الرأسمالية مسؤولة عن جوع العالم
بعد مرور قرابة عقدين على بدء ظاهرة "العولمة" التي تعيشها المجتمعات البشرية على سطح الكرة الأرضية، وتسليم جميع المنظرين بفرضيات سقوط دور الدولة كناظم للإنتاج والتوزيع، تعود نظريات مؤسس الاشتراكية العلمية، كارل ماركس، إلى سدة الأحداث من جديد بعدما بدأت تلوح في أفق البشر نُذر أزمة غذاء عالمية.
ففكرة "الجوع" الذي يهز الشرائح الفقيرة ويدفعها إلى تحطيم قيود "الملكية الفردية" للحصول على لقمة العيش كانت حتى الأمس القريب تعتبر من إرث الأدبيات اليسارية البائدة، لكن بعض أوجه تشخيص ظاهرة أزمة الغذاء كما طرحها ماركس عادت لتكتسب مصداقية علمية.
فقد سبق للمفكر الألماني الأصل أن حذّر بأن الرأسمالية تميل إلى توليد أزماتها الذاتية، وبالتالي فقد يكون انتشار الرأسمالية على مستوى العالم وتحفيزها عمليات الإنتاج الصناعي وخلق الثروات قد قاد بالفعل إلى مشكلة نقص المعروض من الغذاء.
فطفرة التصنيع زادت الطلب على الموارد المحدودة، والنمو المتسارع للصين والهند خلال العقدين الماضيين وظهور طبقة وسطى كبيرة فيهما، تكاد تعادل من حيث الحجم عدد سكان الولايات المتحدة، رفع الطلب بشدة كما هو الحال في سوق النفط حيث وصل الإنتاج العالمي إلى ذروته.
أما على صعيد الغذاء، فإن أفراد تلك الطبقة المترفة الجديدة يحصلون على كميات من الغذاء تفوق الأجيال السابقة، وخاصة على صعيد تناول اللحوم.
ولتأمين ذلك لا بد من تخصيص كميات متزايدة من المزروعات كعلف للماشية مما يخلق ضغطاً كبيراً على إمدادات الحبوب والخضار، إلى جانب استخدام المزروعات لصنع الوقود الحيوي.
وانعكاساً لهذه الأفكار، شاهد العالم كيف تحركت الجموع الحاشدة من الجياع في هاييتي ومصر وساحل العاج والكاميرون وموزمبيق وأوزبكستان واليمن وإندونيسيا وفقاً لأسوشيتد برس.
ويعتقد الخبراء أن السلوك الاجتماعي للمظاهرات التي تخرج في زمن الأزمات الغذائية واحد حول العالم، فالمطالب تكون عامة وسلمية، حيث يشعر المشارك في التحرك بضرورة تمرير رسالة مفادها حاجته للمساعدة في سبيل الحصول على الطعام.
لكن هذا السلوك المسالم سرعان ما ينقلب إلى حالة صدامية إذا ما أدرك المتظاهر أن الاحتجاج لن يجلب له أو لأطفاله رغيف الخبز فينتقل بعدها إلى مهاجمة مخازن الطعام الزاخرة بمنتجات يراها دون أن يتمكن من تحمل سعرها فتسقط بذلك حواجز الملكية الفردية وتصبح سياط الشرطة وبنادق الأمن دون جدوى، هذا إذا ما يتعاطف رجال الأمن أنفسهم مع المتظاهرين.
ولهذا جاء التحذير الصارم لمدير البنك الدولي، روبرت زوليخ، الذي لفت إلى الأبعاد السياسية لأزمة الغذاء العالمية واستبعد أن تتولى آليات السوق الرأسمالية حلها بمفردها، الأمر الذي قد يفتح الباب أمام تدخل الدولة والعودة إلى النظريات القديمة التي يعتقد أن العالم قد ودعها للأبد.
المصدر: CNN
إضافة تعليق جديد