.

الجمل: قسم الدراسات والترجمة