الصورة في تجربة حاتم علي
حققت الدراما السورية تقدماً ملحوظاً في العملية الاخراجية للسيناريو وذلك من خلال الاهتمام بالشكل الفني والاشتغال على صورة موازية للنص المكتوب ولا يخلو ذلك من بحث عن هوية خاصة لكل مخرج حيث البحث عن الفرادة احدى سمات الاخراج، وقد تم الامساك بعناصر الصورة البصرية للدراما لدى عدد من المخرجين في حرفية عالية ونذكر على سبيل المثال لا الحصر: نجدت انزور ، هيثم حقي ، ،باسل الخطيب، بسام الملا، حاتم علي، شوقي الماجري، محمد عزيزية...الخ.
يبرز المخرج حاتم علي وسط هذا النوع الاخراجي بخطوات واثقة لا تخلو من التجريب الابداعي ، حيث في كل عمل جديد اضافات جمالية في الصورة ، وقد توضحت سمات الصورة الاخراجية والتي استمرت مع السلسلة التاريخية ( صقر قريش، ربيع قرطبة، ملوك الطوائف..) التي كتبها د. وليد سيف الذي قدم الرواية التاريخية بامتياز وبشكل مبدع واتقان في رسم الشخصية بكل تفاصيل عالمها الداخلي والنفسي ، ومشغولاً بتحولاتها في السياق الروائي ، وامام سيناريو وليد سيف المكثف والمعتنى به، استطاع حاتم علي تجسيده بصرياً بنفس تلك العناية والحرفية العالية.
في قراءة الصورة لدى المخرج في اعماله عموماً ، يتخذ البورتريه عنصراً رئيسياً في الكادر مانحاً له دلالاته المختلفة تبعاً للحدث والموقف وينفذ في التصوير المقرب للوجه الى الجوانية الداخلية للشخصية، يضاف الى ذلك الاشتغال على حركة الجسد داخل الفراغ بالتوازي مع التحريك الهادىء لحركة الكاميرا وفي الغالب يتخذ حاتم علي تكوينا متزناً يكون فيه خط الافق في منتصف الكادر بقليل من الاقتراب من الزاوية العلوية او السفلية لعين الكاميرا اذا اقتضى التوظيف ذلك.
في الاعمال المعاصرة وخاصة في السنوات الاخيرة يلجأ حاتم علي الى ادخال الواقع بعناصره المختلفة الى الكادر: الاحياء الاسواق، الناس، بتفاصيل حياتهم اليومية، ومن خلال ذلك يدخل الى مكان الحدث احياناً ليكون بذلك اكثر واقعية والصورة هنا تبدو مختزلة واكثر بساطة وكان واضحاً في /احلام كبيرة/ حيث دون ان تشعر وكأنك موجود داخل الحدث وتعيش مع الشخصيات وكأنهم جزء من حياتك اليومية وكان تجريبياً في حركة الكاميرا احياناً ، فيعمل بعض الارتجاج الخفيف لها ويحركها من شخصية لأخرى دون مونتاج ، حاول المخرج في هذا العمل ادخال المشاهد الى الشاشة وبالتالي الى الحدث، وبمزيد من الاصرار على هذا الفهم للصورة يعمل في عمله الاخير/ على طول الايام / الذي يعكس عمقاً في قراءة الصورة وعناصرها ويتجدد التأكيد على البورتريه وغالباً ما يأتي على يمين الكادر أو يساره تاركاً العمق أو المجال لعناصر أخرى، وفي الغالب تأتي الدرجة الضوئية لعناصر الصورة طبيعية إلا في بعض الحالات الموظفة تبعاً للموقف أو الحدث، فعندما تكون (صفية) في حيرة من أمرها أو منقسمة على ذاتها تأتي الاضاءة من جانب واحد وقبيل انتحار (إياد) كانت الاضاءة تظلله بالسواد كتمثال من المعدن، ويتعمد المخرج علي تقسيم الكادر الى عدة أجزاء بغية الاحاطة بالحدث أكثر، وهي طريقة للانتقال من مشهد لآخر.
ثمة تفاصيل كثيرة لا يمكن بحثها جميعاً لطول الأعمال الدرامية بالمقارنة مع الفيلم السينمائي، ولكن يمكن التنويه في (على طول الأيام) لدلالات مختلفة، مثل(الهاتف الأحمر) في منزل لمى وحضوره المؤثر، وفي اللحظات الصعبة لصوت طنين الساعة وقد لاننتبه الى تضييق الكادر في لحظات انفعالية ما، وفي العموم يبدو حاتم علي في /على طول الأيام/ وبعد طول أيامه في العمل الاخراجي وصل الى صياغة بصرية للمشهد متقنة، مختزلة، شفافة، فلا تشعر بالزمن الذي جلسته أمام الشاشة الا ومر سريعاً.
سامر اسماعيل
المصدر: البعث
إضافة تعليق جديد