الصحف السورية : هل ستدفع ثمن الحرب أيضا؟!
اقامت صحيفة النور السورية قبل أيام احتفالا بسيطا بمناسبة مرور خمسة عشر عاما على إعادة إصدارها، ولكن الخبر ليس هناـ فقبل أسابيع من هذا الاحتفال البسيط اتخذت الصحيفة خطوة صعبة هي تخفيض عدد صفحاتها، فيما توقفت صحف أخرى تصدرها أحزاب سورية بدعم حكومي بدأ منذ لحظة الصدور، وخاضت التجربة دون أن تتمكن من إيجاد مصادر أخرى تجعلها أكثر استقلالية وقوة على الاستمرار .
والحديث عن صحيفة النور هنا يجعل من السهل الدخول إلى مسألة أثر الحرب على الصحافة، فهي ــ أي صحيفة النور ــ ابنة المرحلة الديمقراطية المزدهرة في الصحافة السورية في الخمسينات، بل هي آخر ما تبقى منها ، لذلك كان قرار هيئة تحريرها الأولى التي كان دانيال نعمة رئيسها : إنها ستبقى مفتوحة لكل التيارات رغم أن الحزب الشيوعي الموحد هو الذي يصدرها، فلماذا أقدمت النور على تخفيض صفحاتها؟ ومن من الصحف أقدم على خطوة مماثلة؟ وماهو أثر مثل هذه الأشياء على الإعلام السوري بشكل عام ..
هذا يجعلنا نسأل : هل هو أثر الحرب على الصحافة ؟! وإلى أين تتجه الصحافة الورقية في سورية؟ أما السؤال الذي يتعلق بمهنيتها ونجاح أدائها وأمراضها فسنتركه لوقت آخر .
نعم . أثرت الحرب على كل شيء، فكيف لاتؤثر على الصحافة..
اضطرت الحكومة السورية، تلقائيا، وضمن خططها في التعامل مع الاقتصاد الذي تلقى ضربات موجعة منذ اندلاع الحرب، إلى تقنين المدفوعات للصحف الرسمية، وخاصة الثورة وتشرين، ولم تعد الموازنات المخصصة هي نفسها، تراجعت رغم أن المنطق يقول إن من المفترض زيادتها نتيجة لتراجع سعر صرف الليرة السورية ، وإلا كيف سيتمكن صحفي استقصائي متابعة التحقيق الذي يعمل عليه إذا كان مردود التحقيق لايؤمن له ثمن القهوة والعصير والمواصلات التي يحتاجها ؟!
تراجع التمويل الحكومي للصحافة والإعلام بشكل واضح وغير خجول، وربما نجت صحيفة البعث فقط من ذلك، وقد لا تكون قد شعرت بهذه الأعباء لأن الجهة التي تؤمن لها التكاليف ليست حكومية بل هي ((حزب البعث)) نفسه ، وهو ينبغي أن يكون قادرا على حمل هذا العبء نظرا لاتساع عدد أعضائه ومخزونه المالي الكبير .
هناك صحف حكومية محلية توقفت منذ سنتين عن الصدور في المحافظات، وتحولت إلى صحف ألكترونية، ولم يثر ذلك لغطا كبيرا، وهناك صحف خاصة تراجع صدورها ، ثم انطفأت شعلتها المتوهجة كصحيفة ((بلدنا)) التي حاولت التميز في شكلها ونوعها وطريقة الكتابة فيها عندما أطلقت أعدادها الأولى وحاولت استقطاب عدد من الكتاب المرموقين..
وكذلك لم يثر ذلك ردود فعل مهمة !
كان يمكن ملاحظة مؤشرات خطرة على الأداء الصحفي للصحف الحزبية التي دعمتها الحكومة، فهي لم تكن مقروءة إلا على صعيد أعضاء الحزب بل كانت تخصص أغلبية الصفحات لنقل مافكر فيه أمين عام الحزب الذي تصدر عنه والباقي كان عبارة عن ملء فراغات، لكن هذه المؤشرات لم تكن تعني شيئا من قبل ، أما الآن فهي تعني الكثير .
كان يمكن أن يكون القرار الحكومي صائبا لو أنه أعتمد على هذا الجانب وأبقى الدعم للصحف الناجحة التي كانت تصل إلى الناس والتي تؤدي دورا مهنيا ينبغي أن لايفقده المجتمع مهما كان حال البلاد، لكن الذي حصل كان شاملا !! ..
عمليا شمل وقف الدعم كل صحف أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية التي منحت فرصة تاريخية لتشكيل إضافة جديدة في تاريخ الصحافة في البلاد، فنجح بعضها، وفشل الباقون.
ردود الفعل الأولى كانت متناقضة: هناك صحف تعاملت مع الموضوع بجرعة صبر وهناك من توقف وهناك من يكابر ، والملفت أن هناك حديث عن استمرار بعض الصحف دون أن يتأثر شيء في أدائها كصحيفة (الميثاق) التي يُصدرها حزب الاتحاد الاشتراكي التي قيل أنها ستحافظ على طباعة ألفي نسخة ومثلها صحيفة (الفجر) التي يُصدرها الحزب الوحدوي الديمقراطي، وصحيفة (الوحدوي) التي تصدر عن حركة الوحدويين الاشتراكيين ..
أما صحيفة (النهضة) فقد توقفت ، وظلت صحيفتا (اليقظة) التي يُصدرها الاشتراكيون العرب و(آفاق) التي تصدر عن حزب العهد الوطني مستمرتان في الصدور بأعداد رمزية و خفّضت صحيفة (النور) التابعة للحزب الشيوعي، كما أشرنا، عدد الصفحات للنصف، هذه الإجراءات الأولية لاتدل أبدا على نجاح الصحف أو عدم نجاحها، ولاتدل على قوة الحزب الذي يصدرها أو ضعفه، وإنما هي مجرد مواقف تحتاج إلى فترة زمنية لمراجعتها من جديد أمام الضغط الاقتصادي الذي تعاني منه البلاد..
ومن المفيد هنا الإشارة إلى تجربة صحيفة قاسيون التي يصدرها حزب الإرادة الشعبية (قدري جميل) ، وهي تجربة مهمة حققت نجاحات واضحة في البداية ، ولاتزال تبني عليها ، وصحيفة قاسيون معارضة ولاتتلقى أي دعم حكومي ..
أيضا هناك تجربة القوميين السوريين الذين لجأوا إلى بيروت فأصدروا صحيفة البناء، وعهدوا إلى ناصر قنديل برئاسة تحريرها، وبذلك تحملوا أعباء مالية قادرة على تمويل كل صحف حلفائهم في الجبهة !
الصحيفة السورية التي لم يبدو عليها أي أثر لمثل هذه الضغوطات حتى الآن هي صحيفة (الوطن) السورية، وهي صحيفة شبه مستقلة لكن مهنيتها جعلتها الأكثر تداولا..
عماد نداف: بوابة الشرق الأوسط الجديد
إضافة تعليق جديد