دمشـق: إصـلاحـات أمنيـة فوريـة تمهّـد لقـوانيـن الأحـزاب والإعـلام
أقرت الحكومة السورية، أمس، رفع حالة الطوارئ السارية منذ اكثر من 40 عاماً على تطبيقها. وأرفقت القرار بإلغاء محكمة أمن الدولة العليا السيئة السمعة، كما رفعت مشروع مرسوم يشرع التظاهر السلمي ويحدد آلياته في البلاد، في محاولة لإخضاع هذه العملية للقانون بعد أن باتت تظاهرات يوم الجمعة مشهداً اعتيادياً.
وتزامن هذا الأمر مع عودة الحياة الطبيعية إلى وسط مدينة حمص، الذي حاول محتجون تحويله إلى ساحة اعتصام. وذكرت مصادر رسمية أن عقيداً في الجيش قتل أمس في المدينة، كما هوجمت مخافر للشرطة ليل الاثنين الثلاثاء.
وصادقت الحكومة الجديدة في جلستها الأولى بعد تشكيلها برئاسة عادل سفر على مشروع مرسوم تشريعي يقضي بإنهاء حالة الطوارئ في جميع أنحاء سوريا المعلنة منذ العام 1963.
كما أقرت الحكومة مشروع مرسوم تشريعي يقضي بإلغاء محكمة امن الدولة العليا المحدثة بالمرسوم التشريعي رقم 47 لعام 1968 وتعديلاته، وإحالة الدعاوى المنظورة أمامها إلى مرجعها القضائي المختص، إضافة إلى إقرار مشروع مرسوم تشريعي يقضي بتنظيم حق التظاهر السلمي للمواطنين بوصفه حقاً من حقوق الإنسان الأساسية التي كفلها الدستور السوري وفق نواظم إجرائية تقتضي حصول من يرغب في تنظيم تظاهرة على موافقة وزارة الداخلية للترخيص بتنظيمها.
وجاء في هذا السياق، إعلان وزارة الداخلية بـ«منع الاعتصام» أمس وفق ما نقلت مصادر رسمية، والتي أشارت إلى ضرورة «الامتناع عن القيام بأي مسيرات أو اعتصامات أو تظاهرات «تحت أي عنوان كان»، مؤكدة أنها ستطبق «القوانين المرعية» من أجل استقرار البلاد.
وقالت الوزارة، في بيان، إنها «تدعو المواطنين السوريين في الظروف الراهنة إلى الامتناع عن القيام بأيّ مسيرات أو اعتصامات أو تظاهرات تحت أي عنوان كان». وأضافت أنها تطلب ذلك من أجل «المساهمة الفاعلة في إرساء الاستقرار والأمن، ومساعدة السلطات المختصة في مهامها على تحقيق ذلك»، مؤكدة أن «القوانين المرعية في سوريا ستطبق خدمة لأمن المواطنين واستقرار الوطن».
من جهتها، ذكرت وكالة (سانا) أن هذه الحزمة تأتي «من مشروعات المراسيم الاستراتيجية في إطار برنامج الإصلاح السياسي، بما يعزز عملية البناء الديموقراطي وتوسيع مشاركة المواطنين وترسيخ الوحدة الوطنية وضمان أمن الوطن والمواطنين ومواجهة التحديات المختلفة». وأضافت أن مجلس الوزراء طلب «من الوزارات المعنية الإسراع بإعداد مشروع قانون الأحزاب ومشروع قانون الإعلام والإدارة المحلية وعرضها على المجلس للمناقشة في أقرب وقت ممكن». ومن المنتظر أن تعرض المشاريع التي تمت الموافقة عليها على مجلس الشعب لإقرارها في جلسة يعقدها مطلع أيار المقبل.
وأشارت إلى انه وبهدف توفير فرص عمل جديدة للمواطنين «وافق مجلس الوزراء على إلغاء شرط الترشيح المحدد بـ 60 في المئة من معدل التخرج من شروط الترشيح للتعيين لدى الجهات العامة»، وهو الأمر الذي يسمح بزيادة الأعداد الممكن استيعابها في مؤسسات الدولة.
ميدانياً، قالت مصادر مسؤولة إن «مجموعة مسلحة» قامت بالاعتداء «على العقيد الركن محمد عبدو خضور وإصابته في الرأس والصدر وهو متوجه إلى عمله»، مشيرة إلى أنه تم التمثيل بوجهه أيضاً. وذكرت أن سائق باص صغير في قوى الأمن تعرض لطلق ناري «ما أدى إلى استشهاده أيضاً».
وأشارت إلى أنه تمّ الاعتداء على «قسمي الشرطة في منطقتي الحميدية والبياضة في حمص، ما أدى إلى إصابة 6 من عناصر الشرطة بجروح ومقتل 2 من عناصر المجموعة المسلحة وإصابة 5 آخرين». ونقلت عن «قائد شرطة حمص العميد حميد أسعد مرعي أن عناصر المجموعات الإجرامية المسلحة حاولوا إحراق قسم شرطة البياضة بعد محاصرته، وقاموا بإطلاق النار على عناصره وأصابوا عدداً منهم».
من جهته قال مدير المستشفى الوطني في حمص الدكتور غسان طنوس، في تصريح لـ«سانا»، إنه «أسعف 6 من عناصر قوى الأمن الداخلي تعرضوا لإصابات متنوعة بإطلاق النار والاعتداء الجسدي بأدوات حادة وعصي أثناء مناوبتهم في قسمي البياضة والحميدية». وأضاف أن «الجرحى أكدوا أن حوالى 50 مسلحاً هاجموا نحو الساعة الثالثة فجراً قسم شرطة البياضة، وأطلقوا النار على عناصر الحراسة واعتدوا بالضرب بالعصي والأدوات الحادة على أحدهم موضحين أن المشهد ذاته تكرر في قسم الحميدية».
على صعيد آخر، تتواصل اللقاءات بين فعاليات شعبية من مناطق مختلفة من البلاد، ولا سيما في بانياس، وبين مسؤولين محليين بهدف الحد من تفاقم الأوضاع، وفق ما قالت مصادر.
وكررت واشنطن مطالبتها السلطات السورية بوقف استخدام العنف ضد المتظاهرين. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية مارك تونر إن «العنف هناك لا يزال يثير قلقاً عميقاً، ومن الواضح أن على الحكومة أن تقرّ بشكل عاجل مزيداً من الإصلاحات وان تتوقف عن استخدام العنف ضد المتظاهرين السلميين». وأضاف «لقد سمعنا الكثير من الكلام ورأينا القليل من الأفعال».
وفي لندن، أشاد وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ برفع حالة الطوارئ، لكنه اعتبر أنه»جزء أولي في رزمة أوسع من الإصلاحات الضرورية».
ونقلت وكالات (ا ف ب، ا ب، رويترز) عن نشطاء قولهم إن تظاهرة مؤيدة للديموقراطية اندلعت في بانياس بعدما وافقت الحكومة على مشاريع قوانين لرفع حالة الطوارئ. وهتف مئات المتظاهرين «لا اخوانية (إخوان مسلمين) ولا سلفية.. الشعب يريد حرية».
وذكرت «فرانس برس» إنه تمّ توزيع بيان موقع باسم «أهالي بانياس» رداً على بيان وزارة الداخلية الذي اعتبر «أن مجريات الأحداث الأخيرة كشفت أن ما شهدته أكثر من محافظة سورية إنما هو تمرد مسلح تقوم به مجموعات مسلحة لتنظيمات سلفية ولا سيما في مدينتي حمص وبانياس».
وجاء في البيان «خرجنا إلى الشارع في مدينتنا وبقية أنحاء سوريا مطالبين بدولة مدنية عصرية يسود فيها العدل والكرامة لأبنائها بكل طوائفهم وتياراتهم السياسية وقد شارك في هذه التظاهرات أبناء كل الطوائف سعياً لتحقيق مطالبنا المشروعة». وأضاف «ظن البعض بالبرنامج الإصلاحي والحكومة الجديدة ظناً حسناً، وإذ بنا نرى طريقة التفكير ذاتها فنرى تمهيداً لقانون سيحلّ محل قانون الطوارئ هو قانون الإرهاب وقد جهزت التهم سلفاً قبل صدور القانون».
كما خرجت تظاهرة في درعا «تطالب بالحرية». وكان نشطاء أعلنوا أن القوات الأمنية أطلقت النار على المحتجين في حمص فجر أمس. وقال الناشط الحقوقي نوار العمر إن «أربعة أشخاص على الأقل قتلوا عندما فرق رجال الأمن اعتصاماً في حمص».
زياد حيدر
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد