انطوان لحد قلبه مع 14 آذار ويلتقي زعماءها سراً في أوربا
بعد ست سنوات من مغادرته لبنان، يطلّ أنطوان لحد على ماضيه، مشيراً إلى أنَّ «الإسرائيليين طعنوه في ظهره» بعد انسحابهم من الجنوب. ويرى أنّ على «حزب الله» أن يسلّم سلاحه. ويصف حركة 14 آذار بأنّها «لبنانية ومبادئها صحيحة»، مؤكّداً أنّه «يلتقي مسؤولين لبنانيين سرّاً في أوروبا لبحث قضايا سياسية لبنانية».
¶ عندما كنت تشاهد الدمار الذي تخلّفه إسرائيل، عن قصد، في عدوانها على لبنان، أي شعور انتابك؟
ــ أقولها بكل صراحة، إنّي كنت مع اللبنانيين والدولة اللبنانية وحزب الله. كنت معهم لأنَّ بلدنا كان في خطر، ويتعرض إلى عدوان. وليس من المنطق أنْ ألوم حزب الله وأعاتبه على فعلته في الوقت الذي يقبع فيه لبنان تحت الخطر والعدوان. آمنت، وما زلت أؤمن، بأنَّ على اللبنانيين أن يكونوا يداً واحدةً في أوقات المحن والمضايقات. وهم كانوا كذلك في هذا الامتحان.
¶ ألم تحاسب نفسك على تعاونك مع إسرائيل وأنت تشاهد الدمار الذي خلّفَتْه؟
ــ إسرائيل دولة عدوّ بالنسبة لنا في لبنان. هكذا فكّرت طيلة الحرب. ولكن، في الوقت نفسه، كان علينا ألا نعطي فرصةً لدولة العدوّ أنْ تقصف بلدنا وتدمّره.
¶ أنت تقول «دولة عدو»، فهل هذا يعني أنك راجعت نفسك وفهمت أنَّ صداقتك وتحالفك معها كانا خطأ؟
ــ أنا لم أكن صديقاً ولا حليفاً لإسرائيل.
¶ ماذا كنت إذاً؟
ــ لم أكن صديقاً للإسرائيليين. هكذا أنتم الفلسطينيين لا تريدون فهم الحقيقة هنا. وأنت تتحدث معي كفلسطيني مع أفكار مسبقة. أنا كنت مع أهل الجنوب. وأثناء وجودي هناك، لم يستطع الإسرائيليون بناء مستعمرة واحدة. لم يقدموا على أي عمل من هذا النوع. أنا أول من أقنع نتنياهو بفكرة الانسحاب من لبنان، والاعتراف بالقرارين 425 و 426 عن طريق المفاوضات. هذا كان هدفي. لكنّ الإسرائيليين هربوا وانسحبوا وطعنوني في ظهري. في المقابل، نسي العرب ما فعلته، واعتقدوا بأنَّ حزب الله هو من طرد الاحتلال الإسرائيلي. أنا لم أكن صديقاً لإسرائيل، لقد تعاملت مع إسرائيل على أنها دولة محتلة.
¶ طعنوك في ظهرك؟
ــ نعم، طعنوني في ظهري. أنا أردت انسحاباً من لبنان، ولكن ليس بهذه الطريقة. بعد عودتي من باريس في 24 أيار 2000، وبعدما حاولت إقناع الفرنسيّين بإرسال قوات تحلّ محلّ القوات الإسرائيلية، فهمت أنَّ الجيش الإسرائيلي انسحب من الجنوب وترك القرى اللبنانية في حال من الهلع، ممّا اضطرهم إلى الهروب خوفاً من قوات حزب الله المتقدّمة. عندها جنَّ جنوني، وفهمت من الإسرائيليين أني لا أستطيع العودة إلى لبنان وأنا لا أملك إلا قميصاً وبنطلوناً. وصلت إلى إسرائيل ولا ثياب لديّ سوى تلك التي كنت ألبسها. ولدى وصولي إلى إسرائيل، قالوا لي إنَّ باراك يريد التحدث إليّ. أجبتهم بأني لا أريد التحدث معه. أريد أن أرى جماعتي وما حلّ بهم. وقابلت باراك فيما بعد، وقلت له إنّهم طعنوني في ظهري.
¶ يوجد بين جماعتك من عدّك خائناً وقتها؟
ــ في البداية كان الوضع صعباً. هذا صحيح. هم اعتقدوا أنَّ مجيئهم إلى إسرائيل والانسحاب الإسرائيليّ من الجنوب كانا بالاتفاق معي. لكنَّهم فهموا فيما بعد، أنّ القضية ليست كما اعتقدوا، وأنّي ضحية مثلي مثلهم. بعد ذلك، عادت العلاقات طبيعية بيننا. قلت لهم إنَّ الإسرائيليين طعنوني في ظهري.
¶ كيف يعيش اللبنانيون في إسرائيل. أما زالت أوضاعهم صعبة؟
ــ الدولة تساعدهم قليلاً. لكنّهم لا يعرفون ماذا يجري في لبنان، وليسوا مرتبطين بالحياة اللبنانية. أولادهم يدرسون في مدارس يهودية، ويتعلمون العبرية، ولا يتقنون العربية جيداً. يتحدّثون العربية، لكنّهم لم يتعلموا أصول اللغة كما يجب. كلهم يتصلون بي. لم يبق منهم الكثير. وصل إلى إسرائيل أكثر من 6700، اليوم يوجد 2200 فقط.
¶ لكنَّ أوضاعهم صعبة ومنهم من يتمنى العودة؟
ــ أوضاعهم ليست صعبة، لكنّهم اعتقدوا بأنّهم سيأتون إلى هنا وستضعهم إسرائيل في القمر، وهذا لم يحصل. عاملتهم إسرائيل مثل أي مواطن في الدولة مع بعض التسهيلات والمعونات.
¶ ألا تفكر بالعودة الى لبنان؟
ــ هل يوجد إنسان لا يحب العودة إلى بلده؟ أفكر، ولكن كيف أعود وهناك أحكام عليّ بالإعدام. لقد نزعوا مني الهوية وصادروا أرزاقي وممتلكاتي. كيف سأعود؟ عندما كنت في الجنوب كان الكثير من قادة لبنان يتصلون بي، من رئيس الجمهورية «ونازل»، من أجل إتمام معاملات. كنت أرتب لهم قضايا كثيرة.
¶ لماذا لا تقف اليوم وتقول: أنا أخطأت، وتطلب العفو وتعود إلى لبنان أنت ومن معك؟
ــ أوّلاً أنا لم أخطئ. ثانيًا لن أطالب بالعفو لأنَّ الحكم ليس بيد الدولة اللبنانية. لقد كنت بطلاً قومياً منذ عام 1984 حتى عام 1996 حين بدأوا يصدرون الأحكام بحقّي، لأنَّ السوريين كانوا حاكمين. اسألهم أنت، لماذا عفوا عن آخرين؟ هذا سؤال ليس موجهاً لي. ولكن حتى لو عفوا عنّي، فمن سيضمن لي هذا العفو؟ هل تعتقد أنَّ الدولة اللبنانية هي الحاكمة؟ هذا ليس صحيحاً. هل أقول إني أخطأت؟ لماذا أخطأت؟ كانت مهمتي الحفاظ على لبنانية الأرض وإبقاء الناس في كرامة. عندما تسلّمت الجنوب لم تكن هناك طرقات. رتّبنا الأمور وسوّينا الطرقات، وعاش الناس بكرامة في الجنوب. كان ستّون في المئة من الجيش من المسلمين. لم أملك القوة لدحر إسرائيل. كنا سنخرب المنطقة كلها. ما فعلته لم يفعله أحد.
¶ من اتصل بك من القادة اللبنانيين؟
ــ لا أريد الإفصاح. ولكن أقول لك إنهم كانوا رؤساء جمهورية. كانوا يتصلون بي دائماً من أجل الحفاظ على الجنوب اللبناني وأن يعيش الناس معززين مكرّمين. كانت مؤسسات الدولة تعمل عندي كالمعتاد، أفضل من عملها في الشمال. الصحة والأمن العام وكل شيء.
¶ وجنودك كانوا يتلقّون رواتبهم من إسرائيل التي كانت راضية عنك. كل شيء حددته إسرائيل على هواها عن طريق رئيس الموساد الذي التقاك؟
ــ جاءني دغان (رئيس الموساد) ليتحدث إليّ من أجل أن أكون المسؤول عن الجنوب. قلت له لا أريد التحدث معك. أريد التحدث إلى سياسي مسؤول من أجل اتفاق واضح. عندها، نقلني الإسرائيليون عن طريق هليكوبتر إلى إسرائيل، والتقيت بوزير الدفاع الإسرائيلي موشي آرينز وتحدثت معه. قال لي: لا نريد شيئًا من لبنان، نريد أن نحفظ الأمن والسلام. قلت له إنني لا أستطيع تحقيق السلام، لكنّي أريد الحفاظ على المنطقة من دون أن تتدخّلوا، ومن دون أن تبنوا المستعمرات. فوافق.
بالنسبة للجنود، فقد تلقوا رواتب كي يعيشوا. وإسرائيل لم تحدد الأمور على هواها، هذا ليس صحيحاً. قبل دخولي إلى الجنوب قابلت الإسرائيليين وقالوا لي إنهم ليسوا معنيين بأي خطوة ضد الجنوب. قالوا إنَّهم يريدون السلام والأمن. قلت لهم «أنا معكم» لأننا نريد الأمن. نحن دولة ضعيفة لا نستطيع مقاتلة إسرائيل. هناك عرب، فليحاربوا إسرائيل. لماذا وقّعت مصر إتفاق سلام معها؟ لماذا وقّع الأردن اتفاق سلام؟
¶ الوضع يختلف، إسرائيل تخترق لبنان يومياً وهناك أسرى لبنانيون في السجون الإسرائيلية؟
ــ يوجد ثلاثة أسرى. هل تدمّر لبنان من أجل ثلاثة أسرى؟ هل السيد حسن نصر الله مسؤول؟ لماذا يوقع الدولة كلها في حرب ليقول إنه لم يحسب الحسابات الصحيحة. هذا خطأ. لم يعد لحزب الله شيء.
¶ لماذا إذن يعدّونك عميلاً وخائناً؟
ــ السوري يعدّني عميلاً. لكن في ما يتعلق بالشعب اللبناني، أنت مخطئ. كانوا يبعثون لي برسائل يقولون فيها «رزق الله على أيام لحد». لكن هذه الرسائل تأتي من تحت الطاولة. كنت أقول للإسرائيليين دائماً إنهم محتلّون.
¶ لنعد إلى قضية الحرب وكيف ترى نتائج الحرب بالنسبة لإسرائيل؟
ــ إسرائيل خسرت كثيراً، لكن ليست هذه القضية. أنا لا أنظر للجانب الإسرائيلي. أنظر إلى أن لبنان هو من خسر أيضاً، هو الخاسر الأول والأخير من هذه الحرب. لقد كانت الدولة مهمشة من قرار الحرب. ولا يكفي أن يقول نصر الله إنه لم يحسب حساباً لهذا الرد الإسرائيلي. حزب الله خسر كثيراً أيضاً ونزع سلاحه بات مؤكداً. وبات السؤال: لمصلحة من خاض حزب الله الحرب؟ مطروحاً. إنّه لمصلحة الفرس طبعاً. صحيح أنَّ مقاتليه صمدوا وقاتلوا بامتياز أمام القوة الإسرائيلية، ولا شك في أنَّ حزب الله يملك مقاتلين ممتازين قاتلوا بحكمة وصمدوا، لكن علينا أن نعرف أنَّ الشعب اللبناني صمد أيضاً ولبنان صمد لا المقاومة وحدها. المقاومة ما كانت لتصمد لو أنّ الشعب اللبناني لم يصمد.
¶ هل ترى أنَّ الحرب كانت فقط من أجل الجنديين المخطوفين؟
ــ عليك أن تعرف أنَّ الإسرائيليين يعرفون تماماً القوة التي حشدها حزب الله خلال السنوات الست الماضية. يعرفون نشاطاته في كل الدولة. الإسرائيليون استغلّوا الفرصة بعد خطف الجنديين من أجل كسر هذه القوة، وهذا الاختطاف كان ذريعة للإسرائيليين من أجل اجتياح لبنان ثانية. قال نصر الله إنَّ الإسرائيليين خطّطوا لحرب قريبة، وحتى لو كان هذا صحيحا، فهل علينا منحهم الفرصة الذهبية لاجتياح لبنان ونضيّع علينا «الصيفية» الجميلة في البلد من أجل أهداف سورية وإيرانية.
¶ لماذا تلوم غيرك؟ كنت في الجنوب وحققت أهدافاً إسرائيلية؟
ــ لم أكن حليفًا لإسرائيل. أنا وفرت الحياة الكريمة لأهل الجنوب.
¶ سمِّ علاقتك مع إسرائيل ما شئت، ولكن جاء حزب الله إلى الجنوب وقدَّم الخدمات للناس من دون أي علاقة مع إسرائيل؟
ــ ولكن انظر ماذا جرى له.
¶ ماذا يعني ذلك: إما أن تتعاون مع إسرائيل، أو لن تعيش حياةً كريمة؟
ــ أنا لا أقول هذا، ولا أطلب من أحد أنْ يتعاون مع إسرائيل. لكن هناك اتفاقية هدنة مع إسرائيل. هذه الهدنة ما زالت سارية المفعول في هضبة الجولان. لماذا تحافظ سوريا على هذه الاتفاقية ونحن لدينا اتفاقية هدنة بيننا وبين إسرائيل تمنع الاعتداء من الطرفين ولا نحافظ عليها؟
¶ هل لك اتصالات في لبنان؟
ــ نعم بالطبع، أتصل بأهلي. أسألهم عن صحتهم، من مات ومن عاش؟ هذه هي الأسئلة التقليدية.
¶ هل لديك اتصالات مع مسؤولين لبنانيين؟
ــ لا أتّصل بهم في لبنان. لكنني أحياناً ألتقيهم في أوروبا ونتناول الحديث عن الأوضاع السياسية. لا تسألني عن أسماء، فقد يقتلونهم.
¶ هل هم من مراتب سياسية مسؤولة؟ وهل التقيتهم قبل اغتيال الحريري أم بعده؟
ــ في كل الأوقات طبعاً، قبل وبعد. كنا نتحدث من أجل المصلحة اللبنانية. لم نتحدّث مرّة ضد المصلحة اللبنانية.
¶ ما رأيك بالحركات التي تأسست بعد اغتيال الحريري؟
ــ برأيي، إنّ عملية اغتيال الحريري وحَّدَت اللبنانيين. المسلمون والمسيحيّون توحدوا. كلهم يريدون مصلحة لبنان. أنا لا أستطيع أن أكون ضد حركات مثل 14 آذار تطالب باستقلال لبنان، وبأن تكون الدولة لبنانية. كيف سأكون ضدها؟ قلبياً أنا معهم لأنَّ مبادئهم صحيحة. سعد الحريري لبناني وأثبت أنّه لبناني، ووليد جنبلاط «رجّال». لا يكره السوريين، لكنَّه يرفض الوجود السوري. أما بالنسبة إلى نصر الله، فهو ذكي وسياسي وقوي لكن «غلطة الشاطر بمئة غلطة».
¶ هل لديك ما تقوله في الختام؟
ــ أتمنّى على اللبنانيين أن يسيروا وراء الدولة كي تصبح دولة.
فراس خطيب
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد