انقلاب عسكري لـ«جبهة النصرة» في درعا..استباق حرب «صحوات» ضدها وقلق أردني

05-05-2014

انقلاب عسكري لـ«جبهة النصرة» في درعا..استباق حرب «صحوات» ضدها وقلق أردني

الخلاف بين «جبهة النصرة في درعا» مع قائد «المجلس العسكري» العقيد أحمد النعمة والكتائب التابعة له، ليس جديداً، بل يعود إلى اليوم الأول الذي تسلّم فيه النعمة منصبه.
ورغم أن تقارير إعلامية كثيرة تحدثت عن ارتباط كل من «النصرة» و«المجلس العسكري» بالاستخبارات الأردنية، إلا أن هذه الأخيرة كانت تسعى إلى تعزيز الخلاف بين الطرفين اللذين تدعمهما، واللعب على التناقضات بينهما منعاً لأي تنسيق أو اتفاق قد يؤدي إلى خروجهما معاً من تحت عباءتها.
وقد تعايش «النصرة» و«المجلس العسكري» مع هذه الازدواجية الأردنية لأكثر من عام ونصف العام، من دون أن يؤثر ذلك في جبهات القتال التي شهدت تقدماً للكتائب المسلحة، وخصوصاً في الأسابيع الأخيرة في ريف درعا المتصل مع القنيطرة.
والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا قررت «جبهة النصرة» أن تكسر هذا التعايش، وتقوم باعتقال النعمة مع خمسة من قيادات المجلس وبعض قادة الكتائب المناوئين لها، على نحو لا يمكن وصفه إلا بانقلاب عسكري مكتمل الأركان؟.
بدايةً، يلاحظ أن انقلاب «النصرة» العسكري جاء بعد ساعات فقط من إعلان النعمة تشكيل «جبهة ثوار جنوب سوريا» من عدد من الألوية والكتائب، وبالتنسيق مع «الائتلاف الوطني السوري» المعارض. وقرأت «النصرة» هذه الخطوة على أنها بداية تشكيل «صحوات» لمحاربتها، الأمر الذي اعتبرته خطوة مقلقة لها، وتجاوزا من قبل «المجلس العسكري» لكل الخطوط الحمر التي تحكم التعايش السابق بينهما.
وقال مصدر مقرب من «جبهة النصرة» إن «المؤشرات تزايدت في الأيام الماضية على وجود نية لدى المجلس العسكري بقيادة الخائن أحمد النعمة للقيام بمحاربة جبهة النصرة». وأضاف ان «تشكيل جبهة ثوار جنوب سوريا، ليس سوى إحدى الخطوات التمهيدية لإعلان الحرب على النصرة»، مشيراً إلى أن «أحمد النعمة لم يكن ليتخذ مثل هذا القرار لولا وجود ضوء أخضر من المخابرات الأردنية التي عينته في منصبه لخدمة أجندتها».
وحول السبب وراء قرار الاستخبارات الأردنية و«المجلس العسكري» في محاربة «جبهة النصرة»، قال المصدر إن «الإنجازات الأخيرة التي حققتها النصرة، والتي تمثلت بتقدم المجاهدين على الأرض وسيطرتهم على مناطق إستراتيجية، سواء في القنيطرة أم درعا، أثارت مخاوف الاستخبارات الأردنية، التي هبّت لنجدة الإسرائيلي بعد أن ارتفعت راية العقاب على التلال المحاذية له».
وفي هذا السياق، يغدو من المهم التوضيح أن علاقة الاستخبارات الأردنية بالتنظيمات «الجهادية» قديمة، وتعود إلى أيام أفغانستان، عندما كانت الاستخبارات الأردنية من أنشط الأجهزة على صعيد توريد «الجهاديين» إلى الأراضي الأفغانية، وعلى رأسهم الأب الروحي للتنظيمات «الجهادية» عبدالله عزام، الذي دعمته الاستخبارات الأردنية ونسقت معه عبر اجتماعات علنية وسرية، قبل أن تصبح على رأس قائمة المشتبه بهم والمتهمين باغتياله عندما انتهى دوره، وتغيرت نظرة الاستخبارات إليه من «مجاهد لأجل الحرية» إلى «إرهابي».
وبينما كانت «جبهة النصرة» تتلقى دعم عمّان، كانت في الواقع تعي حقيقة دور أجهزة الاستخبارات الأردنية معها، وتدرك أن الدعم والتسهيلات التي تتلقاها منها ليسا سوى مقدمة لنتيجة معروفة لن تكون مختلفة عن تجربة الأفغان العرب، وما آل إليه مصيرهم، من ملاحقات ومحاكمات وتصفيات. وثمة معطيات تؤكد أن «النصرة» كانت تتحضر لمثل هذا اليوم الذي تقرر فيه عمّان الانقلاب عليها ومحاربتها، بعد أن كانت تدعمها وتفتح لها طرق الإمداد البشري والعسكري، لكنها كانت تحاول قدر الإمكان تأخير هذا اليوم، لا سيما في ظل معاركها المحتدمة مع تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) في شمال وشرق سوريا، فلم يكن من مصلحتها فتح جبهتين أخريين، بالإضافة إلى جبهتها مع الجيش السوري في مناطق ساخنة عديدة.
إلا أن التغير الذي طرأ على سلوك الاستخبارات الأردنية تجاه الأوضاع في درعا، ودفعها بأحمد النعمة للهيمنة على مدينة درعا، عبر تشكيل «جبهة ثوار جنوب سوريا» التي تؤكد المعلومات أن الهدف الأول لها بعد قتال الجيش السوري، هو قطع الطريق أمام «جبهة النصرة» والكتائب المتحالفة معها لمنعها من فرض سيطرتها على مزيد من الأراضي في درعا والقنيطرة على حساب تقلص سيطرة «الجيش الحر»، هو الذي دفع «النصرة» إلى تنفيذ انقلابها العسكري من خلال اعتقال النعمة ورفاقه، قبل أن يعلنوا الحرب عليها تنفيذاً لأوامر الاستخبارات الأردنية، خصوصاً أن معلومات تحدثت عن امتلاك «النصرة» لأسلحة وذخائر حصلت عليها من مستودعات للجيش السوري في ريف القنيطرة الشرقي كانت استولت عليها في المعارك الأخيرة، وأن هذه الأسلحة والذخيرة تكفي لشن حرب مدمرة تتيح لـ«النصرة» الهيمنة على مدينة درعا وطرد «الجيش الحر» منها، الأمر الذي اعتبرته الاستخبارات الأردنية خرقاً للخطوط الحمر المسموح بها، وتصعيداً من قبل الجبهة لا يمكن السكوت عليه.
فكان أن أوعزت الاستخبارات الأردنية إلى النعمة لتنفيذ خطة أعدتها بالاتفاق مع أجهزة استخبارات في أكثر من دولة إقليمية لمنع «تمدد» الكتائب الإسلامية. وتقضي الخطة بقيام النعمة بمحاولة السيطرة على ريف درعا الغربي الذي يفصل بين ريف القنيطرة ومدينة درعا، وبالتالي منع «النصرة» من تحقيق هدفها في فتح ريف القنيطرة على ريف درعا، مع ما يعنيه ذلك من اضطرار النظام الأردني إلى التعايش مع الأمر الواقع والقبول بوجود «النصرة» على حدوده، وهو ما لم يكن ليقبل به، بل كان يسعى جاهداً إلى عدم حصوله مهما كلف من أثمان.
هذا وكانت «النصرة» أصدرت بياناً، أمس الأول، عقب الإعلان عن «جبهة ثوار جنوب سوريا» بساعات، حذرت فيه «كل الفصائل والكتائب التي أعلنت الولاء والانتماء للمجرم الخائن ــ بحسب وصفها ــ لله ورسوله والمؤمنين ودماء الشهداء، أحمد فهد النعمة أو جبهته المزعومة، بأنها بهذا الفعل تكون وضعت نفسها موضع المحاسبة والمطاردة من قبل أسود جبهة النصرة».
وقد أعلنت كل من كتيبتي «لواء فرسان حوران» و«لواء الاعتصام بالله» عدم علاقتهما بالجبهة التي أعلن عنها أحمد النعمة، رغم أن اسميهما كان مذكوراً ضمن الكتائب المشاركة في تشكيلها. وأكد مصدر محلي أن اعتقال «النصرة» لأحمد النعمة ورفاقه من قادة «المجلس العسكري» تمّ على حاجز اليرموك، حيث جرى نقلهم إلى معتقلات «الهيئة الشرعية» التي تهيمن عليها «جبهة النصرة».
ويعتبر تصرف «النصرة» بمثابة انقلاب عسكري حقيقي، من شأنه بحسب بعض المراقبين أن يزيد من التوتر في الجنوب السوري، بل ذهب بعضهم إلى حد القول إن مدينة درعا مقبلة على أحداث دموية جسام. وفي المقابل أبدى بعض أنصار «الجهاديين» تخوفهم من أن تكون «النصرة» قد تسرعت في التصرف منفردة من دون استشارة باقي الفصائل، مشيرين إلى احتمال أن يكون ثمة فخ يجري الإعداد له لإيقاع «جبهة النصرة» فيه، كما جرى مع «داعش» من قبل.

عبد الله سليمان علي

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...