حرب الـ14 في مصر بين جماعتي 14 آذار و14 آب
قد تكون الحرب انتهت أو تكاد، غير أن حربا من نوع أخر بدأت تطفو للعلن في مصر على خلفية ما أنتهت إليه الأوضاع في لبنان، وهي حرب بدأت خافتة على استحياء خلال المعارك واستنفرت طرفي نزاع من بين دوائر النخبة والمعارضة، غير أن حدة النقاش والجدل ما لبثت أن وصلت الى حد الاتهامات الصريحة بالعمالة والتخوين والعمل لحساب محاور إقليمية أو أميركية إسرائيلية وفقا لرؤية كل طرف.
وكان السجال الذي تشهده بعض الدوائر الإعلامية والسياسية، هو في ظاهره نسخة طبق الأصل مما يدور في لبنان بين فريق 14 آذار و14 آب (الذي حل محل 8 أذار في وقت سابق)، ولكنه في باطنه ليس سوى امتداد للجدل حول قضايا محلية بحت بدأت تجد طريقها الى ملف السياسة الخارجية.
يمثل 14 آذار المصري نفر من المثقفين الليبراليين أو هكذا يعرفون أنفسهم والذين انتقدوا حزب الله بشدة في مقالاتهم خلال الحرب، ولم يثنهم الصمود أو النصر أن يعودوا عن فعلتهم تلك. ويكاد من يسمع حديثهم أو يقرأ لهم، يلتبس عليه الأمر. فثمة تماه صارخ بين خطاب هؤلاء و14 آذار اللبناني وصل الى حد ان احد الكتاب وصفهم بانهم منضوون تحت لواء قوى 14 آذار والمتحدث الرسمي بأسمه.
وهؤلاء يمثلون، في معظمهم، الفريق الذي يعرف مصريا بأنهم من مؤيدي التوريث وهم يمثلون غطاء إعلاميا من دون شك لوجهة النظر الرسمية حيال الحرب على لبنان والموقف من حزب الله. حتى وإن كانت وجهة النظر تلك قد سجلت تراجعا بفعل الضغط الشعبي والبلاء الحسن للمقاومة أمام إسرائيل، إلا أن هذا الفريق ظل على حاله وهم كانوا ربما امتدادا لحالة عربية وجدت صداها في بلدان المحور: مصر والسعودية والأردن.
هذا الفريق يرى أن الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله جرّ لبنان إلى حرب تستهدف تخفيف الوطأة عن ملالي طهران وحلفائهم من جنرالات الاستبداد في دمشق. وتساءل رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية عبد المنعم سعيد، في نبرة لا تخلو من سخرية، لماذا لا تستمر تلك المسيرة المنتصرة حتى تصل إلى نهايتها المنطقية وتجبر إسرائيل ليس فقط علي إطلاق الأسرى اللبنانيين وتحرير مزارع شبعا وإنما تحرير فلسطين هي الأخرى فيما بشر آخر بأن الحرب ستشهد نكسة للتيارات الإسلامية.
وكان نصيب سوريا، نظاما وحاكما، شديد الوطأة ما بين من يعايرون الرئيس بشار الأسد بعدم فتح جبهة الجولان ومن يتهمونه بالمزايدات الرخيصة.
وانبرى رئيس تحرير إحدى الصحف القومية لإسداء نصائح لحزب الله بأن عليه أن يعي ما يدور في كواليس السياسة الإيرانية وأن يوازن بين ولائه السياسي والمذهبي ووطنيته.
بعض من هذه الكتابات لا يخرج عن كونه لغة تحريضية تعكس نوعا من التبسيط المخل والجاهل بتعقيدات السياسة اللبنانية ولا تخلو من أخطاء تاريخية فادحة، وبعضها الآخر ليس سوى النسخة العربية من آراء وتنظيرات اليمين الأميركي المتطرف. ولا يمكن التحديد، على وجه الدقة، أي من هذه الكتابات هو فقط لإرضاء النخبة الحاكمة ويسعى لتبرير مواقفها المخزية من العدوان الإسرائيلي، وأي منها يعبر عن موقف سياسي بحق. فالخطوط بين الأمرين باتت غير واضحة في ظل تبني قطاع من النخبة المثقفة مهمة الدفاع عن النظام وتبرير عجزه.
أما الفريق الأخر (فريق 14 آب الذي حمل اسمه من تاريخ نهاية الحرب)، فلم يأل جهدا في الإشادة بالمقاومة ونصر الله، مخصصا صفحات بكاملها للرد على من أسماهم أرامل جيش الدفاع الإسرائيلي في الصحافة العربية. وتعلق جريدة العربي الناصرية إن بعض الكتابات العربية فاقت ما كتبه الصهاينة أنفسهم والذين أعترفوا بالهزيمة المنكرة للجيش الذي لا يقهر. وامتد الأمر ليشمل ليس فقط كتاب الأعمدة وصفحات الرأي، بل أن صفحات بريد القراء امتلأت بآراء أناس بسطاء يدلون بدلوهم في قضية المقاومة، كما عقد العديد من الفعاليات تتناول تداعيات الحرب اللبنانية.
هذه الكتابات التي أشارت الصحيفة إلى بعض منها والتي حمل بعضها تطاولا على نصر الله بلغ حد الإهانة الشخصية، دفعت الكاتب فهمي هويدي لأن يتساءل عما إذا كان من أسماهم بـ عناصر المارينز في دوائر الإعلام العربي قد تلقوا نسخا من رسالة قيل أن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود اولمرت قام بتوزيعها على الوزراء للتأكيد في تصريحاتهم الصحافية أن إسرائيل انتصرت وألحقت الهزيمة بحزب الله. وهو بالفعل ما تقوم به بعض هذه الكتابات بالترويج له من جهة التقليل من شأن نصر المقاومة، حتى أشار بعض الكتاب لما أسموه بـ سلاح حزب الله وسلاح حزب الشيطان فيما تحدث آخرون عن زمن حسن نصر الله.
وبرغم أنه حتى وقت قريب كان ثمة نوع من الإجماع بين أقطاب النخبة الحاكمة والمعارضة في ما يتعلق بقضايا السياسة الخارجية سيما منها القضايا العربية، وفي ما عدا ملف إسرائيل، لم يكن ثمة خلاف عميق حول القضايا الأخرى. إلا أن الموقف من حرب لبنان أحدث شرخا عميقا بين الفريقين وهو أيضا استخدم من جانب المعارضة المصرية للدلالة على مدى هامشية الدور المصري في قضايا النزاع الرئيسية، بل أن التهمة الأشد وطأة والتي باتت توجه للنظام المصري ليس كونه تابعا لجدول الاعمال الأميركي، وإنما وصل الأمر حدا من التدهور بحسب رئيس تحرير أحدى صحف المعارضة حتى صارت مصر تدور في الفلك السعودي وبالحسابات السعودية في لبنان معتبرا ان الرياض ورثت عبر المال السياسي الدور المصري التاريخي أيام عبد الناصر في لبنان.
اميمة عبد اللطيف
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد