حكومة "ثورة الأرز" هيأت لبنان لمواجهة طائفية مفتوحة
وصل وزير الداخلية اللبناني أحمد فتفت إلى واشنطن يوم 20 يونيو الحالي، ضمن أول زيارة رسمية له بعد تقلده الحقيبة الوزارية، وجاءت زيارته بعد حوالي شهر، من المصادقة والتصريح لمنظمة إسلامية سنية راديكالية بحق العمل في لبنان، بعد بضعة أسابيع فقط، من قيام ألاف الشيعة، من مؤيدي حزب الله بمظاهرة غاضبة في بيروت، احتجاجاًُ على بث محطة تلفزيون الـ ( إل بي سي) برنامج درامي كوميدي يسخر من زعيم حزب الله السيد حسن نصر الله.
ألقت هذه التطورات مزيد من الضوء على التوترات المتنامية بين السنة والشيعة في لبنان. على أساس أن هذه الديناميكيات المنفلتة وغير المكبوحة، من الممكن أن تؤدي إلى استئناف نمط الصراع والنزاع الذي ابتلى بويلاته لبنان طويلاً، إضافة على أنه سوف "يهدد مكاسب ثورة الأرز".
نجم فتفت
الوزير أحمد فتفت، مسلم سني، وعضو في تكتل المستقبل، الذي يتزعمه سعد الحريري، ويعتبر مزدوج الانتماء الوطني، لأنه يحمل الجنسيتين اللبنانية والبلجيكية. وقد سبق أن تم انتخابه لمجلس النواب اللبناني في عام 2000، نائباً عن المنطقة الشمالية، (عكار، بشري، والضنية ). حاصداً النسبة الأكبر من أصوات الدائرة الشمالية. وفي عام 2005م، عين فتفت وزيراً للشباب والرياضة في حكومة فؤاد السنيورة.
في شباط الماضي، وافق حسن السبع وزير الداخلية على خروج المظاهرات الاحتجاجية على نشر الرسوم الكاريكاتيرية الدنماركية المسيئة للمسلمين. وشارك في المظاهرات جند الإسلام، فلسطينيو مخيم عين الحلوة، وحزب التحرير، وكان هناك توقعاً بوقوع المزيد من أعمال العنف، ومع هذا ، فقد أشار حسن السبع قائلاً: "على أية حال، فقد أدت التظاهرات الصاخبة إلى إحراق مبنى القنصلية الدنماركية وإلحاق بعض الأضرار بالكنيسة المسيحية المجاورة لها بمنطقة الأشرفية". وأدى الأمر في نهاية المطاف إلى استقالة حسن السبع، من منصبه. وبرغم عدم مراعاة رئيس الوزراء اللبناني للأصول الرسمية في قبول الاستقالة، فقد قام سراعاً بتعيين أحمد فتفت وزيراً للداخلية.
القرار الأكثر أهمية، الذي أصدره، الوزير أ فتفت، جاء في أيار المنصرم كان السماح بتشكيل حزباً سياسياً رسمياً، لجماعة حزب التحرير، والذي يمثل منظمة إسلامية سنية تعمل من أجل إقامة نظام الخلافة الإسلامية، وفي نفس الوقت، فإن وزارة الخارجية الأمريكية لم تقم بإدراج حزب التحرير، كتنظيم إرهابي أجنبي، علماً بأن هدف المنظمة وغايتها الأساسية هي : قيادة الأمة الإسلامية في الجهاد ضد الكفار، وذلك ضمن نظم و أفكار، تسعى لجعل الإسلام يعم العالم.
التطرف الراديكالي السني
إن منح الموافقة القانونية لحزب التحرير، تمثل جزءاً من النزوع باتجاه التطرف الراديكالي الإسلامي السني الذي أصبح متزايداً في لبنان، فجماعة حزب التحرير تناصر وتتبنى منظور العالم الموحد تحت قيادة سياسية موحدة واحدة هي الخليفة. والجدير بالذكر أنه حتى لحظة تفكك وانهيار الإمبراطورية العثمانية، فقد كان حكامها يحملون تسمية الخليفة، برغم أن، هذه التسمية أصبحت رمزية الطابع، خلال المراحل الأخيرة للإمبراطورية العثمانية.
يعتقد حزب التحرير بصحة الفكر الوهابي، ويتبنى بقدر كبير الموضوعات المناهضة والمعارضة للشيعة (وهو أمر غير مدهش من الناحية التاريخية، لأن السلفيين عادة لا يعترفون بالشيعة ) .
حزب التحرير حظر تقريباً في غالبية دول الشرق الأوسط، وهو موجود حالياً في المنطقة كتنظيم سري تتكون هياكله من خلايا متصلة، جراء عمليات السجن والاعتقال في المنطقة.
الترخيص لحزب التحرير بالعمل في لبنان، يمثل تطوراً ملحوظاً، برغم أنه لم يكن مفاجئاًَ، أو مثيراً للدهشة والاستغراب. وبالفعل، استناداً إلى صحيفة النهار اليومية اللبنانية، فقد كان تنظيم حزب التحرير، يضغط على الزعماء السياسيين، ومسؤولي الحكومة، لفترة من الوقت، على خلفية الطلب الذي تقدم به في آب للحصول على الوضع القانوني لممارسة نشاطه. هذا، وفي يوم 11 أيار 2006م ، أصدر وزير الداخلية، أحمد فتفت قراراً بالتصريح لإحدى عشر حزباً بالعمل كتنظيمات سياسية شرعية، من بينها حزب السلام اللبناني، حزب الطبيعة، حزب الإصلاح، وحزب التحرير . و رداً على الاستفسارات المتعلقة بطبيعة هذا التوجه، أصدر مكتب فتفت بياناً صحفياً، قال فيه: "من غير الممكن للحرية والديمقراطية، أن تكون مجزأة أو خاضعة لأحد.. "
وفي مؤتمر صحفي، تم عقده في 19 أيار، حضره ممثلي حزب الله، والجمعية الإسلامية، طالب المتحدث الرسمي لحزب التحرير بالاقتداء بالعدالة الإسلامية في لبنان، وتوحيد كل المجتمع ضمن نظام الخلافة.
ثمة علامة مزعجة أخرى لمكاسب السنة الإسلاميين في لبنان، أشارت إليها مؤخراً صحيفة الواشنطن بوست، تفيد بظهور القاعدة في شمال لبنان، وذلك ضمن توجه كان قد بدأ خلال وجود القوات السورية في لبنان، ولكنه أصبح قوياً وبارزاً بعد خروج السوريين، كذلك كان من العوامل التي دفعت إلى اكتساب هذا التوجه المزيد من الزخم، عملية الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003م.
استعراض عضلات
اهتزت بيروت في 2 يونيو، بالمظاهرات التي قام بها أنصار حزب الله، شجباً ورفضاً لقيام محطة تلفزيون (إل بي سي ) لمادة درامية هزلية قصيرة،(بسمات وطن) تستهزئ بموقف المليشيا الشيعية من عملية نزع السلاح، ولمحت إلى أن حزب الله سوف يتعلل بشتى الأسباب كي يتجنب التخلي عن أسلحته.
وقد تدفق مؤيدو حزب الله إلى شوارع بيروت، وأحرقوا الإطارات وأغلقوا طريق المطار. وبرغم اعتذار مقدم البرنامج، إلا أن المظاهرات لم تتوقف، حتى قام السيد حسن نصر الله نفسه بالظهور على شاشات شبكة محطة تلفزيون المنار، وناشد الجميع بالهدوء.
في الأسبوع الماضي، أكمل الزعماء السياسيون اللبنانيون، جولة الحوار والتفاهم الوطني الثامنة بجلسة ركزت خصيصاً على مسألة الدفاع عن لبنان. هذا، وإضافة للنقاش حول "ميثاق الشرف" – هناك وثيقة تركز على تطوير وترقية الـ (اللباقة والأدب) والخطاب، على خلفية البرنامج المسيء الذي بثته محطة الـ (إل بي سي)، والذي كان مستفزاً لمشاعر الشيعة في لبنان، فقد تشاور المجتمعين حول" إستراتيجية الدفاع الوطني"، وذلك باعتبارها تمثل الصيغة المخففة الملطفة للتعامل مع عملية نزع أسلحة حزب الله.
وقد تم إحراز تقدماً طفيفاً حول المسألة، ويعود ذلك بالدرجة الأولى "لعدم استعجال"حزب الله في نزع أسلحته. إذ ليست الأسلحة هي التي تقوم بدعم مصداقية وموثوقية "مقاومة" الحزب، فالحزب الشيعي على الأرجح ينظر أيضاً لأسلحته باعتبارها عاملاً ضرورياً من أجل الأمن والسلام والأمان.
هناك مبرر لحزب الله في سعيه ورغبته تخفيف الأمن والأمان، هذا، وعلى سبيل المثال: في إجماع لجنة الحوار والتفاهم الوطني التي انعقد آذار الماضي، توصل المؤتمرون، بالإجماع إلى نزع السلاح الفلسطيني خارج مخيمات اللاجئين. وقد وافق السنة الفلسطينون تحت الضغط على نقل وتحريك أسلحتهم إلى داخل المعسكرات، والحفاظ على قدراتهم العسكرية. أما بالنسبة للشيعة، فإن "التمركز" الذي برز بقوة للقاعدة في لبنان، قد أصبح يفرض مصدراً ثانياً خطيراً يتطلب المزيد من الاهتمام.
في تلك الأثناء أصدر أبو مصعب الزرقاوي "قبل موته"، بياناً يطالب فيه" بنزع وتجريد حزب الله من السلاح"، وواصفاً حزب الله باعتباره تنظيماً يمثل" درعاً واقياً للعدو الصهيوني من ضربات وهجمات المجاهدين في لبنان". ومعروف أن الزرقاوي كسائر عناصر تنظيم القاعدة ينفر من الشيعة .
والجدير بالذكر أن السيد حسن نصر الله قد اعترف بخطر "ظاهرة الزرقاوي" خلال مقابلات أجريت معه في شباط وأيار 2006م. كما أن ظهور عناصر قوات القاعدة، المناوئة للشيعة، سوف يؤدي فقط إلى المزيد من تصلب حزب الله والامتناع عن تجريد سلاحه، والتي ما يزال يرى الحزب ضرورة بقاءها واستمرار وجودها للدفاع عن المجتمع الشيعي.
الاستنتاج
تقرير الأمم المتحدة، الصادرة في 19 أبريل 2006م، حول التقدم الذي تم إحرازه في تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1559، أثنى على الخطوات اللبنانية الأولى والتي بدأت بأسلحة الفلسطينيين كـ (خطوة أولى). باتجاه نزع كامل للسلاح ،و ألح على أن "حمل السلاح خارج القوات المسلحة الرسمية" ـ في إشارة الى حزب الله ـ من المستحيل أن يتوافق مع المشاركة في السلطة والحكومة في ظل الديمقراطية، وبالنظر إلى التطورات اللاحقة مؤخراً في لبنان، إضافة إلى غياب الإجماع ضمن الحوار والتفاهم الوطني، فإن عملية التقويم التالية لوضع القرار 1559، والتي سوف تحدث في تشرين أول القادم، على الأرجح، سوف لن تصل على ما يبدو إلى نتائج جديدة.
إن قرار حزب الله المتعلق بعملية تجريد السلاح، سوف لن يكون مبيناً فقط على عملية "المقاومة" و "وضع" مزارع شبعا، بل سوف يكون مبنياً أيضاً على البيئة السياسية اللبنانية نفسها. هذا، وبوجود حزب التحرير الذي وافقت الحكومة عليه رسمياًَ، وبقيام القاعدة بتأسيس وترسيخ فعاليات العمل في شمالي لبنان، وباحتفاظ الفلسطينيين بقدراتهم العسكرية، فإن التوقعات الرامية إلى القيام بنزع وتجريد أسلحة حزب الله تصبح ضئيلة الاحتمال، هذا، وما هو أكثر إثارة للمخاوف، يتمثل في تقارب هذه التطورات بشكل يشير بوضوح إلى الاحتمالات الممكنة لحدوث توتر ونزاع سني – شيعي مفتوح، ومن ثم نجد أن احتمالات حدوث ذلك في دولة مثل لبنان، ذات التاريخ الدامي والغني بالصراعات الأثنية والدينية والعقائدية، لا بد أن يكون موضعاً للاهتمام الشديد.. اليوم قبل الغد.
ديفيد شينكا
معهد الشرق الأدنى ـ واشنطن
إضافة تعليق جديد