الانتخابات الفرنسية بين تأمرك ساركوزي ويسارية رويال
لم يعد ثمة مجال للشك في أن الانتخابات الرئاسية الفرنسية ستكون متميزة عن سابقاتها، مع ميل أبرز مرشحي اليسار واليمين إلى القطيعة مع أحزابهم التقليدية: فوزير الداخلية الحالي نيكولا ساركوزي، أبرز مرشحي اليمين، يمتدح النموذج الأميركي، وسيغولان رويال، المرشحة الأوفر حظا حتى الآن بين الاشتراكيين، تريد إخراج حزبها من تقليده منتقدة السياسة الاميركية. والاهم من هذا وذاك أن خصوم المرشحَّيْن يتربصون بهما داخل أحزابهما وليس في الاحزاب المنافسة.
ففي حديث لصحيفة لوموند المستقلة، نشر قبل يومين، يقول ساركوزي الذي يرأس حزب الاتحاد من اجل الحركة الشعبية اليميني أنه معجب تماما ب طاقة ومرونة النظام الاميركي . ويشرح ساركوزي أسباب إعجابه معدداً ومفصّلاً موجبات كثيرة وخاصة الاقتصادية منها، تفرض على فرنسا إقامة تحالف عضوي مع الولايات المتحدة، ينسحب على مجالات مختلفة: بدءاً بمكافحة الارهاب مروراً بوصف حزب الله ب الارهابي ، ووصولا الى التأكيد على وجوب حماية اسرائيل لانها نموذج ديموقراطي فريد في المنطقة ونعرف جميعا في اية ظروف تأسست هذه الدولة . وخلاصة ما يريد ساركوزي قوله هو أن النمط اليساري في معاداة الولايات المتحدة يستند الى جهل والى موقف متعصب، وليس الى الحقائق والمصالح.
وتطرح مواقف ساركوزي هذه جملة من الاسئلة حول التأثير الحقيقي للولايات المتحدة والجالية اليهودية على السياسة الداخلية الفرنسية. وكان الرئيس الفرنسي جاك شيراك نفسه تعمد اصطحاب مسؤولين كبار في الجالية اليهودية الفرنسية إلى الولايات المتحدة، حين اشتدت وطأة الضغوط الاسرائيلية عليه بعد موقفه من الحرب الاميركية على العراق. وقام شيراك بخطوات كثيرة لارضاء هذه الجالية، فكان اول رئيس فرنسي يعترف مثلا بالمسؤولية التاريخية لفرنسا في نقل يهودها الى معاقل ومحارق النازية، خلال الحرب العالمية الثانية.
وتسبق مواقف ساركوزي زيارته التاريخية الى واشنطن، فيما تأتي بعد سلسلة من الانتقادات الاشتراكية واليسارية الفرنسية للسياسة الاميركية خلال الحرب على لبنان.
وعلى أهميتها، فإن السياسة الخارجية الفرنسية حتى الآن تحمل تأثيراً محدوداً على الانتخابات الرئاسية. إذ تتركز البرامج الحزبية والتصريحات الانتخابية، قبل بضعة أشهر من الانتخابات التي تجري عادة في شهر أيار، على الشؤون الاجتماعية والاقتصادية. لكن اللافت هذه المرة هو حجم التركيز على ضرورة القطيعة مع الماضي، سيما وان اللوبي الاقتصادي يضغط باتجاه المزيد من التحرر والليبرالية والخصخصة.
من جهة أخرى، نجد ساركوزي ينسف جزءاً كبيراً من التاريخ اليميني المعتدل، رافضاً تصنيف نفسه في أي خانة سابقة، ومكتفياً بالاشارة بين الحين والآخر الى الصورة الديغولية الجميلة. بدورها، تعبر خصمه سيغولان رويال عن قطيعة مماثلها داخل حزبها الاشتراكي، مقدمة نفسها كنموذج حديث يخاطب الجيل الجديد.
وبين ساركوزي ورويال، تتحرك الآلة الداخلية في كل حزب لضرب هذين المرشحين اللذين يبدوان الاوفر حظا حتى الان: فساركوزي لا يزال يتعرض لهجمات رفيقه المفترض في اليمين، الديغولي رئيس الوزراء دومينيك دوفيلبان. وهو مدرك تماما ان شيراك لن يقبل به الا على مضض، ويسمع كل يوم أصواتا ترتفع داخل اليمين نفسه تنتقد شعوبيته او تذكره بانه خان يوما شيراك حين اصطف الى جانب المرشح الاخر لليمين التقليدي ادوار بالادور، او تشير الى الى ان وعوده غير قابلة للتطبيق.
أما في اليسار، فإن الفيلة التاريخية للحزب الاشتراكي يريدون نهش اللحم السياسي الطري لسيغولان رويال، التي قد تصبح اول رئيسة لفرنسا. وتتعدد مصادر الهجوم: فالامين العام السابق للحزب الاشتراكي ليونيل جوسبان، الذي قاد الحزب واليسار إلى فشل ذريع في معركته الرئاسية السابقة مع شيراك، قد يعود إلى ساحة التنافس ويرشح نفسه قبل الثالث من تشرين الاول المقبل. وتمهيداً لذلك، ها هو ينتقد سطحية طرح رويال، تماما كما يفعل لوران فابيوس او دومينيك ستروس كان، فيما صديقها ووالد أطفالها الامين العام للحزب الاشتراكي، فرنسوا هولاند، يسعى جاهدا لرد ضربات اهل البيت عنها. ومن المنتظر ان يحسم الحزب اسم مرشحه في منتصف تشرين الثاني المقبل.
هو مشهد غير مسبوق في فرنسا، قد يجعل الانتخابات اكثر حرارة من ذي قبل. لكنه قد يطوي على الارجح صفحة كبيرة من التاريخ المستقل للدولة التي عرفت كيف تبقى زعيمة لاوروبا رغم قلة الامكانيات السياسية على الساحة الدولية، والتي كانت في عهد الرئيس شارل ديغول تعاقب اسرائيل حين تقصف مطار بيروت، وتتخذ اجراءات ضد واشنطن حين تغالي في هيمنتها.
سامي كليب
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد