حوت (المولات) القادم هل يلتهم الأسواق التقليدية؟
لا نذيع سراً إذا قلنا إن هناك تخوفاً مزدوجاً بين أصحاب المحلات التقليدية من جهة وأصحاب الدخل المحدود من جهة ثانية من ظاهرة سرعة انتشار المولات بسرعة البرق..
فهل لمثل هذا القلق مايبرره أم أن الأمور ستكون هادئة جداً ولمصلحة الجميع؟؟
وهل المولات التجارية، ذات الرفاهية العالية، هدفها جيوب الناس.. أم القيام بدور اقتصادي تحتاجه الحياة المعاصرة؟.. وهل ستشكل بديلاً عن الأسواق التقليدية المتنوعة والمتخصصة وتلغيها لنترحم على تلك الأيام الجميلة معها والمليئة بذكريات الماضي كأسواق الحميدية والبزورية والنحاسين والخياطين والمنسوجات والصاغة.
في البدء.. نشير إلى أنه لا توجد إحصائيات رسمية حتى الآن عن عدد المولات، لكن التقديرات غير الرسمية تؤكد أنها تتجاوز 120 مولاً تجارياً ومعظمها قيد الترخيص وتم استثمار ما يقارب 30 مليار ليرة سورية في بنائها بالمرحلة الأولى لتشمل جميع المحافظات.
ويجري الإعداد حالياً لتنفيذ مولات أخرى أكثر ضخامة ابتداء من دمشق ولاسيما في المالكي والمزة وطريق صحنايا، إضافة إلى مشروع الموفنبيك في منطقة كفرسوسة الذي استقطبت أضخم المولات، ووصولاً إلى باقي المحافظات، فهناك (شهبا مول) في حلب، وهناك (ترانس مول) في حمص، إضافة إلى (مول جبلة) الذي احدث مؤخراً، ومولات كثيرة جداً قيد الترخيص والإنشاء في كل المناطق دون استثناء.
- وقبل أن نتطرق إلى سلبيات تجربة المولات نتوقف عند حسناتها المعروفة وأبرزها إمكانية التسوق من مكان واحد، وتغطية كافة احتياجات الأسرة دون الحاجة للذهاب لأكثر من سوق والاستفادة من العروض التجارية بها، وقد أصبح هذا النمط من الاستهلاك جزءاً من حياة العالم بأكمله، وليس سورية وحدها.
ومن الناحية الاقتصادية فهي تجمع اقتصادي مهم يعرف المستهلك بكل المنتجات وبخيارات واسعة وهي مفيدة للسيدة العاملة التي لا تجد في كثير من الأحيان الوقت الكافي للتبضع فتخصص يوماً بالأسبوع للتوجه لأحد المولات والحصول على احتياجاتها مع إمكانية ترفيه الأطفال في أماكن اللعب المخصصة فيها.
كما نجحت في تطبيق أهم مبدأ في علم التسويق وهو «كيف تغري الناس على الشراء»، ولكن تبقى في النهاية قابلية المستهلك والعامل النفسي مهمة جداً في عملية الشراء، ويتطلب ذلك الوعي ومقاومة المغريات التي تحفزه على شراء ما ليس بحاجة إليه.
وعموماً.. فهي ظاهرة إيجابية على غرار دول العالم، وتعطي شفافية في الأسواق سواء بطريقة العرض أم النظافة والنظام أم الالتزام بالسعر المحدد دون الوقوع في احتمالات المبالغة به إضافة لإعطاء الفاتورة وعوامل الأمان والتسلية والمتعة.
وبالمقابل.. أفرزت المولات سلبيات تتعلق بعقلية الناس والثقافة الخاطئة لدى البعض إذ تحولت بعضها إلى أماكن يقصدها الناس للتسلية والتمتع وليس بهدف التسوق، الذي غاب عنها وظل يعتمد على الأسواق التقليدية لأن الأسعار في المولات تكون غالبا مرتفعة أكثر من المحال العادية لأن بدلات الاستثمار والأرباح تخرج من «رقبة المواطن».
ولا تزال قناعة الناس بالأسواق التقليدية أكثر لأن سعر القطعة ذاتها في المول يكون أكثر عادة، إضافة إلى أن نظام بيع المول لا يسمح بتخفيض سعر القطعة أما في المحل العادي فقد تعود الناس على المساومة بالشراء.
ومع ذلك المشكلة ليست في فكرة المولات وأسلوبها بل بأسلوب تنفيذها على الأرض بتكاليف مرتفعة لا منخفضة من جهة وثقافة المجتمع بعدما أصبحت متسكعا لبعض الصبايا والشباب بشكل أسبوعي أو حتى يومي وربما على حساب الدراسة أو العمل والخشية من التحول من مجتمع منتج إلى مستهلك يفهم الحضارة من قشورها لا من جوهرها.
كما أن أهم الشروط وهو ترك مساحات خضراء بجانب المول، نجده غير محقق في بعض المولات التي تم إنشاؤها سابقاً، إضافة لما يمكن أن تحدثه من خلل ضمن المدينة، وتكون آثارها سلبية على المنطقة السكنية مثل مولات تنظيم كفرسوسة، التي أثرت على الأبنية السكنية المجاورة من حيث حركة السيارات والازدحام، لأن الناس تريد الهدوء وليس الزحمة.
- وتؤكد مديرية حماية المستهلك أن ظاهرة المولات ظاهرة ايجابية إضافة إلى وجود أشكال أخرى من التسوق بدأت تظهر بأسماء (سمول مول) أو (ميني ماركت) وغيرها وأصبحت تنافس المحال التقليدية، وللمستهلك المجال الواسع كي لا يذهب إلى مول واحد أو محل واحد أو سوق واحد يمكنه أن يتنور بأغلب الأسواق وسيجد ضالته، علما أن السعر المسجل على السلعة قد لا يكون هو السعر النهائي لها أو التمويني كما يعتقد بعض الناس، فهناك سعر لبائع الجملة وسعر لبائع المفرق وسعر للمنتج وقد تكون نسب الأرباح غير صحيحة لكن السلع محررة ولهذا يمكن المفاصلة والمقارنة وصولاً إلى أفضل الخيارات التي تناسبه.
وبدوره يؤكد مدير الاقتصاد والتجارة بريف دمشق يوسف سرور أن قوانين الرقابة على الأسواق لا تميز بين المولات وغيرها لأن الرقابة تطال كل الفعاليات التجارية، لكن ما نلاحظه في المولات المنتشرة في المحافظة منذ عدة سنوات أنها نظامية ونادراً لا نجد بها مخالفة، فالسلع أغلبها محررة والمهم هو الإعلان عن التسعيرة والتداول للفاتورة بين حلقات الوساطة التجارية وصولاً إلى المستهلك.
أما السلع والمواد الغذائية الأساسية غير المحررة من خضار وفواكه ولحوم فهي تخضع للتسعيرة التي تصدرها المديرية دورياً وملزمة جميع الفعاليات التجارية بها بما فيها المولات.
وأشار سرور إلى توافر جميع السلع في المولات وهو ما يغري المواطنين على الشراء أكثر، غير أن ارتفاع أسعار بعض المواد يعود إلى التكلفة أكثر من خلال التعبئة والتغليف والنوعية واسم الماركة وهي تناسب الشرائح الميسورة أكثر لأنها أصلاً تتموضع بأطراف المدينة ولم تنتشر بعد في جميع المدن والبلدات والقرى.
ومن جانب آخر، فإن اتباع أساليب التسوق الحديثة وحسن إدارة المولات من خلال وجود الترميز لكل سلعة ونظام محاسبة دقيق ونظام مستودعات متطور كل ذلك يؤدي إلى غياب الأخطاء والجدية وعدم الإهمال في العمل طالما لكل قسم شخص مسؤول عنه.. وبالتالي لا يمكن العثور على مواد منتهية الصلاحية لأن جميع السلع التي تقترب فترة انتهاء صلاحيتها تعرض عليها تنزيلات مشجعة وقبل فترة كافية.
- وإذا كان المتوقع هو أن تشهد السنوات القليلة القادمة ازدياداً وتنوعاً بعدد المولات سيشمل أغلبية المحافظات والمناطق والأرياف حيث يرغب عشرات المستثمرين العرب والأجانب للدخول الى هذا القطاع المهم.
وإذا كانت الأسعار المتداولة بالمولات حالياً مرتفعة ولا تتوافق مع الدخول في سورية وتخسر حاليا شرائح عديدة يمكن أن تستقطبها بحال توافر مواد وسلع فيها بأسعار مقبولة وموحدة.
فإن المنطق يقول إن الأسعار في المولات العالمية أقل بكثير من مثيلاتها في المحال التجارية العادية، نتيجة عرض كميات ضخمة من السلع والمنتجات، لأنها تستجر بنفسها كل ما تحتاجه من المعامل والمنشآت الصناعية المحلية والخارجية مباشرة، أي دون حلقات وسيطية الممثلة بتاجر الجملة ونصف الجملة والمفرق وصاحب المتجر، وكل هذه الحلقات التي تتقاضى نسباً بعينها من الأرباح لا مكان لها في المولات ولهذا نجده الأرخص في أغلب دول العالم.
أما عندنا فلا يزال الاستثمار مرتفعاً والحلقات الوسيطية نفسها إنما بشكل آخر ومع مرور الوقت وزيادة التنافس وظهور شركات عملاقة ولها خبرة فإن الأسعار ستصبح في متناول الجميع لكن ذلك سيتم حتماً على حساب الأسواق التقليدية وهذا له انعكاساته على ثقافة المجتمع وعلى السياحة مستقبلاً لكنها ضريبة الحياة المعاصرة التي لا مفر منها.
قاسم البريدي
المصدر: الثورة
إضافة تعليق جديد