المعاناة السينمائية في إسرائيل
لعل موضوع الإعلام ودوره في نقل وجهات النظر المختلفة بين الحضارات والشعوب، يعد من الموضوعات المهمة التي تطرقت لها السينما الوثائقية في الفترة الأخيرة.
وعادة ما نرى على شاشات السينما أفلاما تحدثت عن الإعلام الأمريكي، والأوروبي، إلا أن أفلاما قليلة ناقشت قضية الإعلام الإسرائيلي في الداخل، ومنها الفيلم الوثائقي "من يوم ما رحت"، الذي يحكي فيه المخرج محمد بكري، لصديقه العزيز الراحل إميل حبيبي، تجربته العصيبة مع الرقابة الإسرائيلية، بعد عرض فيلمه "جنين.. جنين" داخل الخط الأخضر.
ورواية الفيلم، تبدأ ومحمد بكري، جالس قرب قبر حبيبي، يحدثه عن الأوضاع التي أصبحت أسوأ بعد وفاته، والضغوطات التي زادت على عرب 48، خصوصا مع اندلاع الانتفاضة الثانية، وتزايد الأعمال الانتحارية داخل الخط الأخضر.
ومن ثم يخوض المخرج في صراعه مع السلطات الإسرائيلية، التي ترفض عرض فيلمه "جنين...جنين"، والذي يتحدث فيه عن حصار المخيم في الضفة الغربية، ومطالبة الإسرائيليين الرقابة بطرد محمد بكري إلى خارج البلاد، ومنعه من العيش في إسرائيل، لأنها، دولة لا ترحب بمن يعارضها!
ولعل من أكثر اللحظات جمالية وإثارة للمشاعر في الفيلم، هي تلك التي يستذكر فيها محمد بكري كلامه مع إميل حبيبي، والذي قال في أحد الأيام، إن الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني غبيان لأنهما لا يستطيعان التعايش مع بعضهما البعض. ليرد عليه محمد بكري بالقول: "وهل يستوي غباء القاهر وغباء المقهور يا إميل...؟"
ويستمر محمد بكري في رواية أحداث فيلمه بطريقة سلسة للغاية، حيث ينتقل من محاولة تسويق الفيلم لدى السلطات، إلى محاولة تسويق الفيلم لدى الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني، فيخرج في الأسواق الإسرائيلية محاولا بيع فيلمه "جنين..جنين" مقابل خمسين شيكل لمن يود شراءه، مخترقا بذلك المنع الإسرائيلي.
وفي ذات الوقت، يخرج ابنه للضفة الغربية ليبيع فيلم والده مقابل نفس المبلغ.
ويلاحظ هنا الاختلاف في تقبل مشروع بكري من الجانبين، حيث أن الفلسطينيين يقبلون على شراء الفيلم، نظرا لمحتواه الذي يهمهم، والذي يحكي حكايتهم، بينما يرفض معظم الإسرائيليين شراء الفيلم، لأنه قد يروي وجهة نظر تختلف عن تلك التي يريدون سماعها.
الفيلم اقترب في طريقة عرضه لطابع المسرحيات التي يقوم محمد بكري بتمثيلها، حيث يكثر فيه "المونولوغ"، أو حوار النفس، إذ أنه عندما يكلم صديقه حبيبي، يبدو وكأنه يكلم نفسه في معظم المشاهد.
مراقبون اعتبروا أن هذا الفيلم "يشكّل صفعة في وجه الإعلام الإسرائيلي، الذي اتهم محمد بكري بالخيانة، وطالب بإنزال أشد العقوبة به وبأهل قريته في الجليل."
ويبدو أن المنع لفيلم بكري لم يقتصر على إسرائيل، بل تعرض لذات الموقف في عدد من الدول العربية والأجنية.
ويقول بكري بهذا الشأن: "لقد تم رفض عرض هذا الفيلم في بيروت، وفي مهرجان الجزيرة الدولي، وفي العديد من المهرجانات العالمية، ومنها مهرجان "صن دانس" ومهرجان تورنتو في كندا."
وأضاف: "لا أعرف إن كان هذا المنع يستقصد هذه الأفلام للموضوعات الجادة التي تطرحها، أم بسبب شخص من محمد بكري."
ويذكر أن محمد بكري، هو ممثل مسرحي شارك في العديد من المسرحيات والأفلام السينمائية، وهذا هو فيلمه الثاني الذي يقوم بإخراجه بعد "جنين...جنين"، والذي يعرض حاليا ضمن أيام مهرجان دبي السينمائي.
المصدر: CNN
إضافة تعليق جديد