دمشق: الحكومة المستقيلة ترفع الأسعار .. والبرلمان الجديد يتوعّد بمواجهتها
خلق قرار حكومة تصريف الأعمال في سوريا برفع أسعار الطاقة بعض الإثارة في الهدنة القائمة عادة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وذلك لأن القرار «الذي لا مفر منه»، وفقا لمسؤولين سوريين، صدر عن الحكومة وهي في موقع تصريف الأعمال، ما اعتبره بعض أعضاء مجلس الشعب (البرلمان) الجديد «مخالفة للتشريع الدستوري».
وأصدرت حكومة وائل الحلقي قراراً، كان متوقعاً منذ بعض الوقت، بزيادة أسعار مواد الطاقة، ورفعت الأسعار الموجودة بنسب ملحوظة، ولا سيما لمادة البنزين من 160 ليرة لليتر الواحد إلى 225 ليرة. كما ارتفع سعر المازوت، الذي يشكل عصب الحياة الاقتصادية والخدمية في سوريا، من 135 إلى 160 ليرة، وسعر قارورة الغاز المستخدمة للتدفئة والطبخ من 1800 إلى 2500 ليرة سورية.
وصدر القرار، الذي أثار سخطاً، عن وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك جمال شاهين، باعتباره «تعديلا» على الأسعار الرائجة من دون تبريرات اقتصادية، وإن كان سبقه إليه بساعات وزير النفط والثروة المعدنية سليمان عباس، حين كشف أمس الأول، بأن الدولة تجري «دراسة لعقلنة وترشيد أسعار المشتقات النفطية من لجان مختصة عدة، ومنها لجنة رسم السياسات الاقتصادية، بما يتناسب مع المتغيرات التي طالت سعر الصرف وارتفاع أسعار النفط عالمياً، إضافة إلى ارتفاع تكاليف النقل والشحن للمشتقات النفطية، بسبب الظروف التي فرضتها الأزمة منذ خمس سنوات وحتى الآن، ما يتطلب تحريك الأسعار بما يتناسب مع الفوارق الكبيرة التي حدثت».
وأوضح العباس، من دون التباس، عجز الحكومة عن متابعة استمرار الدعم السابق بالظروف الحالية، مشيراً إلى الفوارق الكبيرة بين التكلفة الانتاجية والشرائية وسعر المبيع، حيث يصل دعم مادة المازوت إلى 92 ليرة سورية لليتر الواحد (يباع بـ135 ليرة وتكلفته نحو 227 ليرة)، والبنزين المدعوم بحوالى 73 ليرة (يباع حالياً بـ160 ليرة في حين أن تكلفته تبلغ 233 ليرة، أما مادة الغاز المنزلي فوصل الدعم فيها إلى 853 ليرة سورية، حيث تباع القارورة بـ1800 ليرة فيما تكلف نحو 2653 ليرة.
وأشار وزير النفط المكلف بتصريف الأعمال هو الآخر إلى أن «الدعم سيستمر، ولكن بهامش يتناسب مع ظروف الأزمة والإمكانات، بحيث يتراوح الدعم بين 10 و25 في المئة لمادتي المازوت والغاز، وبهامش دعم أقل لمادة البنزين»، مشيراً إلى أن التوجه هو أيضاً لمنع حصول «تهريب للدول المجاورة» التي لا زالت الأسعار فيها أعلى بكثير من سوريا.
وترافق الحديث عن ارتفاع الأسعار مع حديث عن إمكانية منح زيادات على الرواتب، يكون بمثابة «تعويض معاشي على راتب الموظف قدره 7500 ليرة، وهو ما يعادل 15 دولارا أميركيا تقريباً».
وبالطبع أثار صدور القرار موجة استياء عامة، لا سيما أنه سينعكس بشكل سلبي وسريع على أسعار كل السلع، بسبب ارتباط مواد الطاقة بكل العملية الإنتاجية والتجارية في البلاد.
إلا أن اللافت في موجة السخط، الحديث عن «الصلاحيات الدستورية» لحكومة تسيير الأعمال، وإن كانت تمتلك الحق بـ«تعديل أسعار السلع والخدمات»، وهو أمر دفع أعضاء في مجلس الشعب الجديد، مثل عارف الطويل، إلى التذكير بأن «الحكومة منتهية الصلاحية وبحكم المستقيلة» (وفقا للمادة 125 من الدستور)، وبالتالي فإن قرار رفع الأسعار «غير دستوري».
وأشار نواب إلى أنه وفقا للتشريعات، فإن الصلاحيات الإدارية لحكومة تصريف الأعمال «لا تسمح بتحديد أسعار السلع والخدمات التي تؤثر في الاقتصاد الوطني»، وهو ما ذهب إليه عضو مجلس الشعب نبيل صالح حين أعلن، على صفحته على شبكة التواصل الاجتماعي «فايسبوك»، أن «استقرار الأسعار جزء من الأمن الوطني، لأن ارتفاعها وتدني مستوى معيشة الناس سيدفع جزءا منهم إلى الجريمة والدعارة والغش والنصب والاحتيال لتأمين حياتهم، في مجتمع الغابة الذي يعيش فيه أولاد ونساء حكومة الأشرار الذين رفعوا الأسعار وزادوا في رغبة العض والافتراس.. لن ينجو أحد من العض». وأضاف: «الأحد موعد جلسة مجلس الشعب الجديد (الأولى فعلياً) وسيكون اختبارنا الأول أمام ناخبينا».
وردد صدى هذا الموعد عدد كبير من الأعضاء، الأمر الذي يوحي برغبة المجلس الجديد بمواجهة الحكومة المستقيلة أصلاً، لكن خبيراً قانونيا في المجلس السابق، فضل عدم ذكر اسمه، أكد، أن «قرار الحكومة قانوني ولا لبس فيه، ويعتبر من مهام تسيير أعمالها»، وهو ما كرره لاحقا نقيب المحامين السوريين نزار سكيف حين أوضح أن الطعن يجب أن يحصل «أمام المحكمة الدستورية العليا»، وهو ما دفع العديد من الناشطين على شبكات التواصل لإبداء شكوكهم من أن تكون «العملية ممسرحة»، سواء عبر إعطاء مجلس الشعب هذه «القدرة التعطيلية» مؤقتا للقرار، أو وفقا لما كتبه أمين عام «حزب التضامن» (معارضة داخلية) محمد أبو القاسم بأن «أول قرار سيكون للحكومة الجديدة هو تعويض شهري للموظفين بقدر 7500 ليرة سورية، إضافة إلى عيدية!»، وذلك بعد أن يترك قرار رفع الأسعار للحكومة المستقيلة.
والواضح أنه أياً تكن طرق إخراج هذا الارتفاع، سيكون من الصعب الارتداد عنه طويلاً، وذلك وفقا لما أوضحه وزير النفط سابقاً، ولما سبق وأعلنته حكومة وائل الحلقي منذ تشكلها في العام 2012، وبعد تعديلين على الأقل في مسيرتها، بأن ما يسمى سياسة «ترشيد أو عقلنة الدعم لا رجعة عنها»، لا سيما أن هذا الدعم كلف الدولة في العام 2015 ما يقارب 983 مليار ليرة سورية، وذلك وفقا لما نقلته «سانا» عن الحلقي سابقاً.
زياد حيدر
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد