العطش إلى النفط
أصبحت التحليلات النفطية الراهنة، أكثر إزعاجاً في دلالتها، لأنها لم تعد تشير إلى مجرد الصدمات المؤقتة الدورية التي تحدث من جراء تذبذبات عمليات الطلب والعرض في الأسواق النفطية. ومايقلق، ويبعث على المخاوف في أسواق النفط العالمية حالياً، يتمثل في ضرورة إحداث التحول والنقلة المطلوبة في توازنات الطاقة بين البلدان الغربية التي أصبحت أكثر إدماناً وإسرافاً في استهلاك النفط.
منذ الحرب العالمية الثانية، ظل العالم الصناعي يعول ويعتمد على إمدادات النفط الثابتة المتاحة والممكن تأمينها لتزويد نموه الاقتصادي بالوقود والطاقة اللازمة. هذا، وقد ظلت كل من الولايات المتحدة، وأوربا، واليابان تحتاج مجتمعة إلى المزيد من النفط، بما يفوق إنتاجها النفطي الذاتي.
وعلى الرغم من أن البلدان النامية تملك نفطاً كافياً، إلا أنها تستخدم القليل منه، وفي نفس الوقت ليس لها سوى القليل من الاسواق البديلة، على النحو الذي جعل البلدان الصناعية تقوم بالتركيز على سحب النفط الرخيص من مصادر موارد الدول الفقيرة حصراً.
حالياً، أصبحت هذه الحالة من التبعية المتبادلة بشكل يصعب الانفكاك منه، وذلك لأنها اندمجت ضمن هياكل النظام الدولي الجديد، والذي أصبحت تمسك بأجندته الولايات المتحدة وحلفاءها، وبعض الدول الأخرى التي أصبحت تستهلك النفط بكميات هائلة. أما البلدان المصدرة الرئيسية للنفط، فقد أصبحت تدرك تماماً حقيقة أنها تملك قدرة وفعالية مالية غير مسبوقة، على البلدان المستهلكة للنفط ومشتقاته.
ثمة قوتان، تقفان وراء هذا التغيير: عملية التصنيع المتزايدة والمتسارعة في اقتصاديات الصين والهند، التي تتضمن مليارات البشر، على النحو الذي يشير إلى حقيقة أن الطلب على الطاقة سوف يستمر على الأرجح في الاحتفاظ بمعدل نموه المضطرد خلال السنوات العديدة القادمة.
وفي نفس الدرجة من الأهمية، أصبحت البلدان الأكثر إنتاجاً للنفط الخام في العالم، تشدد قبضتها الخانقة على (حنفية) النفط.
فقد أصبحت المملكة العربية السعودية والبلدان الأخرى الغنية بالنفط، أكثر حرصاً على عدم الطاعة والانقياد لضغوط السياسات الغربية، الهادفة إلى دفع الدول المنتجة للنفط لكي تتوسع في الاستثمارات النفطية من أجل المزيد من الإنتاج، وذلك بما يقابل الطلب المتزايد في الأسواق الغربية.
أبرز الإحصائيات المزعجة، حالياً تشير إلى الآتي:
• تحاول الشركات الأمريكية حالياً السيطرة على 90% على الأقل من الاحتياطيات النفطية الموجودة في العالم.
• أصبح سعر برميل النفط الواحد في حدود 75 دولاراًَ، وتشير الدراسات إلى أنه سوف يصل إلى حدود 150 دولاراً في العامين القادمين.
• البنيات التحتية الضرورية لإنتاج وإمداد الأسواق العالمية في البلدان غير العضوة في منظمة الأوبك، سوف لن تكتمل قبل عام 2010م.
• النفط الأفريقي برغم وفرته، إلا أنه ميئوس منه بسبب النزاعات والحروب الأهلية، والتي لو حاولت البلدان الغربية وأمريكا التدخل لإخمادها، فإن ذلك سوف يكلفها نفقات تفوق قيمة النفط الإفريقي نفسه بعدة أضعاف..
• أصبحت أمريكا اللاتينية أكثر (إزعاجاً لأمريكا)، لأن دولها النفطية أصبحت أكثر تمرداً على الهيمنة النفطية التي ظلت تمارسها أمريكا وشركاتها الكبرى: الإكوادور قامت بطرد شركة بتروليوم أوكسيديتنال وقامت بإلغاء تعاقداتها، بوليفيا أعلن رئيسها بتأميم حقول النفط والغاز لصالح الاقتصاد الوطني البوليفي وقام بنشر قوات الجيش البوليفي في 53 حقلاً نفطياً، وأمر الشركات الغربية إما بالخروج ومغادرة بوليفيا، أو إعادة التفاوض مع الحكومة البوليفية وفق (شروط جديدة). فنزويلا قامت بممارسة المزيد من الضغوط على الشركات والحكومات الغربية، وكان آخرها مصادرة بعض الحقول النفطية وطرد شركتي توتال وإبني.
أما في آسيا الوسطى، فما يزال الأمر معقداً بعد انضمام دول آسيا الوسطى الغنية بالنفط إلى منظمة شنغهاي التي يتزعمها كل من الصين و روسيا..
وهكذا، سوف يكون محور الصراع على النفط حصراً في الشرق الأوسط والشرق الأدنى، وبالتالي سوف تزداد الضغوط والاضطربات من جراء تزايد توجهات القوى الغربية بقيادة أمريكا لنهب موارد الشرق الأوسط النفطية، .. ويبدو أن حسم هذا الأمر بشكل نهائي يرتبط بحسم (الملف الإيراني) الذي قارب على النهاية.
الجمل
إضافة تعليق جديد