تناص مسرحي بين صدى (عمايري) وتعب (مبارك)
أرادت الفنانة (الأردنية ـ السورية ـ التلفزيونية) صبا مبارك في عرضها المسرحي (مجرد تعب) (النبش في الذاكرة.. حفر في المألوف.. محاولة للقبض على لحظات مرّت بنا جميعاً..
إنها لحظات هاربة لم يستطع ربّما إلا قلّة الإمساك بها والتأمل بعمقها). كما أرادت مناقشة الثنائية الأزلية (ثنائية الرجل والمرأة هذه العلاقة التي تبدو أزلية ومكررة والتي يكفي تشخيصها لتصبح أنا، أنت، أياً منّا..).
مبارك في تجربتها المسرحية الأولى أحبّت أن تعمل (بريك) مسرحي ترتاح فيه من تعب التلفزيون وأضوائه فكان أن أطلقت تداعياتها المسكونة في ذاكرتها لتنتج نصاً يركّز على الثنائية الأبدية (الرجل ـ المرأة) هذه الثنائية التي لا تمرّ ربّما لحظة إلا وتتجسّد في عمل فني (تشكيل ـ سينما ـ مسرح ـ موسيقا....) وكل مبدع يصبّ عصارة تجربته الشخصية على هذه الثنائية التي تشبه بئراً لا تنضب ينهل منها المبدعون مواضيع وأفكاراً لا تنتهي.
الحب الذي جسّـده على الخشبة جمال شقير وناندا محمد حبّ تاه في زحمة التفاصيل الحياتية، وأمام تلاشي المشاعر كان لابدّ من محاولة الهروب من ذكريات الحبّ فكان لابدّ من السؤال التأكيدي الدائم الذي يحاول استرجاع الماضي (بتحبني.. بتحبيني..؟!).
حالة الحبيبين (سابقاً) اللذين يحاصرهما الضيق تتناقض مع فضاء المكان الرحب (بيت دمشقي قديم) المفتوح الذي يوحي بالآفاق المتسعة لذاكرة المكان، هذا المكان يحتضن حباً تناثر على صندوق خشبي كذاكرة ينبش أحياناً منها أحد الحبيبين بعضاً من قطع الماضي المشتهى أن يكون حاضراً أبدياً، ولأن الماضي لحظات هاربة حاول الجسدان التلاصق ليخدعا كذب المشاعر، فضاء المكان أتاح للحبيبين مجالاً للمناورة ضمن لعبة الكرّ والفرّ بين لحظتين ماضية وحاضرة حيث استغلال المكان ومناسيبه المتعدّدة مع الاستعانة بالإضاءة للكشف عن دواخل الشخصيتين المتناقضة وتحرّكات جسديهما المتمزقين بين الماضي والحاضر.
صبا مبارك نبشت في ذاكرتها كثيراً، فكان ان وصلت الى ذاكرة الفنان عبد المنعم عمايري الذي نبش في ذاكرته من عدّة سنوات فأطلق (عرض صدى) في العرضين (صدى ومجرد تعب) ثمّة تشابه كبير على صعيدي الحالة والحوار، فالنزق الذي يسيطر على الشخصيتين كأنه نزق واحد وكذلك الحوار في تكرار الأسئلة والمفردات ولحظات الصمت، فحسب نقاد الأدب، نحن أمام حالة تناص مسرحي بين عرضين ان كانت مبارك حسب أهل القانون حسنة النية باعتبار أن الكاتب يعيد إنتاج ما يقرؤه أو يشاهده في نص إبداعي جديد، أما في حال أن مبارك لم ترّ سابقاً صدى عمايري أو صدى الفنان نضال سيجري فنحن أمام حالة توارد أفكار ليس إلا، ناتج عن التصادم اليومي بين العشاق الذين هزم الزواج والملل عواطفهم الجياشة فأصبحت ذكرى تُستعاد في كل لحظة ضيق.
كلامي السابق أوردته لأنفي (محاولة لطش الفكرة أو الحوار) كوننا أمام سينوغرافيا مختلفة بين العرضين حيث (صدى) استعانت بمفردات جمالية واقعية بينما (مجرد تعب) اعتمدت مفردات مسرحية أقرب الى الرمزية أو السوريالية. ما يعني عرضين مسرحيين لفكرة واحدة أو قل شكلين فنيين لجسد واحد (الفكرة).
رغم ذلك نحن أمام مشروع مسرحي طموح وراءه فنانة مبدعة هي مي سكاف، إنه مشروع تياترو لمسرح الشباب الذي يطمح أن يعوّض التقصير الحاصل في المؤسسات الرسمية لجهة رعاية المبدعين الشباب في فن المسرح و(مجرد تعب) خطوة مهمة في مشروع سكاف رغم تعثّرها، فالملل أثناء العرض تسلّل إلينا وهو لم يتجاوز الأربعين دقيقة، فالعرض المسرحي الذي تنافسه ساعة يد المشاهد هو عرض يحتوي من الإشكالات الكثير.
أحمد الخليل
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد