بوادر انتفاضة مصرية داخل «أحرار الشام»
بينما قاد «المصريون» في «جبهة النصرة» عملية فكّ الارتباط عن تنظيم «القاعدة»، مسبغين عليها شرعية قوية منعت الجبهة من التعرض لتداعيات كارثية محتملة، فإن أقرانهم في حركة «أحرار الشام» يتخذون موقفاً معاكساً، ويصرّون على إظهار نوع من التشدد في مواقفهم لمنع الحركة على ما يبدو من الانزلاق في ما يسمونه «التمييع والإرجاء».
ويبدو أن القيادات المصرية الموزّعة على عدد من التنظيمات الإسلامية في سوريا، من تنظيم «داعش» إلى «جبهة النصرة» و «أحرار الشام» وبعض الفصائل الأخرى، تقوم بتوزيع الأدوار في ما بينها بطريقة تهدف إلى ضبط إيقاع التغييرات التي تشهدها هذه التنظيمات، ومنعها من الانحراف عن الخط العام لـ «الجهاد» الذي ينبغي أن يحافظ على شعلته متوهجةً إلى يوم القيامة حسب أدبياتهم.
وقد تصدّى عدد من «الأمراء الشرعيين» السابقين والحاليين من الجنسية المصرية في «حركة أحرار الشام» للفتاوى التي أعلن عنها أيمن هاروش عضو المجلس الشرعي في الحركة قبل يومين، والتي اشرنا إليها باعتبارها تمثّل انقلاباً جذرياً في موقف «أحرار الشام». وتعلّقت فتاوى هاروش التي لم يتضح حتى الآن ما إذا كانت صادرة عنه بصفته الشخصية أم أن المجلس الشرعي أقرّها رسمياً، بالموقف من «الحكومة المؤقتة» المنبثقة عن «الائتلاف السوري المعارض»، وكذلك بالموقف من القتال تحت راية الجيش التركي.
وسخر أبو شعيب المصري، واسمه طلحة المسير، من فتوى هاروش التي وصفت «الحكومة المؤقتة» بأنها «حكومة خدمات لا إسلامية ولا علمانية ولا ما بينهما» متهماً هاروش بالتفريط، إذ اعتبر أن «خطر التفريط أشد من خطر الإفراط». وقد سبق للمسير أن اعترض على موقف حركته الداعم للمشروع التركي بإقامة منطقة آمنة في الشمال السوري ما تسبب بعزله من منصبه. بعد ذلك، تهجّم بقسوة على لبيب النحاس بسبب تصريحاته الصحافية حول الديموقراطية والعملية السياسية، كما انتقد الدستور السوري لعام 1950 بعد تسريبات بأن «الأحرار» قررت تبنيه كمرجعية دستورية لها.
بدوره، سارع أبو اليقظان المصري، الذي يشغل منصباً مهما في الجناح الشرعي للحركة هو «الأمير الشرعي لحلب»، إلى انتقاد فتوى هاروش مدعياً أنها فتوى شخصية لا تمثل الحركة، وهو ما استدعى رداً عليه من حسام سلامة أبو بكر، قائد «لواء جند السنة» التابع لـ «أحرار الشام» والمحسوب على «التيار الاصلاحي»، إذ أكد على حسابه على «تويتر» أن «الفتوى ليست شخصية وأن المجلس الشرعي وافق عليها لكن هاروش تفرّد بنشرها».
وما زاد من مخاوف البعض من فتاوى هاروش ليس كونها تعبّر عن انقلاب جذري لمواقف الحركة السياسية وحسب، بل لأنها تمثل ايضاً اقتراباً من مواقف «جماعة الاخوان». وكان «المجلس الاسلامي السوري» المحسوب على جماعة «الاخوان المسلمين» أصدر مطلع الشهر الحالي فتوى حول «شرعية الحكومة المؤقتة»، ودعا جميع الأطراف «في الداخل في كل المجالات للتعاون معها وإعطائها فرصتها الكافية لإنجاز ما وعدت به»، إذ اعتبر البعض هذه الفتاوى المتزامنة بمثابة تمهيد لموافقة «احرار الشام» على التعاون مع «حكومة الائتلاف» وربما الانضمام إليها.
وفي محاولة لقطع الطريق على مثل هذا السيناريو، كانت ردود الشرعيين المصريين السابقة، وكانت كذلك دراسة علمية أعدها أبو الفتح الفرغلي، مصري الجنسية، وهو رئيس أول مجلس شرعي في «أحرار الشام» بعد إلغاء منصب «الشرعي العام»، ويحظى باحترام واسع لدى أوساط العديد من الفصائل المسلحة. وردت الدراسة على فتوى هاروش، مبينة أنه لا وجود لحكومة محايدة «لا اسلامية ولا علمانية»، بل شدد على أن وجود حكومة محايدة هو بحد ذاته أمر مخالف للشرع والواقع، بحسب قوله.
ويلعب المصريون دوراً كبيراً في حركة «أحرار الشام» وما زالوا يهيمنون على جناحها الشرعي برغم المحاولات العديدة التي سعى من خلالها بعض قادة الجناح السياسي إلى تحجيمهم وتقليص نفوذهم. وقد قتل عددٌ من هؤلاء في معارك سابقة، كان من أبرزهم أبو حفص المصري «مختار مكاوي» وأبو البراء المصري «فتحي أبو العينين». ووجهت الحكومة المصرية في العام 2014 اتهاماً إلى «أحرار الشام» بزرع خلية إرهابية بهدف زعزعة الاستقرار في مصر.
وتعتبر «أحرار الشام» من أولى الفصائل السورية التي عملت منذ وقت مبكر في الحرب السورية على الاتصال مع قادة «الجهاد» في المنطقة والعالم من أجل استقدامهم إلى سوريا والاستفادة من تجاربهم السابقة. وقد أقرّ شريف هزاع، المعروف بلقب أبو ايوب المصري، بأنه جاء إلى سوريا بناءً على دعوة وجهها إليه أحمد نجيب، القيادي في الحركة وعضو المجلس الشرعي حالياً.
ونظراً للثقل الذي يمثله «المقاتلون الأجانب» في الحركة، فقد اضطر حتى أقطاب الجناح السياسي فيها لاتخاذ مواقف علنية بخصوص حمايتهم والدفاع عنهم، بل إن عضو مجلس شورى الحركة أبو عزام الأنصاري وعد بتجنيس هؤلاء ورفض تسليمهم لأي دولة بهدف محاكمتهم.
وكشفت تحقيقات صحافية مصرية أن «الجهاديين المصريين» بدأوا بالتوافد إلى سوريا في الأشهر الأولى من اندلاع الحرب فيها. وذكرت إحدى هذه التحقيقات أنه بحلول منتصف العام 2012 كان ما يقارب عشرين مصرياً يصلون إلى سوريا كل أسبوع. ومع نهاية العام 2014، كان عدد المصريين المنتسبين إلى تنظيمات سورية مسلّحة قد تجاوز سقف الألفي مصري.
عبد الله سليمان علي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد