المعهد العالي للفنون المسرحية في سوريا.. إرث الآباء للأبناء
مشاريع مسرحية مستقلة بدأت بالعودة إلى التفتح على أطراف دمشق، بعدما صادر «المعهد العالي للفنون المسرحية» حلم عشرات الراغبين في دراسة المسرح، سواء في مجالات النقد أو التمثيل أو السينوغرافيا المسرحية، لتزيد إدارة المعهد ومع كل امتحان للقبول من أسماء أبناء الفنانين على مقاعد الدراسة في الأكاديمية اليتيمة التي تعنى بتدريس الفن في سوريا، منذ تأسيسها عام 1976 على يد كل من سعد الله ونوس وأديب اللجمي وفواز الساجر وأسعد فضة وآخرين.
تأتي «مدرسة الفن المسرحي» اليوم التي أسسها ويديرها المخرج سمير عثمان الباش كأحد أبرز المعاهد المسرحية الخاصة التي تأسست عام 2009 في حي القنوات الدمشقي، لتنتقل بعدها إلى بيت عربي في شارع «خالد بن الوليد» قبل أن تستقر اليوم في مقرها الجديد في بلدة «جرمانا» جنوب شرق العاصمة السورية، مواصلةً استقطاب شبان وشابات لم ينالوا فرصة الدخول إلى «المعهد العالي للفنون المسرحية». مشروع «مدرسة الفن» لم يكن الوحيد في هذا السياق، فقبل الحرب وبعدها تأسست عدة معاهد ومدارس مسرحية خاصة لكسر احتكار المعهد الحكومي لتدريس فنون الأداء، كان أبرزها معهدي «تياترو» و «دار الفنون».
طالب التمثيل في المعهد العالي للفنون المسرحية الذي فضّل عدم ذكره يتحدث عن ظاهرة توريث الفنانين لأبنائهم فيقول: «لدينا في المعهد العديد من الطلاب الذين حازوا فرصة الدراسة هنا، فقط بسبب الواسطة المتمثلة بآبائهم المعروفين والمشهورين في الوسط الفني التلفزيوني، فعلى سبيل المثال يدرس في المعهد اليوم كل من همام رضا ابن الفنان أيمن رضا، وهافال حمدي ابن طلحت حمدي، ونورا وحازم زيدان ابني الفنان أيمن زيدان، وألمى وريام كفارنة ابنتي الفنان هشام كفارنة، وأسامة ومجد الحفيري ابني الفنان عجاج الحفيري، ونوار الدبس ابن الفنان وليد الدبس، ومجدي المقبل ابن الفنان يوسف المقبل، وليلاس ولين العربيد ابنتي عميد المعهد الدكتور تامر العربيد، وسليمان رزق ابن المخرج يوسف رزق والفنانة أمانة والي.. والقائمة تطول، وتطول..!».
الآباء
وراثة أبناء الفنانين لمقاعد الدراسة في المعهد لا تنحصر فقط بهذه الشريحة - يضيف طالب التمثيل الذي حجب اسمه موضحاً: «المشكلة ليست فقط في أبناء الفنانين ووراثتهم، بل بالعديد من طلاب المعهد الذين تخطوا امتحان القبول لجهة أن آباءهم ذوو نفوذ وسلطة، فمن يصدق أن طالبة تمثيل أو طالبة نقد تُجرى لها دورة استثنائية خاصة وبقرار من الوزير فيما هي كانت مسافرة إلى بلد خليجي للتسوق؟ من يصدّق أن طالبا آخر يملي على أساتذته شكل المشهد أو الامتحان الذي سيقدمه في امتحانات الفصل الدراسي فقط كونه (يده طايلة)؟ الأخطر هنا هو ظاهرة التحشيش في المعهد العالي التي لم تستطع زيارات وزير الثقافة المنتهية ولايته عصام خليل إيقافها، رغم الوعيد المتكرر والتوعد من (خليل) بأشد العقوبات للطلاب وبفصلهم من المعهد، لكن هذا لم يتم، فمن هو قادر اليوم على محاسبة ابن فلان وبنت علان؟ الجميع مدعومون ويدهم واصلة» يضيف.
تأتي مدارس ومعاهد ودورات فنون التمثيل المستقلة لترد على هذا «الاحتكار» والتي أشرف على لجنة قبولها في مدرسة الفن المسرحي كل من المخرج محمد عبد العزيز وأستاذة النقد في المعهد ميادة حسين، جنباً إلى جنب مع الفنان بسام كوسا الذي يذكر الجميع أنه في سبعينيات القرن الفائت تعرّض هو الآخر لعدم القبول على مقاعد الدراسة في المعهد العالي للفنون المسرحية، وذلك عندما قال له المخرج الراحل فواز الساجر إن النجم السوري (يصلح لكل شيء ما عدا التمثيل)!
الرفض في الماضي كان يأتي كخيارات أكاديمية صارمة، لكنه اليوم يذهب نحو إتاحة عدد مقاعد أكبر لأبناء الفنانين وأبناء خؤولتهم وأعمامهم وأصهارهم وزوجاتهم، وصولاً إلى مؤسسات ثقافية وإعلامية يتواجد فيها الجد والأب والأم والزوجة والأبناء والأحفاد، لكن ماذا تفعل اليوم المعاهد الخاصة للتعويض عن هذا الخراب الشامل؟ الفنان سمير عثمان يرد نافثاً دخان سيجارته الحمراء الطويلة: «لم نتلق أي دعم مادي يذكر، حتى بلدية جرمانا تعاملنا هنا كأي محل فروج أو مطعم، ويطالبوننا برسوم. نقابة الفنانين السورية مشكورةً قدمت لنا تمديداً لترخيص المدرسة منذ عام 2011، لكن محافظة دمشق، عندما حملنا لها كتاباً من النقابة لتوفير مقر للمدرسة، أحالت كتابنا إلى المكتب المختص، والذي بدوره أدخلنا في وعود وتسويف حتى فقدنا الأمل وقفلنا عائدين بخيبتنا، لا شك بأنها مبادرة دونكيشوتية أن تقدم على تأسيس هذه المدرسة، ولا نعرف كيف وإلى متى سنبقى صامدين».
الفنان عثمان الذي أشرف بالأمس على عرض تخرج الدفعة الأولى من طلاب مدرسته، الذين يصل عددهم اليوم إلى تسعة عشر شاباً وفتاة من عشاق فن المسرح، يؤكد على دور المدارس الخاصة، وعلى أن الأكاديمية لا تبنى على جدران، بل على أفراد قادرين على إعطائها وظيفتها الفعلية فيقول: «المدارس المسرحية ضرورة اليوم، وهي ظاهرة يجب أن تكون، سواء في فترات السلم أو الحرب، وهذا ما خبرته عن قرب طيلة سبعة عشر عاماً قضيتها في مسارح موسكو وأكاديمياتها الكبرى، فكل فرقة هناك لديها مدرسة إلى جانبها، فمسرح موسكو وفرقته المشهورة يدعمها معهد موسكو الذي يضخ باستمرار دماء جديدة للفرقة الموسكوفية».
سامر محمد اسماعيل
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد