ديمة قندلفت في دون كيشوت !

01-11-2008

ديمة قندلفت في دون كيشوت !

الجل- أيهم ديب: تذهب لتحضر مسرحية دون كيشوت فتكتشف أن والدة ريم خطاب سيدة غاية في الجمال, قد لا تكون هذه هي الخلاصة التي يريد أن يخرج بها ناقد مسرحي أو صحفي يكتب في الثقافة و لكن لأن المتعة هي سمة أساسية من سمات العرض الذي تم تقديمه في المسرح الدائري للمعهد العالي للفنون المسرحية فإني لا أجد حرجاً في التعرض للمتع التي ترافق فعل الفرجة و تتحكم بمزاج الحضور : فوجود أمل عمران على بعد مقعدين منك هو متعة تمتد جذورها إلى طبيعة أمل الشخصية و إلى تاريخ مسرحي يجعلك تشعر كمن يجلس في مقصورة الملكة. في الجهة المقابلة جلست ديمة قندلفت بكل ما تمليه الأنوثة على سيدة بمثل شهرتها و فتنتها! و إن كان من الملفت التناقض الذي تفرضه عليك خياراتها فمقابل شعرها الموضب بعناية تشيخوفية تنقض عليك بقميص يمجد الفهود البنغالية و حلية تستصرخ الطبول الأفريقية , ترفع يدها إلى انفها فتميل الصالة. لا أدري متى سيضع مخرجو الدراما يدهم على جوهر هذه الفتاة و لكن حتى وقتها أتمنى ان تتحلى بحظ ابراهيم عليه السلام لتنجو بجلدها من محارق الأدوار النمطية.
في الصالة التي يصدف أني -رغم تاريخها- أدخلها لأول مرة يختلط علي الطول بالعرض و لكني أتموضع إلى جانب صديقي العدو طلال ديركي الذي كانت برفقته صبية هي التالية جميلة. يظهر قبالتي و على مستوى النظر مأمون الخطيب الذي يغمزني للبقاء بعد المسرحية , هل أستطيع أن أرفض؟ كلا , فالرجل يملك واحداً من أكثر الوجوه التي يمكن أن تقابلها قدرة على تحريك الوقت و إيقاف مد الأصولية الفنية.
يظهر الدون كيشوت و تدرك من أول لحظة انك أمام متعة سرية ستفتح ساقيها لمن يتحمل هذا الكم من الأداء الجيد و الحرفية التي تعكس غنىً في المرجعيات التي تؤسس لبناء هذا العمل المسرحي. فالدون كيشوت يرتدي زردية مصنوعة من شبك ثياب بائعات الهوى و ينتعل ( كينكي بوت) لا يمكنك أن تخطئه! إن هذه لمسة أسامة حلال و إن أخطأت فليصححني أحدكم فثمة ميل عند أسامة باتجاه العبث, باتجاه اللهو الداعر و الذي يمنح للعناصر روحاً حقيقية من خلال دفعها إلى أبعد حدود التعبير عن الذات , إلى تجاورات خطرة تكاد معها أن تنقلب الهوية , مما يعيد للعناصر صلابتها و بريقها. 
المتعة التي يحملها العرض تأتي من الغنى في التفاصيل التي تشكل نسيج العمل المسرحي,  ففي الوقت الذي يميل البعض في أعمالهم إلى تبني سياقات شديدة العمومية, يعمد منفذو عرض دون كيشوت إلى رسم أدق تفاصيله متجاوزين إملاءات الضرورة السردية باتجاه الاستمتاع برسم العمل و تركيبه فالترس ليس مجرد إشارة إلى الترس و الخوذة ليست مجرد إشارة إلى الخوذة و الحذاء ليس مجرد إشارة إلى الحذاء .. بل إن هذه العناصر السردية تتحول إلى موضوع بحد ذاتها فالترس مصنوع من غطاء طنجرة والخوذة مزينة بالملاعق , إن هذا يحول العناصر من مسميات /مجردات/ إلى موضوعات بحد ذاتها. و لا أقصد هنا الترميز و لكن أقصد الحس الباروكي في تصميم العمل و إنجازه بمواد و حلول استهلاكية تؤكد على البنية الساخرة للنص دون الوقوع في مغبة شرحها , و هذا ما تفتقده الكثير من الأعمال الفنية /في المسرح و غيره / و هو الاتساق و النظرة الكلية للعمل و عناصر بنائه. مقاربة أخرى يعمد عليها منجزو العمل و تؤسس لسلوك مسرحي يمكن وصفه بالصحي و هي فتح العمل على أشكال إبداعية مجاورة , فوجود فرقة موسيقية تبني اللحظة و تتفاعل معها  يشكل مع استضافة مؤدي الدوران المولوية لمسة محترفة تستثمر في أشكال الفرجة و تقاليدها و تسخرها في بناء عرض مشوق لا يتسرب إليه الملل. 
لا أجد حرجاً من ان يكون جل الحديث عن الشكل, و لكنه أتى على درجة من الدراية و الإتقان بحيث انعكس على حضور الممثلين فالممثل الذي يجد ما يفعله على المسرح ليس كمن يحاول ان يغطي نواقص المسرح. لهذا بدا الممثلون أليفين و حقيقيين و قدموا لغة و حركة مسرحية جميلة و طبيعية / دون الحاجة إلى شدها أو حقنها بالبوتكس. الشيء الملفت بالحديث عن الشكل هو الشعر الكثيف على ذراع كفاح الخوص هل هو ديكور أم طبيعي!!! 
التقيت بعد العرض بمأمون الخطيب حيث احتسينا القهوة و تبادلنا أطراف النميمة.

 

الدون كيشوت -لفرقة كون المسرحية .
إعداد و تأليف كفاح الخوص  . فكرة و إخراج أسامة حلال.
ضمن فعاليات دمشق عاصمة ثقافية2008   

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...