تعدّد الزوجات والعدالة: دونت ميكس
في 27 شباط الماضي أحرقت بثينة نفسها. دخلت إلى حمام منزلها القروي في جويا، رشّت جسدها بمبيد حارق وأشعلت النار. اختارت بثينة الموت على أن يتزوّج زوجها امرأة ثانية، كما قيل. لدى نشر القصة، تراوحت ردود الفعل عليها بين من أدان المجتمع الذكوري والدين الذي يسمح لزوج بثينة بأن يرى في فعلته هذه «فعلاً حلالاً شرعاً»، وبين من أدان بثينة ورأى أنّها أخطأت برفضها أولاً ما حلّله الشرع لزوجها، ثم بإقدامها على الانتحار. لكن بثينة لم تكن بعيدة عن الدين، وهي ربما لم تكن بحاجة إلى أن يخبرها أحد بما هو حلال وما هو حرام، وما يصحّ فعله وما لا يصحّ. لكنها مع ذلك لم تستطع العيش مع فكرة زواج زوجها من ثانية.
سلمى امرأة أخرى، لا يزال قلبها ينبض. هي تتّشح بالشادور، وأقلّ ما يقال عنها إنّها شديدة التديّن. تمضي الكثير من أوقاتها في الصلاة والتعبّد، ومع ذلك، عندما تزوّج زوجها للمرّة الثانية، استنكرت، رفضت، صرخت وبكت. وبما أنّ الأمر كان قد وقع فعلاً، لم يبق أمامها سوى مضاعفة صلواتها، مكررة القول إنّ الله سيصبّرها على ما فعله زوجها بها، من دون أن ترى في خطوته حقّاً شرعياً أو«حلاله» كما يقال.
فأين هو الله فعلاً من هذه القضيّة؟ هل هو مع الزوج أو الزوجة؟ هل حلّل للزوج ما لا ترضاه امرأة، مؤمنة كانت أو غير مرتبطة بدين؟ أوَلم يعترف علماء الدين والفقهاء جميعاً بأنّ القرآن يخاطب المرأة والرجل على حدّ سواء؟ أم أنّ الله في هذا الجزء من العالم يشبه المجتمع الذكوري الذي تمّ على ضوئه تفسير النص القرآني؟
حوراء ابنة سلمى هي التي تخبر القصة. تخبر قصّة طفلة نشأت في بيت اختار الأب فيه أن يلجأ إلى الزواج الثاني. رغم أنّ حوراء تحبّ والدها كثيراً، هي غير راضية عمّا فعله بعائلتهم وتحتفظ بمرارة وحزن كبيرين عندما تتذكّر طفولتها أو ما حصل لأمّها. تقول حوراء إنّه بعدما تزوّج والداها، سافرا إلى ليبيا، حيث حظي والدها هناك بعمل بسيط. بعد أربع سنوات من زواجهما، قام صديق الوالد بعرض أخته عليه للزواج! تتابع حوراء، نقلاً عن والدها، أنه أخبرهم أنّه فوجئ كثيراً عندها بالعرض واستغرب طلب الصديق بما أنّه متزوّج. لكن صديقه بقي يلحّ عليه حتى «لم يعد يدري كيف تمّ الموضوع».
تزوّج الأب شقيقة صديقه، من دون أن يخبر زوجته الأولى سلمى. ورغم أنّ الرجل شديد التديّن، لم يشعر بأنّ ما فعله هو «حلاله وانتهى». خاف كثيراً من إخبار زوجته بالموضوع ومن ردّ فعلها، واختار الهروب عوضاً عن مواجهتها. أخبرها أنّ أمراً طرأ عليه، لذلك يريد السفر إلى بيروت لبضعة أيام. بقي الأب في بيروت شهرين، من دون أن يرسل إلى سلمى أي خبر. تخبر حوراء أنّ أمها عاشت في تلك الفترة أصعب أيام حياتها، حتى اكتشفت من بعض الناس أنّ زوجها تزوّج ثانية. بعد وصول الخبر إليها، عاد الأب إلى ليبيا ليتواجها. لم ترضَ الأم، لكن ما حصل كان قد حصل.
عندما تخبر سلمى أولادها الثلاثة عن سبب بقائها، تقول لهم إنّ طفلها الأول، بين ذراعيها، «كسر ظهرها» وأجبرها على الرضوخ والقبول بالوضع، إذ إنّها ما كانت لتقبل أبداً بأن تتركه لزوجة الأب الجديدة وتعود إلى بلدها، ومن جهة ثانية فإنّ سلمى كانت تعرف أنّ والدها القاسي ما كان ليقبل بأن «يربّي أولاد الغير»، وكان سيجبرها على التخلّي عن ابنها وإرساله إلى زوجها. فبقيت سلمى ورضخت لتحتضن طفلها. تقول حوراء: «ما زالت أمي الستينيّة حالياً تعاني إلى اليوم من الآثار الصحيّة والنفسيّة لتلك الفترة التي عاشتها»، في حين عانت حوراء من تسلّط الزوجة الثانية. تقول إنها غالباً ما حاولت استمالة الأب إلى طرفها ومنعت الإخوة من اللقاء «وحتى اليوم ما زلت أشعر بهذا البعد مع إخوتي من طرف أبي. فبالنسبة إليّ، أختي هي فقط تلك التي أنجبتها أمي، أمّا أختي من أبي فهي كجارتي. حتى إنني لم أشعر يوماً أنّ لديّ أمّاناً، ولم أقدر على مناداة الأخرى بخالتي».
هل يجب أن نتغاضى هنا عمّا أصاب سلمى أو بثينة أو حوراء وكثيرات غيرهنّ، ونكتفي بالتسليم بأنّ الله قال بتعدّد الزوجات؟
يشرح المدير العام للأوقاف الإسلاميّة الشيخ هشام خليفة حقيقة مبدأ تعدّد الزوجات بعيداً عن العادات الاجتماعية أو ما أصبح متداولاً. فيقول إنّ: «الإسلام ظهر في الحقبة التاريخية التي كان تعدّد الزوجات فيها أمراً شائعاً. وهو بالتالي لم يخترعه، بل جاء ليضبطه كما ضبط عادات اجتماعية أخرى كانت سائدة في ذاك الوقت». ويضيف خليفة «ضبط الإسلام تعدّد الزوجات بالاعتبارات الآتية: أولاً حدّد العدد، وثانياً وضع له شروطاً. فالآية ذاتها التي أجازت تعدد الزوجات يقول الله فيها «فإن خفتم ألاّ تعدلوا فواحدة». وهذا يعني أولاً أن الله ترك القرار للشخص، فيما قرّر هو حقيقة العجز عن تحقيق العدل الذي يطلبه (إن كان من ناحية القلب أو حتى في الجزء المالي)، إذ إنّ الآية نفسها تقول أيضاً «ولن تعدلوا». نفسّر هذه الآية بأنّ الله يقول فيها أبحت التعدد لأنه قد يتوافق مع حاجات معيّنة للفرد وللمجتمع، ولأنها مجازة استثنائياً فإنها تخضع لشروط. وكأنّه يقول لنا لا تقتربوا من الموضوع إلاّ إن احتجتم إليه وأنتم في أزمة أو وضع معيّن».
ما هي الأسباب التي قد تدفع إلى اللجوء إلى تعدد الزوجات؟ يقول خليفة: «الإسلام دين وتشريع يضع الحلول ابتداءً، مع ترك فسحة للعلماء لأن يجتهدوا حسب الوقائع الجديدة الحادثة، أمّا الأساسيات التي وضع لها حلولاً فهي أن تكون الزوجة مثلاً قد تعرّضت لمرض مزمن أو عضال منعها من تلبية واجباتها بشكل عام. عدم الإنجاب قد يكون أيضاً سبباً في بعض المجتمعات، خاصة تلك البعيدة عن المدنيّة والتي يحتاج فيها الرجل إلى ولد ليعاونه في الزراعة أو العمل. وأخيراً في حال النفور بين الزوجين، وهو هنا أمام خيارين، إمّا الطلاق أو الزواج الثاني إذا كانت البيئة التي نتحدث عنها تسيء إلى المرأة المطلّقة أو إذا كانت ظروفها العائلية لا تسمح بطلاقها. فالإسلام راعى أنّ المرأة هي فقط من تتأثّر بفعل الطلاق في بعض المجتمعات. وإن كان الوضع معكوساً، أي إنّ الزوج أصيب بمرض أو هو عاقر، يمكن المرأة ببساطة أن تطلب الطلاق. ولمن يلجأون إلى هذا الزواج بحجّة أنّه سنّة، فأنا أدعو هؤلاء إلى الالتزام بحرفيّة السنّة، أي إنّ النبي عدّد الزوجات لأسباب معيّنة، فلنراجع السبب الذي من أجله تزوّج النبي كلّاً من زوجاته ولنفعل مثله إن استطعنا. لكن لا يمكن أن نقدم على تعدد الزوجات لأسباب شهوانيّة بحجّة السنّة».
والد حوراء أخبرها أنّه لو عاد به الزمن لما كان اختار الزواج مرة ثانية. الأب السبعيني اليوم غير مطمئن إلى ما فعله ذات يوم. بالنسبة إلى حوراء، لم يكن والدها يملك الحجّة ليلجأ إلى الزواج الثاني، فهو بالتالي لم يراع دينه، وما كان عليه أن يستعمل ما كتبه الله مطية ليظلم أمّها أو أي امرأة أخرى.
زينب مرعي
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد