جون مكارثي: اسرائيل وفن السفسطة

12-08-2006

جون مكارثي: اسرائيل وفن السفسطة

قال طوني بلير في خطابه في لوس إنجلس، يوم الخميس الماضي، إنه سئم مما يحدث في لبنان، لكنه واصل فعلياً رفع المسؤولية عن إسرائيل في الدمار الذي يحصل هناك، قائلاً: ضعوا أنفسكم للحظة فقط، في مكان إسرائيل.
بهذه العبارة الواحدة، جمع رئيس وزرائنا كل الأخطاء في سياستنا في الشرق الاوسط. في هذا التصريح الواحد، أعطى المصداقية لكل ما يسمّى بالمتطرفين الإسلاميين الذين يدعون أن الحكومتين البريطانية والاميركية، لا تهتمان البتة بالعرب. إن احتجاجاته المتعاطفة كانت هجومية في العمق، بعد يومين من هجوم قانا. لو كان أراد فعلاً المساعدة، كان يجدر به أن يصرخ طويلاً وعالياً من أجل وقف فوري لإطلاق النار لوقف قتل الأبرياء، بدلاً من اختيار السفسطة الدبلوماسية، رغم أن الاتفاق المقترح من الأمم المتحدة سيكون مهماً في المدى الطويل.
بلير تجاهل مجازر الهيجان الإسرائيلي في اعتداءاته على لبنان وغزة. وحمّل مسؤولية كل الرعب وفي الواقع كل بلاء العالم لما وصفه بأنه قوس التطرف الممتد عبر الشرق الاوسط. من المذهل أن قوس التطرف خاصته، المؤلّف من حزب الله، حماس، إيران وسوريا وغيرهم، لم يشمل إسرائيل أيضاً. لقد قال : نحن بحاجة لأن نوضح لسوريا وإيران أن هناك خياراً: تعالا إلى المجتمع الدولي واستخدما القواعد ذاتها التي تستخدمها بقيتنا. ذلك النوع من القواعد الذي يقبل بالتدمير الوحشي الاسرائيلي للبنان، كرد منطقي على قتل جنود وأسر اثنين آخرين من قبل حزب الله؟
إسرائيل هي خارجة عن السيطرة. إن التوق إلى الأمن البدني (غير المفاجئ نظراً لموقف أبداً مجدداً الذي اتخذته الأجيال اللاحقة للهولوكوست)، بالإضافة إلى المثل الصهيونية غير الدينية، والاعتقاد اليهودي المتعصب بأن اليهود هم شعب الله المختار، كلها سمحت لإسرائيل بأن تصدّق أن بإمكانها فعل ما يحلو لها. ويبدو أن أي شيء بات شرعياً، وبلير قد دعم الولايات المتحدة في تصرفاتها الدامغة في لبنان وغزة، والتي سينظر إليها لاحقاً كجرائم ضد الإنسانية.
لقد قالت جماعات كـ حزب الله وحماس إنها تريد الدمار لدولة إسرائيل. من الواضح أن هذا الطموح غير المقبول هو مشترك بين إيران وغيرها. في بعض المرات، قد تبدو هذه التصريحات بلاغية جداً، وفي الأخرى، قد تدعمها عمليات تفجير انتحارية وهجمات صاروخية. لكن، وحتى الآن، لا يمكن لأحد أن يزعم بوعي أن إسرائيل تواجه تهديداً حقيقياً بالدمار أو الاحتلال. من جهة أخرى، فإن إسرائيل تقوم فعلياً بتدمير واسع لدولة، مفجّرة لبنان لتعيده 20 عاماً إلى الوراء كما قال الجيش، وعبر احتلالها للأرض الفلسطينية.
أنظروا إلى الأحداث التي قادت إلى الأزمة على جبهة النزاع الإسرائيلي الأخرى، غزة. غزة هي أرض فلسطينية محتلة من إسرائيل حتى أيلول الماضي، وما تزال القوة العسكرية الإسرائيلية تهيمن عليها. في 25 حزيران الماضي، عبر المقاتلون الفلسطينيون إلى داخل إسرائيل، وهاجموا مركزاً للجيش ثم عادوا مع أسيرهم العريف جلعاد شاليت.
كالعديد من الناس، يرى بلير ذلك كبداية لأزمة إسرائيل (وليس فلسطين) في غزة. وقد تمّ وصف العملية عبر وسائلنا الإعلامية، بشكل واسع، على أنها تصعيد من قبل المقاتلين الفلسطينيين، فيما لم يعتبر رد إسرائيل العدواني سوى متوقع. ما لم يعترف به بلير وغيره من المراقبين هو أنه في اليوم السابق لأسر العريف شاليت، دخلت القوات الإسرائيلية إلى غزة وخطفت فلسطينيين تدّعي إسرائيل أنهما مقاتلان في حماس.
يجب على طوني بلير أن يضع نفسه مكان الفلسطينيين للحظة. إسرائيل تخطف مواطنيك من أرضك ولا أحد يلتفت ولو قليلاً. إن غارة مقابل غارة تبرر انقضاضاً كلّف حياة أكثر من 140 فلسطينياً، العديد منهم مدنيون.
تقول الأمم المتحدة إن 63 فلسطينياً قتلوا و142 آخرين جرحوا جراء الهجمات على غزة في أيار وحزيران هذا العام. هذه الهجمات شملت أكثر من 300 قذيفة مدفعية، ونحو 50 غارة جوية. في هذه الأثناء، أطلق الفلسطينيون 369 صاروخاً معظمها صواريخ قسّام غير دقيقة ومصنوعة يدوياً. وجرح 14 جندياً إسرائيلياً، فيما قتل اثنان أثناء محاولة إنقاذ للعريف شاليت.
لا شك في أن سكان مدن كعسقلان وسيدروت في مدى الصواريخ الفلسطينية كانوا مرتعبين وغاضبين. لكن ماذا عن رعب أهل غزة؟ إنها أحد أكثر الأماكن كثافة سكانية في العالم: 1.4 مليون شخص يعيشون ضمن مساحة أصغر من جزيرة وايت. في الشهر الماضي، أرجعت إسرائيل غزة إلى الغيتو، مفجّرة محطة الطاقة ما أدى إلى غياب الكهرباء والماء النظيف معظم الأوقات من المنازل. تقول وكالات الإغاثة إن إسرائيل تسمح بكمية من الغذاء تكفي لمجرد منع الفلسطينيين من الموت جوعاً. وتقول الامم المتحدة إن غزة على حافة كارثة إنسانية.
لقد اعترف بلير أن جوهر المسألة يكمن في إيقاف حكومة فلسطينية فعالة على قدميها. ثم كان هناك التحذير المعتاد: يجب أن تكون الدولة الفلسطينية ديموقراطية وأن لا تهدّد أمن إسرائيل. إن لدى الفلسطينيين حكومة منتخبة ديموقراطياً تقودها حماس، لكن ولأن حماس لم تعترف بإسرائيل رسمياً، فلن يتم الاعتراف بحكومة حماس.
إذا أراد المرء أن يكون متوازناً ومتكافئاً، فعليه أن يسأل: لماذا قد تعترف حماس بإسرائيل؟ لماذا يجدر بـ حماس أن تنحني أمام بنادق إسرائيل وأن تقول إنها ستتوقف عن قتالها من أجل الحرية؟
إن إسرائيل تحتل الارض الفلسطينية، برغم قرارات الأمم المتحدة، منذ نحو 40 عاماً. بدلاً من الإصرار على إسرائيل لمغادرة جميع الأراضي الفلسطينية، تحدّث بلير عن خطوة رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق أرييل شارون الشجاعة للانسحاب من غزة في العام الماضي. ما الشجاع في إرجاع شيء سرقته، في حين ما تزال تحتفظ بالمالكين الشرعيين في سجن افتراضي؟! إلى أن يتم تقدير أمن وحقوق الفلسطينيين وكل شعوب المنطقة بشكل كافٍ ومتساوٍ مع الإسرائيليين، فلن يكون ثمة أمل لتسوية سلمية.
كان خطاب لوس أنجلس بمثابة غلة لبلير، لكنه بدا متردداً ما بين لعب أحد دوريه المفضلّين، دور القائد أو الكاهن. أخيراً فإن كلماته، وإن كانت مليئة بالصوت والغضب، لم تعنِ أي شيء. إن اللبنانيين، الفلسطينيين والإسرائيليين وجميعنا نستحق قيادة أفضل وأكثر استقامة. 
جون ماكارثي خُطِفَ في لبنان في العام ,1986 وبقي أسيراً طوال خمسة أعوام.

جون مكارثي

المصدر: السفير نقلاً عن الإندبندنت

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...