جيش اسرائيل: هزال المكاسب وسوء أداء الجنود
تتزايد التساؤلات في أوساط المحللين العسكريين داخل اسرائيل وخارجها عما تقوم به القيادة العسكرية الاسرائيلية في جنوب لبنان، فان مسار الأمور والنيات الحقيقية للحكومة الاسرائيلية يكتنفها الكثير من الغموض وتفتقر الى المنطق العلمي العسكري في الكثير من النواحي. وحسب صحيفة «ديفنس نيوز» الأميركية فان اسرائيل لم تستخدم حتى الآن سوى عشرة في المئة من قواتها الجوية والبرية في حرب تسعى عبرها الدولة العبرية لتحقيق أهداف كبيرة وصعبة أهمها ضرب «حزب الله» واخراج مقاتليه من جنوب لبنان وتدمير ترسانة صواريخه.
وحسب مصادر عسكرية غربية فان الجنود الاسرائيليين تفاجأوا بقوة الحزب وشراسة مقاتليه ومتانة تحصيناته. وأضافت ان مقاتلي «حزب الله» يستخدمون شبكات أنفاق كبيرة في أماكن عديدة على امتداد خطوط الجبهة الأمامية في الجنوب، وهذه الانفاق تتصل بمخابئ تحت الأرض يصل عمق بعضها حتى عشرين قدما تستخدم كمراكز قيادة وسيطرة ومخازن للذخيرة والصواريخ. كما أن نوعية الأسلحة المتطورة لمقاتلي الحزب، خصوصاً تلك المضادة للمدرعات، أعاقت تحركات الوحدات المدرعة التي تشكل العمود الفقري للقوات البرية الاسرائيلية. ووصفت هذه المصادر جهوزية مقاتلي «حزب الله» بأنها تصل الى مستوى جندي نظامي محترف «مزود بمعدات للرؤية الليلية وبزات واقية من الرصاص وأجهزة اتصال وأسلحة فردية حديثة وتشكيلة متنوعة من القنابل والصواريخ المحمولة». وأدى امتلاك «حزب الله» لأجهزة الرؤية الليلية الى فقدان اسرائيل عنصر تفوق كانت تمتلكه قواتها سابقا وهو قدرتها على القتال في الظلام مستخدمة أجهزة الرؤية الليلية التي كان يفتقر اليها الحزب في السابق.
وكان الاستراتيجي الأميركي أنطوني كوردسمان الذي يعد من كبار الباحثين العسكريين في «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية» في واشنطن، انتقد أداء الجنود الاسرائيليين، وقال انه «لا يبدو مثيراً للإعجاب من الناحيتين الاستراتيجية والتطبيقية... ويبدو أن التطبيق التكتيكي للقوات الجوية والبرية ضعيف». ويضيف أن «الضربات الجوية والبرية الاسرائيلية لم تلحق أي ضرر حقيقي بحزب الله، وحتى أن مسعاها للضغط على الحكومة اللبنانية لأخذ خطوات ضد الحزب باء بالفشل». وشكك كوردسمان بفاعلية اقامة شريط حدودي جديد تسعى القوات الاسرائيلية الى استحداثه في جنوب لبنان، وقال انه من الأجدى أن تعمل اسرائيل على منع وصول شحنات الأسلحة من سورية الى «حزب الله» عبر نشر قوات دولية في جنوب لبنان وعلى نقاط العبور الحدودية اللبنانية - السورية ضمن اتفاق موسع لوقف اتفاق النار.
اذن، هناك أمر ما يجري داخل القيادة العسكرية الاسرائيلية. فإما أن يكون الجيش الاسرائيلي فقد فعلا مستواه القتالي الذي عرفه العالم منذ نشأة اسرائيل عام ثمانية وأربعين، وإما أن تكون الحكومة الاسرائيلية الحالية، والتي يفتقر رئيسها ووزير دفاعها الى أي خبرة عسكرية، قد تسرعت برد فعلها على خطف الجنديين ووضعت نصب أعينها أهدافا لا تملك القدرة على تحقيقها، وإما أن تكون قوة «حزب الله» فاجأت الجيش الاسرائيلي الذي لم يعتقد أنه سيكون بحاجة الى قوات ضخمة لانجاز المهمة ولا يزال يحاول تنفيذها بأقل تكلفة ممكنة. لكن كل هذه الاحتمالات تفتقر الى المنطق والعقلانية خصوصاً اذا ما أخذ في الاعتبار وقائع أساسية مثل وجود تأييد كبير تصل نسبته الى تسعين في المئة من الشارع الاسرائيلي للعمليات العسكرية التي تشنها حكومته، كما أن تل أبيب تملك غطاء دولياً لعملياتها أمنته لها واشنطن التي تقوم أيضا بمدها بالأسلحة الذكية ووقود الطائرات لمجهودها الحربي.
لماذا لم تحشد اسرائيل قوات أكبر وهي متوافرة لديها لإنهاء المهمة بسرعة؟ والى متى تستطيع اسرائيل تحمل سقوط صواريخ الكاتيوشا على مناطقها الشمالية وهي الدولة المعروفة بقصر نفسها في حروب الاستنزاف التي تؤذي اقتصادها بشكل كبير؟ هل هناك هدف آخر أهم (مثل سورية أو ايران) يتم الاحتفاظ بالجزء الأكبر من القوات الاسرائيلية له؟ أسئلة عديدة يرددها اليوم المحللون العسكريون في كل مكان، خصوصاً في اسرائيل. وحتى يأتي الجواب أو يحدث أي تغيير ملموس على الأرض، فان نتيجة المعارك حتى اليوم هي في صالح «حزب الله»، ضمن المقاييس العسكرية وموازين القوى بين الطرفين.
رياض قهوجي
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد