الشارع الأردني يفاجئ الملك: رسالة إلى الداخل والخارج

15-11-2012

الشارع الأردني يفاجئ الملك: رسالة إلى الداخل والخارج

لم تنجح خطة النظام الأردني هذه المرة، إذ لم يستطع الملك عبدالله الثاني إلهاء الاردنيين بانتخابات تشريعية يقول معارضون إن نتائجها ستكون معروفة مسبقاً. وبالرغم من أن الملك قد جمّد في وقت سابق قرار رفع الأسعار تفادياً لغضب الشارع، إلا أن «صندوق النقد الدولي» كان الآمر الناهي هذه المرةالشرطة الأردنية تلقي القبض على محتجين خلال تظاهرة في وسط العاصمة عمان أمس (أ ب) .. فكان انفجار الغضب في شوارع عمّان وباقي المحافظات مفاجئاً، في رسالة تحذير من الشعب الأردني للداخل من جهة، ولأنظمة عربية أخرى قد تختار تفضيل مصالح المؤسسات النيوليبرالية العالمية على حساب شعوبها، في الوقت الذي تستعد فيه الحكومة المصرية، التي يقودها «الإخوان»، لإجراءات اقتصادية مماثلة في سياق المفاوضات التي تجريها للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي.
ومنذ مساء يوم أمس، بدا أن الشعب الأردني قد حسم خياره بعدم تمرير قرار رفع الدعم عن أسعار الوقود وهي الوصفة الاقتصادية التي غالباً ما يفرضها صندوق النقد الدولي على الحكومات كشرط للاستدانة فخرج الآلاف في تظاهرات غاضبة، أعادت إلى الأذهان انتفاضات شعبية مماثلة شهدها الأردن منذ نهاية الثمانينيات، وإن أتت هذه المرة في ظل زلزال عنيف يهز العالم العربي منذ الثورتين التونسية والمصرية.
ومن المعروف أن النظام الاقتصادي الأردني يتصف بالتبعية للمنظمات الاقتصادية والنقدية الدولية، ولديون الدول المؤثرة وشروطها التي لا تنتهي.
وبالرغم من محاولاته الدؤوبة منذ فترة طويلة لتحضير الشعب لقرار رفع الدعم، الذي يصفه عضو «حزب الوحدة الشعبية الديموقراطي» هادي خيطان لـ«السفير»، بأنه «نابع من توجه أميركي»، عن طريق «التجييش الإعلامي» الهادف إلى امتصاص غضب الناس، إلا أنه تفاجأ فيهم في الشارع، لا يطالبون بتجميد القرار فقط، بل بإسقاط النظام.
ولطالما استخف النظام الملكي الأردني بشباب أمضوا السنة الماضية في تظاهرات بانتظار الشرارة الأوسع لتحركهم، وهم على علم بأن القرار الأخير لا يمثل سوى النظام الاقتصادي الفاسد. ومن سخرية الأمور أن رئيس الحكومة عبدالله النسور لم يجد حجة سوى أن يتهم «الحراك الشعبي الأردني» و«الربيع العربي» بالوقوف وراء ارتفاع الأسعار.
ويبدو أن النظام الأردني ليس مستعداً للتخلي عن نظامه الاقتصادي، وهذا ما يعوّل عليه الأردنيون أو الداعون منهم إلى تغيير النظام، حيث يقول الكاتب الأردني محمد فرج لـ«السفير» إنه «منذ البداية كان الرهان الأساسي على المزيد من استفزاز السلطة، فالنظام لم يغير من سياسته الاقتصادية القائمة على مدرسة النهب المنظم»، وهو كعادته «حاول إلهاء الناس بالانتخابات التشريعية على أساس أنها خاتمة الملف الإصلاحي»، ولم ينجح.
لكن المفاجئ بالنسبة إلى فرج، هو توقيت قرار رفع الأسعار، أي قبل موعد الانتخابات، ما يطرح برأيه تساؤلات مرتبطة أساساً بعلاقة النظام مع جماعة «الإخوان المسلمين»، ويختصرها بالتالي: «هل يكمن رفع الأسعار في سياق ترتيب أميركي إخواني مع النظام، يهدف بدرجة أولى إلى إدارة الخلاف الناعم بين الإخوان والنظام؟ وهل النظام في حاجة إلى حدث يتمكن من خلاله من تأجيل الانتخابات ليعود ويجلس على طاولة المفاوضات مع الإخوان؟».
ويلفت فرج بشكل خاص إلى أن السياسة الاقتصادية لـ«الإخوان المسلمين» لا تختلف عن سياسة النظام، خصوصاً أن ملف الأسعار لم يكن يوماً على لائحة اهتمام الجماعة، وبالتالي فيجب تفادي ما حصل في مصر وتونس منذ الآن، «فأي احتمال لانتفاضة شعبية يجب أن يتعزز بعيداً عن الجدل السياسي القائم بين الإخوان والنظام، وبالتالي تشكيل جبهة شعبية بعيداً عنهم».
لكن خيطان لا يوافق تماماً على هذا الطرح، فبالنسبة إليه، وبالرغم من التخوف الدائم من «التفاف الإخوان المسلمين على الحراك» حاضراً ومستقبلاً، فإنّ من الأنسب الآن التركيز على البعد الاقتصادي للمطالب، والتعامل مع الجانب السياسي في وقت لاحق.
أما موقف جماعة «الإخوان المسلمين» في الأردن، فعكسه نائب المراقب العام زكي بني أرشيد في حديثه إلى «السفير»، حيث يؤكد عزم الجماعة على البقاء في الشارع والمشاركة في الفعاليات الحالية كافة، إلى حين تراجع الحكومة عن قرارها.
ورداً على سؤال حول احتمال إصرار الشباب الأردني على مطالبه بإسقاط النظام حتى وإن تراجعت الحكومة عن قرارها، لفت بني أرشيد إلى أن «التجارب السابقة تثبت عكس ذلك، فقد سبق وصدر قرار برفع الأسعار، وسارعنا إلى الشارع، ولكن ما لبث أن عاد الهدوء بعد وقف العمل به».
ويبدو أن «إخوان» الأردن يكررون في ذلك تجربة «إخوان» مصر، الذين لم يشاركوا في الثورة المصرية إلا بعد ثلاثة أيام، أي بعدما وجدوا أن ميزان القوى يميل ناحية ثوار ميدان التحرير، وهو أمر قد يتكرر في الأردن، بنظر فرج، الذي يقول إن «حضورهم («الإخوان») في اعتصام دوار الداخلية أمس الأول لم يمثل عشرة في المئة من قوتهم».
ويبدو أن اعتصام دوار الداخلية قد فرض نفسه على «الإخوان المسلمين»، فهم الرافضون دائماً لمطالب إسقاط النظام، وجدوا أنفسهم في اليومين الماضيين، محاطين بجموع غاضبة تطالب بإسقاط النظام.
وبحسب خيطان، فإن الهتافات تصاعدت من «خبز، حرية، عدالة اجتماعية»، إلى «الشعب يريد إسقاط النظام»، حتى أن الهتاف الموّجه عادة إلى الملك والذي يطالبه بالتغيير، غاب هذه المرة.
ومن اللافت، بحسب فرج، أن وجود «الإخوان» في المحافظات أقل من العاصمة عمان، والمحافظات هي التي تشهد اليوم «الانفجارات الكبيرة»، ما يعني أنهم حتى الآن ليسوا فاعلين في حراك الشعب الأردني، بل «إنهم في حالة انتظار، فمجرد ما يقبل النظام بأحد شروطهم، ستجدهم يضعون الحراك جانباً».
هذا الأمر يعكسه كلام بني أرشيد، وإن عن غير قصد، فهو يشدد على أن مطالب جماعته «إصلاحية»، موضحاً «نحن نتمنى إصلاح النظام، ولم يحصل تغيير حتى الآن يجعلنا نغير موقفنا هذا»، ليعود ويؤكد أن المطلب الأساسي للجماعة اهو تعديل قانون الانتخابات، و«الجلوس على طاولة حوار وطني مع النظام».
وإذ لم يستطع فرج توقع ما ستؤول إليه الأمور - باعتبار أن الأردن طالما شهد «زوبعات» احتجاجية - فإنه يصف ما حصل بـ«المشهد الاستثنائي»، فيما يطرح خيطان سيناريوهين، الأول هو أنه في حال لم يتم التراجع عن القرار، فإن الأمور تتجه نحو التصعيد، «فقد أصبحت الناس مقتنعة بأن رأس النظام يمثل الفساد، وبالتالي إن استمر الوضع كما هو، فالتغيير قادم لا محالة». أما السيناريو الثاني، فيتمثل بتراجع الحكومة عن القرار، ولكن الشعب الآن يعرف «طريق الشارع»، وهو بالتالي سيعزز ثقته بأنه قادر على فرض القرارات والتغيير، بحسب خيطان، الذي يعود ويؤكد أنه «في المرة الأولى التي رفعت فيها الأسعار، تم تجميد القرار من الملك، لكنه صادر اليوم بأمر من صندوق النقد الدولي، وبالتالي فإن الملك مشترك فيه ومن الصعب عليه تغييره».
ويتفق كل من فرج وخيطان على أن الانتخابات المرتقبة تهدف إلى نقل الملف الاقتصادي إلى السياسي، وربطه بالوضع السوري والفلسطيني الداخلي.
وبحسب خيطان، «فإن السعودية تطلب من الأردن فتح حدودها لمواجهة الجيش السوري»، أما الولايات المتحدة وحلفاؤها فيطلبون «ضم الضفة الغربية إلى الأردن».
وعليه، فإن أي تغيير في الأردن، لا بد أن يرتبط بخطة بديلة أميركية تحديداً، قد تتمثل بـ«الإسلام السياسي» و«الإخوان المسلمين» تحديداً، الأمر الذي شاهدناه فعلاً في مصر وتونس، والأردن ليست ببعيدة، إلا إن استبق الأميركيون الوضع وصالحوا النظام و«معارضته الإخوانية».

ربى الحسيني

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...