تجنيس السوريين: خلطة الابتزاز «العثماني»
ضمن سباق الاستفادة من الحرب الدائرة في سوريا وتقاسم أرباحها، لا تبدو خطة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الجديدة بتجنيس اللاجئين السوريين غريبة أو مفاجئة، خصوصاً أن الرئيس المنتمي لحزب «العدالة والتنمية» المرتبط بجماعة «الإخوان المسلمين» العالمية، قد خبر في مرات سابقة أفضل الطرق للاستفادة من حرب جارته سوريا، سواءً عبر التدخل في الحرب بشكل مباشر، أو عبر استثمار آثارها، كابتزاز أوروبا بموجات بشرية تستقل «قوارب الموت».
بـ «ميكافيلية» بحتة، قرر الرئيس التركي نشر خبر عزمه تجنيس السوريين على مائدة إفطار رمضانية في مدينة كلس الحدودية مع سوريا، ضمن أجواء تضمن لحديثه جانباً دينياً وإنسانياً لمنع الخوض في أرباح هذه الصفقة، خصوصاً أنه يعلم أن أخصامه في تركيا سيحاولون الوقوف في وجه هذه الخطوة ومنعها.
وفي وقت يؤكد فيه خصوم أردوغان في تركيا أن الهدف من هذه الخطوة «انتخابي»، حيث سيزيد تجنيس السوريين الأصوات المؤيدة لـ «العدالة والتنمية» أكثر من مليون ونصف مليون صوت، وهو العدد المؤهل للتصويب بين اللاجئين، إلا أن الخوض في زواريب القضية يؤدي إلى نتائج أعمق من مجرد أصوات انتخابية، ويصب بمجمله في بوتقة «تغيرات ديموغرافية ومذهبية وعرقية» تُثبّت أركان «السلطنة العثمانية» الحديثة، وتوسع من نفوذها الإقليمي.
منذ بدء الحرب في سوريا، عرف اردوغان تماماً كيف يستفيد من نزيف جارته سوريا. دراسة حديثة أعدّها الدكتور في العلوم السياسية محمد كمال الجفا تفيد بأرقام «مهولة» عادت بالفائدة على تركيا جراء الحرب السورية. على سبيل المثال، تورد الدراسة التي اطلعنا عليها، أن تركيا استقطبت نحو 750 ألف عامل سوري مدرب وخبير، بينهم نسبة كبيرة من أصحاب الحرف والصناعات التي كانت تمثل عماد مدينة حلب الاقتصادي، حيث تم توظيفهم في تركيا مقابل أجور تقل عن نصف أو ثلث الأجور التي تدفع لأقرانهم الأتراك من ذوي الخبرات الأدنى، ما أعاد على تركيا حوالي 30 مليار دولار كمتوسط كلفة انتاجية اقل جعلتها تدخل بقوة تنافسية أكبر في كل الاسواق الداخلية والخارجية.
في هذا السياق، يشير الدكتور الجفا إلى أن « 750 ألف عامل سوري يوفر كل منهم ما متوسطه 1500 ليرة فرق توفير عن العامل التركي، يعطي مبلغاً اجمالياً مقداره 100 مليار ليرة تركية سنوياً، الأمر الذي يعطي افضلية تنافسية في انخفاض كلفة الانتاج على مستوى تركيا لا تؤمنها تركيا من اي علاقات او تجارة او تصدير مع أي دولة من دول العالم». ويضيف «حتى السياحة، وهي الأكثر دخلاً سنوياً لتركيا لا تدر عليها مبلغ 100 مليار ليرة تركية».
وفي وقت لا تخوض فيه الدراسة في قضية المصانع السورية التي تمت سرقتها ونقلت إلى تركيا، ويتجاوز عددها الألف مصنع وفق تقديرات رسمية سورية، كما لا تخوض في النقاط التي كسبتها تركيا من دمار أضخم المصانع في سوريا وخروج جارتها عن دائرة المنافسة، تقدر الدراسة أن مدينة حلب وحدها خسرت جراء الحرب «نحو 250 مليار دولار»، لكن الخسارة الأكبر، وفق الدراسة، كانت في الموارد البشرية.
عملية الابتزاز التركي لأوروبا عن طريق فتح الحدود لموجات اللجوء تسببت بتسرب نسبة مهمة من اليد العاملة والخبرات السورية، الأمر الذي جاءت قضية تجنيس السوريين لوضع حد له، وهو ما يبدو واضحاً في توجه الحكومة التركية عن طريق منح الجنسية بشكل انتقائي لـ «الكفاءات وميسوري الحال» ممن أقاموا صناعات مهمة في تركيا، لتأتي الخطوة الأولى بالبدء بتجنيس 300 الف سوري، وفق ما تم إعلانه في تركيا الأسبوع الماضي.
بالإضافة إلى الأهداف السابقة من عملية التجنيس، يبرز سبب آخر يتعلق بعقلية أردوغان العثمانية، حيث يضمن تجنيس ثلاثة ملايين سوري زيادة تمدد أذرع تركيا في سوريا، فلم يعد «التركمان» وحدهم «رعايا أتراك»، وفق وصف وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو خلال رده على قضية توريد الأسلحة إلى سوريا حين اعتبرها «وسائل دفاع عن النفس للسوريين من أصول تركمانية».
خليط الأهداف السياسية والديموغرافية والطائفية والعرقية والاقتصادية لتجنيس السوريين، الذين يضمن تجنيسهم تغييرات كبيرة في مناطق تواجدهم خصوصاً أن معظم اللاجئين من العرب السنة، ويتواجدون قرب الحدود السورية في مناطق تواجد الأكراد والعلويين، يواجه بعض العوائق، أبرزها الأصوات المعارضة سواء من الأحزاب المعارضة في تركيا أو حتى من بعض قواعد وقياديي حزب «العدالة والتنمية» الذي ينتمي له، بالإضافة إلى ما يترتب على التجنيس من تكاليف حكومية تتعلق بالضمان الصحي والتعليم وغيرها.
في هذا السياق، تشير الباحثة في الشأن التركي زيبور ريسيان إلى أنه «خلال 14 عاماً قضاها أردوغان في الحكم التركي، تمكن من تثبيت أركان حكمه وإزاحة معظم معارضيه، الأمر الذي يعني أنه سيمضي في مشروعه ويتجاوز العقبات، خصوصاً أن هذه الخطوة لم تلق أي معارضة دولية حتى الآن»، بالإضافة إلى أن استطلاعا للرأي أجرته كتلة حزب «الشعب الجمهوري» البرلمانية أفاد بأن ما يقارب الـ 70 في المئة من اللاجئين السوريين في تركيا غير عازمين على العودة إلى سوريا.
علاء حلبي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد