حـمـاس وفـتــح توقـعـان على الـورقـة المصـريـة
حققت المصالحة الفلسطينية يوم أمس الأول، اختراقاً حقيقياً بإعلان حركتي «حماس» و«فتح» في القاهرة عن التوقيع بالأحرف الأولى على الورقة المصرية. ورغم الحديث عن أن الاتفاق كان محصلة لمحادثات مطولة بين الطرفين جرت في مناطق مختلفة، إلا أنه كان مفاجئاً للكثيرين. فقد تم الإعلان عنه في ظل تبادل الاتهامات والحملات بين الحركتين ومن دون تهيئة إعلامية مسبقة وبعيدا عن كل الفصائل الفلسطينية الأخرى.
وقد صدر أول رد فعل على الاتفاق من جانب إسرائيل. إذ أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أنه لا يمكن لقيادة السلطة الفلسطينية في رام الله أن تبرم سلاماً مع كل من «حماس» وإسرائيل على حد سواء. وبرر ذلك بأن «حماس تطمح لتدمير دولة إسرائيل وتقول ذلك علنا. وهي تطلق الصواريخ على مدننا، كما تطلق صواريخ مضادة للدروع على أطفالنا، لذلك أعتقد أن مجرد فكرة المصالحة تظهر ضعف السلطة الفلسطينية، وتثير تساؤلات حول ما إذا كانت حماس ستسيطر على يهودا والسامرة كما سيطرت على قطاع غزة». وأضاف «إنني آمل أن تختار السلطة الفلسطينية الصواب، أن تختار السلام مع إسرائيل، والخيار بيدها». وطلب نتنياهو من الوزراء ونوابهم عدم الإدلاء بدلوهم في هذا الشأن.
وشددت مصادر إسرائيلية على أن كل اتفاق فلسطيني يعتبر إشكالياً من وجهة نظرها وأن ما يجري في المنطقة قد «يدفع السلطة الفلسطينية إلى الراديكالية». وأضافت هذه المصادر أن الحوارات بين «حماس» و«فتح» كانت قائمة على الدوام لكن «السلطة تطلق هنا رسالة يمكن أن تكون إشكالية لإسرائيل وتهدف للتأكيد أنه من دون عملية سياسية، يمتلك الفلسطينيون خيارات أخرى ليست بالضرورة لمصلحة إسرائيل».
ومع ذلك فإن أحد أهم المواقف الحاسمة في هذا الشأن هو الموقف الأميركي واحتمالات تأثره بالموقف الإسرائيلي وكذلك موقف الاتحاد الأوروبي الذي يعتبر المانح الأكبر للسلطة الفلسطينية.
وقد أكدت فصائل فلسطينية مختلفة أنها لم تكن في صورة التطورات وأنها لم تطلع لا من «فتح» ولا من «حماس» على ما يجري بينهما. غير أن أوساطاً فلسطينية مستقلة كانت قد أفادت قبل ثلاثة أيام على أن اتفاقاً فلسطينياً سيعلن في القاهرة يوم الأربعاء. ولكن تاريخ التفاؤل الفلسطيني، خصوصاً من جانب المستقلين، بإمكانية التوصل لاتفاق حال دون التعامل مع هذه المعلومة بجدية.
ومع ذلك لا ينتظر من الفصائل الفلسطينية أن تتحفظ على المصالحة فقط لأنها لم تكن في سر ما يجري. وعبّر مسؤول كبير في حركة «الجهاد الإسلامي» في فلسطين عن فرحه لهذه المفاجأة الطيبة بأن تتصالح «حماس» و«فتح» من دون أن تشاورا أحداً، بعدما تحاربتا وسالت دماء من دون أن تشاورا أحداً. وشدد هذا المسؤول على أن الفصائل الفلسطينية جميعها كانت تدعو «حماس» و«فتح» للمصالحة، ولذلك، ورغم التحفظات هنا وهناك، فإنها لن تقف عقبة أمام المصالحة.
وفي كل حال فإن إعلان الاتفاق على الورقة المصرية بعد أعوام من الصراع بين الطرفين حول مضامينها يفتح الباب أمام تحليلات حول مغزى الموعد. فقبل أسابيع قليلة تصاعدت الآمال بإمكانية تحقيق المصالحة بعد تجاوب الرئيس الفلسطيني محمود عباس مع دعوة رئيس الحكومة المقالة في غزة إسماعيل هنية لزيارة القطاع. ولكن هذه الآمال سرعان ما خابت بعدما تبين أن قسماً، على الأقل من حركة «حماس»، لا يريد لهذه الزيارة أن تتم لأسباب مختلفة. كما أن دخول إسرائيل على الخط حال بشدة دون إجراء هذه الزيارة مما زاد في العراقيل التي وضعت أمامها.
ويذهب بعض الفلسطينيين المطلعين على بعض خفايا ما يجري إلى تفسير الاتفاق الجديد بأنه انعكاس لإدراك الطرفين بالتغييرات التي تجري في الإقليم وانعكاساته على المنطقة. فـ«حماس» تتخوف كثيرا مما يجري في سوريا، في حين أن «فتح» تريد استغلال التعاطف الدولي مع فكرة الدولة الفلسطينية على حدود 1967 من أجل إعلان الدولة في أيلول المقبل.
وفي كل حال، ووفق ما أعلن في القاهرة، فإن اتفاقاً أولياً على الورقة المصرية قد تم على أن تلحقه جملة أفعال أخرى ضمن جدول زمني. ومن المقرر أن تدعو الحكومة المصرية، وفق الاتفاق، الفصائل الفلسطينية وشخصيات مستقلة للتوجه إلى القاهرة لإجراء محادثات حول الاتفاق النهائي للمصالحة. وستوجه الدعوة هذه قريباً على أن تعقد جلسات الحوار وتنتهي أيضا في الأسبوع المقبل. وسيعقد في القاهرة في نهاية الأسبوع المقبل حفل الإعلان رسمياً عن اتفاق القاهرة للمصالحة الوطنية الفلسطينية.
وبحسب ما أعلن فإن الاتفاق يحيط بالورقة المصرية وملحقاتها التي باتت جزءاً منها والتي تشير إلى عدة قضايا أبرزها تشكيل حكومة فلسطينية وتحديد خريطة طريق لإنجاز انتخابات عامة بعد عام من إبرام الاتفاق وحل القضايا الخلافية، وفي مقدمتها اللجنة الأمنية وتفعيل المجلس التشريعي.
وفي العموم، فإن الاتفاق يتناول خمس قضايا مركزية، أولاها الانتخابات. ويتضمن الاتفاق حول هذه النقطة تشكيل لجنة الانتخابات المركزية بالتوافق على أسمائها وإصدار مرسوم بذلك من الرئيس عباس. وكذلك تشكيل المحكمة الانتخابية بعد التوافق على أعضائها من القضاة وإصدار مرسوم رئاسي بذلك من عباس أيضا. وأخيرا الاتفاق على أن تكون الانتخابات رئاسية وتشريعية ولعضوية المجلس الوطني بعد عام من إبرام الاتفاق وإعلانه.
أما القضية الثانية فهي منظمة التحرير. وهنا يعود الاتفاق إلى اتفاق القاهرة في العام 2005 الذي أشار إلى تشكيل قيادة مؤقتة من الأمناء العامين للفصائل. ويبين الاتفاق أن قرارات هذه القيادة غير قابلة للتعطيل من جانب اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير.
بعد ذلك هناك القضية الشائكة والمسماة اللجنة الأمنية وإعادة بناء الأجهزة. وجرى الاتفاق على أن يشكل الرئيس عباس هذه اللجنة من ضباط أكفاء بمرسوم بعد التوافق على ذلك. ومعلوم أن هذه اللجنة تثير أكثر من سواها حفيظة كل من إسرائيل وأميركا اللتين ترفضان أي دور لـ«حماس» في هذه القضية.
وبعد ذلك تأتي الحكومة التي كما يبدو ستكون حكومة تكنوقراط أكثر مما هي حكومة سياسية. وتم الاتفاق على تشكيلها من كفاءات وطنية والتوافق على رئيسها وأعضائها. وحدد الاتفاق مهمة الحكومة بأنها تسيير الأعمال وتهيئة الأجواء للانتخابات وإتمام الإصلاحات.
النقطة الخامسة هي تفعيل المجلس التشريعي الفلسطيني الذي كف عن العمل منذ سيطرة «حماس» على قطاع غزة واعتقال إسرائيل للكثير من أعضائه، من «حماس»، في الضفة الغربية. ويسبق كل هذه الخطوات إطلاق سراح المعتقلين السياسيين من الطرفين.
وصرّح نائب رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» موسى أبو مرزوق في مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الكتلة التشريعية لـ»فتح» عزام الأحمد، بأن الفصائل الفلسطينية ستوقع اتفاق المصالحة النهائي الأربعاء المقبل في القاهرة. وقال إن المشاورات لتشكيل الحكومة الفلسطينية الجديدة التي تم الاتفاق عليها ستبدأ «بعد أن تأتي الفصائل وتوقع (الاتفاق) يوم الأربعاء المقبل». وأوضح القيادي في «حماس» عزت الرشق أن التوقيع سيتم بحضور الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل.
وفيما أكد البيت الأبيض أن أي حكومة وحدة فلسطينية مقبلة ينبغي أن «توافق على مبادئ اللجنة الرباعية الدولية وأن تنبذ العنف وتحترم الاتفاقات المعقودة في الماضي وتعترف بحق إسرائيل في الوجود»، وقال المتحدث باسم البيت الأبيض تومي فيتور في بيان «الولايات المتحدة تؤيد المصالحة الفلسطينية على أساس ما يعزز قضية السلام. ولكن حماس منظمة إرهابية تستهدف المدنيين»، اعتبر أبو مرزوق أن «الرباعية اندثرت هي وشروطها ولن نأتي على ذكرها في الاتفاق».
وسئل عزام الأحمد عن ضمانات تنفيذ هذا الاتفاق فقال إن «الجامعة العربية ستشرف على تنفيذه وهذه ضمانة ولكن الأساس هو إرادتنا». وشدد على أن إسرائيل «استخدمت ورقة الانقسام الفلسطيني للتهرب من التزاماتها تجاه الشعب الفلسطيني بموجب القرارات الدولية وكذلك استخدمته الولايات المتحدة للتهرب من مسؤولياتها». وقال إن هذا الاتفاق هو «تلبية لمطالب الشباب الفلسطيني الذي خرج يهتف الشعب يريد إنهاء الانقسام والشعب يريد إنهاء الاحتلال».
وأكـد أبو مرزوق أن «الأجواء الجديدة في الدول العربية كان لها بلا شك أثر على كل التحركات السياسية في المنطقة».
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد