الدراما السورية في 2007 أقل من التوقعات والقادم أخطر

24-12-2007

الدراما السورية في 2007 أقل من التوقعات والقادم أخطر

يحار المرء من أين يبدأ برصده للدراما التلفزيونية السورية خلال عام 2007 لأن (حساب الحقل كان غير حساب البيدر) فالحقل كان في العام الفائت يانعاً مبشراً ببيدر أكبر ولكن الحصاد كان أقل من التوقعات والآمال وأجزم أن مسلسل (باب الحارة) كان المنقذ للدراما السورية على مستوى الجماهيرية والانتشار رغم كم الملاحظات الفنية التي طالته والتي لم يلق المشاهد لها بالاً. 
 وبالتأكيد لم يكن الموسم الدرامي في العام الذي ينوي الرحيل شراً كله ولكنه لم يكن أيضاً خطوة مهمة وجديدة في طريق طويل فالأعمال التي أنتجت في هذا العام باستثناء عملين أو ثلاثة وبنسب متفاوتة- جاءت أقل من المأمول لا بل إن بعض الأعمال التي بشر بها صناعها كان سقوطها مدوياً ودراماتيكياً وأغلق أبواباً أمام صناعها فالنوايا الحسنة لا تستطيع أن تعطي دراما متميزة فالطريق إلى جهنم مفروش بالنيات الحسنة ولكن اللافت هو تدخل السيد الرئيس الدكتور بشار الأسد وفي اللحظات المناسبة حيث مد يده الكريمة وانتشل هذا الخطاب القومي المهم من كبوة كادت تعيده سنوات إلى الوراء عندما وجه سيادته بشراء كل الأعمال السورية المنتجة وبأسعار تساعد المنتجين على الاستمرار وهذه كانت لفتة من المفترض أن يستوعبها هؤلاء المنتجون جيداً فالدولة تدخلت وبشكل فاعل لحماية واجهة من واجهات سورية الحضارية فكراً وثقافة ومن ثم غير مسموح لأحد من هؤلاء النيل من هذه الواجهة من خلال إنتاجات هزيلة تقلل من قيمة الدراما السورية.
واللافت أيضاً في الموسم الدرامي الفائت هو (هجرة) بعض رموز الدراما السورية إلى مصر سواء بشكل كامل أو شبه كامل فالفنان النجم جمال سليمان حافظ على وده مع الدراما المصرية الذي بدأ من خلال (حدائق الشيطان) وأتبعه بعمل آخر هو (أولاد الليل) لم يترك أثراً في ذاكرة الناس كالذي تركه حدائق الشيطان والأسباب كثيرة تبدأ من النص وتمر بظروف الإنتاج وتنتهي بوقت العرض والمحطة التي عرضته وخاصة أن الفضائيات العربية في رمضان كالنساء منها ما هو مغر بالمشاهدة ومنها ما هو منفر رغم المساحيق الكثيرة وكذلك جرب الفنان أيمن زيدان حظه في العوم ببحر الدراما المصرية وكاد يغرق وأنقذه تاريخه وماضيه المهم في هذه المهنة النبيلة وقد كان الموسم الفائت ثقيلاً على هذا الفنان فتجربته في مصر (عيون ورماد) لم تنجح وتجربته في سورية (رجل الانقلابات) لم تكن أفضل حالاً وحده المخرج حاتم علي خطف الإعجاب من خلال مسلسل (فاروق الأول والأخير) الذي جاء من الناحية الفنية واحداً من أهم الأعمال الدرامية العربية رغم أن المسلسل تعرض لسيل من الانتقادات التي رأت أنه تعمد تجميل التاريخ من أجل مستقبل على الأرجح أنه لن يأتي كما يريد المجملون وضرب تيم حسن الفنان السوري الشاب سقف النجومية بعد هذا العمل فنال عن جدارة جائزة أفضل ممثل عربي خلال عام 2007 وإذا ما استمر هذا الثنائي (حاتم علي وتيم حسن) بهذا النفس الجميل فالدراما العربية على موعد مع أعمال أهم وأفضل وما يميز الدراما السورية أيضاً في الموسم الماضي هو تراجع الدراما التاريخية خطوات إلى الوراء بسبب النصوص الرديئة وظروف الإنتاج السيئة وابتعاد صناع الدراما التاريخية السورية الحقيقيين عنها حيث جاء الجزء الثاني من مسلسل خالد بن الوليد مخجلاً، ومدمراً ومدللاً على مدى الاستسهال والعبث بالتاريخ العربي المضيء وإذا كان الجزء الأول من العمل قد أثار موجة ساخطة من الانتقاد لجهة النص والمغالطات التاريخية الموجودة فيه إلا أن الجزء الثاني مر وكأنه لم يمر فمنذ الحلقات الأولى للعمل انصرف المشاهد عنه غير آسف ولسان حاله يردد لو كان خالد بن الوليد بهذه الصورة ما استطاع فتح باب بيته فكيف به وقد فتح بلداناً وقوّض إمبراطوريات وكذلك هو الحال في العمل التاريخي الآخر (عنترة بن شداد) الذي كان يحتاج لسنوات بحث مضن لا إلى شهور من النبش العشوائي وكانت النتيجة سقوط العمل وخروجه من الحلبة دون أن يحتاج إلى ضربة قاضية.
أما مسلسل (سقف العالم) للمخرج نجدة أنزور فقد كان سقفاً من دون عالم، كان سقفاً لصناعه على الأقل في مجال التلفزيون ويبدو أنه سيكون المسلسل الأخير لمخرجه بعد انصرافه إلى السينما. ومن المعالم البارزة في العام الفائت هو تدخل الرقابة بقوة حيث أوقفت عرض مسلسل (ممرات ضيقة) ومسلسل (الحصرم الشامي) وقدمت مبرراتها والأسباب التي دعتها إلى ذلك حيث يبدو أن البعض أراد رفع سقف الرقابة بشكل أسقطه على رأسه.
ومن معالم الموسم الدرامي الماضي هو انخفاض عدد المسلسلات المنتجة قياساً بأعوام سبقته الأمر الذي عده بعض النقاد وضعاً طبيعياً حيث شهد الإنتاج الدرامي السوري في عام 2006 قفزة في المجهول من حيث الإنتاج حيث تجاوز عدد المسلسلات الأربعين مسلسلاً، وهذا الأمر حمل الدراما السورية أكثر مما تحتمل فكان لابد أن (تمد رجليها على قد لحافها).
إذا استثنينا مسلسل (باب الحارة) نالت بعض المسلسلات الناجحة متابعة جيدة واهتماماً، ولعل مسلسلات (رسائل الحب والحرب) و(أسير الانتقام) و(ظل امرأة) أبرز هذه الأعمال حيث نال العمل الأول الجائزة الفضية في مهرجان القاهرة للإعلام العربي ونال أكثر من ممثل شارك فيه جوائز في المهرجان كما كان الثاني وهو أسير الانتقام من الأعمال التي نالت مراكز متقدمة في استطلاعات الرأي ولا ننسَ مسلسل (على حافة الهاوية) وتميز الموسم الدرامي في عام 2007 بدخول عدد من الكتاب والمخرجين إلى صفوف الدراميين على الرغم من أن تجاربهم جاءت متواضعة المستوى وأبرز المخرجين الجدد رامي حنا الذي أخرج مسلسل (عنترة بن شداد) وغسان عبد الله مخرج مسلسل (خالد بن الوليد) وإيناس حقي مخرجة مسلسل (زمن الخوف).
من المحطات البارزة أيضاً اندلاع خلافات فنية هنا وهناك الأمر الذي سيترك ظلاله على المواسم القادمة ولعل خلاف الفنانة سلاف فواخرجي وزوجها وائل رمضان ووالدتها ابتسام أديب مع المخرج نجدة أنزور أبرز هذه الخلافات التي وصلت إلى القضاء وكانت مادة دسمة للصحافة السورية والعربية.
وتبقى الظاهرة الأبرز في العام الماضي على صعيد الدراما السورية هي مسلسل (باب الحارة) الذي فاجأ حتى صناعه هذا الاهتمام والمتابعة والتي لم يكن لها نظير في تاريخ الدراما العربية على الأقل في السنوات التي انقضت من القرن الجديد وقد كان هذا النجاح محرضاً لإنتاج جزء ثالث بدفع واضح من محطة الـ MBC فكان الشقاق بين الشركة المنتجة والمخرج بسام الملا الذي شرع بالفعل بالتحضيرات النهائية ووقع عقوداً مع نجوم الجزء الثاني ومن المتوقع أن يبدأ التصوير في شهر شباط القادم.
واللافت أيضاً هو ازدهار وترسيخ ظاهرة إيجابية وهي تكريم الدراميين السوريين وقد قامت جهات خاصة ورسمية بتكريم الأعمال الناجحة ونجوم هذه الأعمال.
ودون شك تأثرت الدراما السورية وخاصة من حيث التسويق والمشاهدة بعودة بعض الروح للدراما المصرية التي رقدت في غرفة العناية لأكثر من عقد من الزمان وقد استعانت بأطباء سوريين للخروج من هذه الحالة. كما تأثرت الدراما السورية بصعود الدراما الخليجية غير المفاجئ ويبدو أن المستقبل سيكون ساحة منافسة حقيقية بين الدراما السورية والمصرية والخليجية فالدراسات تؤكد أن المستقبل سيكون للدراما الخليجية مستفيدة من حجم الإنفاق الإعلاني الكبير ووجود الفضائيات العربية الكبرى في صفها وهذا الأمر يرتب على الدراميين السوريين أموراً عدة ومنها العودة إلى الجدية للعمل وإطلاق فكرة الورشة في الكتابة والإخراج، والدراما السورية باتت بحاجة إلى مرجعية قوية تكون بمنزلة (الشرطي) المنظم والمحرر للمخالفات القاسية بحق المتطفلين الذين أصبحوا (طابوراً خامساً) وخراب الدراما السورية سيكون على أيديهم.
ملامح العام الدرامي القادم لم تتبلور بعد ولكن يبدو أن النزف الذي تعاني منه الدراما السورية سوف يستمر وخاصة أن أسماء مهمة أخرى تنوي القفز من سفينة الدراما السورية إلى سفن أخرى.

محمد أمين

المصدر: الوطن السورية

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...