الأسس الفلسفية للفكر النسوي

05-07-2006

الأسس الفلسفية للفكر النسوي

عن دار بيسان في بيروت صدر كتاب الباحثة الأردنية خديجة العزيزي بطبعته الأولى (حزيران2005) تحت عنوان: <الأسس الفلسفية للفكر النسوي الغربي> وفيه تتناول على مدى ستة فصول كل ما يتصل بالمذهب النسوي:
تاريخه، ومدارسه، واتجاهاته، وأطروحاته النظرية، ورؤاه الفكرية والفلسفية.
وبخصوص النشأة والتحديد، تقرّر الباحثة أن اصطلاح المذهب النسوي feminism. أطلق على الفكر المؤيد لحقوق النساء، والداعي إلى تحريرهن من القمع الذي تمارسه السلطة الذكورية. وكان قد بدأ في أوروبا في أواسط القرن التاسع عشر بصفته جزءاً من الخطاب التنويري، ثم انتقل إلى أميركا. ويتضمن الاصطلاح أن النساء مقموعات، وأن علاقات الجنوسة ليست ثابتة، ولا يصّح أن تُدرج في الاختلافات الطبيعية بين الجنسين، فضلاً عن انطوائه على ضرورة الالتزام بتغيير أوضاع النساء نحو الأفضل.
صحيح أن المذهب النسوي حديث النشأة، لكن الفكر الداعي إلى تحرير النساء موجود منذ تاريخ طويل، وتعود المقاومة التي أبدتها النساء ضد وضعية التبعية إلى القرن السابع عشر. ففي هذه الفترة حدثت تغيرات اقتصادية وسياسية كبيرة، أدّتْ إلى تغيّر العلاقات التقليدية التي حدّدت المجتمع ما قبل الصناعي. ومع تطور الرأسمالية الصناعية تغّير المعنى السياسي والاقتصادي للعائلة، وتمزّق مركز المرأة التقليدي فيها، وفي القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، كانت هناك دعوات لمفكرات وفلاسفة تطالب بحقّ مساواة النساء مع الرجال سياسياً وقانونياً، لكنّ هذه الأصوات بقيت تُسمع منفردة حتى أواسط القرن التاسع عشر، حيث حصلت متغيرات كبيرة مع الثورات الأوربية وتصاعد الديمقراطية، وقد استُخدم في هذه الفترة لأول مرة مصطلح المذهب النسوي، ليشير إلى جماعات متغايرة ومترابطة، تهدف جميعاً إلى الارتقاء بوضع المرأة ودعم مركزها بدفعة إلى الأمام.
وفي عام ,1960 حصل انبعاث جديد للفكر النسوي، وهو ما أُطلق عليه الموجة الثانية، التي عمّقت نقدها، ووسعت اهتماماتها، وأصبح معها المذهب النسوي يُطلق على فكر كلّ الباحثين والباحثات عن أساليب لإنهاء تبعية النساء، بغض النظر عن تباين المنطلقات البحثية. وإذا كان الفكر النسوي قد استخدم في موجاته المبكّرة، لغة الحقوق والمساواة، فإنه في أواخر عام 1960 أصبحت عبارات القمع والتحرير كلمات مفتاحية في العمل السياسي لليسار الجديد، ومع تزايد حركات التحرر، مثل حركة تحرر السود، وحركات التحرر في العالم الثالث وسواهما، كان من الطبيعي أن يدعو الفكر النسوي الجديد نفسه (حركة التحرير النسوية)، وقد رفضت المؤيدات لهذا الفكر نماذج القوة والسلطة الموجودة في المجتمع، ودعون إلى الاعتراف بالجماعات المهّمشة المقموعة، وإلى احتوائها واحترامها.
الفلسفة النسوية
أما في العقدين الأخيرين من القرن العشرين، فقد أصبح ممكناً القول: إن المذهب النسوي حاز درجة عالية من الاعتراف في عدد من الخطابات في الفلسفة والعلوم الاجتماعية والإنسانية، إذْ انهمك عدد من فلاسفة الحركة النسائية في إعداد نظرية سياسية نقدية، تساعد على تغيير المجتمع، وجرى البحث عن أسس فلسفية تقوم عليها هذه النظرية، بحيث يكون لها سمات تميّزها عن باقي النظريات السياسية، بسبب اهتماماتها الدقيقة، وبرامجها المتنوعة، وأسئلتها المختلفة بشأن الأسباب النهائية للظلم الواقع على النساء وأساليب مواجهته، سعياً لإقامة مجتمع حرّ إلى أبعد الحدود.
وعلى الرغم من تمكّن المذهب النسوي في المجتمع الغربي المعاصر، يلاحظ أنه لا توجد مدرسة أو حركة موحدة تمثل هذا الفكر، وإنما توجد حركات كثيرة تنتمي إلى إيديولوجيات وفلسفات مختلفة، فهناك الفكر النسوي الليبرالي، والماركسي، والاشتراكي، والراديكالي ... إلخ، كما أنّ هناك اتجاهاً نسوياً جديداً تأثر بفلاسفة ما بعد الحداثة، وظهر تحت اسم <ما بعد النسوية> post Feminism والملاحظ أن هذه الجماعات، على تنوعها، تشترك في نقدها ومعارضتها للتعصّب الديني والعرقي وللاستعمار، وتشترك أيضاً في استخدامها لمفاهيم جديدة، وفي توسيعها وتطويرها لمفاهيم أَضفتْ عليها عمقاً، وأَغنتْ بها الفكر السياسي والثقافي.
وتلك المطالب التي عبّرت عنها النسويات بلغة جديدة، ظهرت من خلال نقدهن للنظريات الاجتماعية، فأسهمن في تطوير مفهومات مثل البطريركية، والإيديولوجيا، والأدوار الجنسية والاجتماعية. وقد شكّلت مفاهيم الماركسية والفنومينولوجيا الاجتماعية مصادر جديدة للفكر النسوي في الستينات والسبعينات من القرن العشرين.
ما بعد الماركسية
لكنّ المفكرات النسويات أدركن أن المفاهيم المتاحة في الإطار الماركسي لا تكفي وحدها لتأسيس نظرية عقلانية حول الجنسية، ولذلك تمّ البحث عن مصادر جديدة تمثلّتْ بالتركيز على المنعطف اللغوي، الذي كان له أثر مهم في حقل الإنسانيات والفلسفة والعلوم الاجتماعية، كما تمثلت بالأخذ عن فلاسفة ما بعد الحداثة (فوكو، دريدا)، وبالتحليل النفسي اللاكاني، وهو ما جعل النظرية النقدية عندهن تتحول من مجال العلوم الاجتماعية والتاريخية إلى مجال الفلسفة والدراسات الأدبية والثقافية. وقد لوحظ في الربع الأخير من القرن العشرين، تشكّل فلسفة نسوية متطورة نسبياً، تتضمن مفهومات عديدة تمّ إبداعها وتطويرها على يدي مفكرات وفلاسفة الحركات النسوية، ومن أبرزها مفهوم الجنوسة ومفهوم البطريركية ، ومفهوم القهر . ولما كان تطّور هذه المفاهيم يعكس تطوراً في الفكر السياسي النسوي المعاصر، فقد توقفت الباحثة عندها، وتوّفر عملها على بحث تاريخ هذه المفاهيم، والكشف المبكر عن المشكلات الكامنة خلف استعمالها، وذهبت إلى ربطها بمصادرها الأساسية المتحولة داخل الفكر النسوي المعاصر.
وفي مقابل ذلك يخصص الكتاب حيّزاً لنقد المذهب النسوي للفلسفة السياسية الغربية، وفيه نتبيّن أن اقتحام الفكر النسوي للمجال الفلسفي يعود إلى القرن الثامن عشر عند رائدته (ماري ولتسو نكرافت). وفي هذا المنحى اتجهت مفكرات المذهب النسوي لتحليل التراث الفلسفي ونقده، ولا سيما ما تضمنته الفلسفة السياسية الكلاسيكية من نصوص تعبّر عن موقف سلبي من النساء، من حيث هي آراء ذكورية، تقوم على أساس الهرمية الاجتماعية التراتبية، وفيها يظهر التصدي النسوي لآراء أفلاطون وتأويلاتها المعادية للمرأة، ولآراء ديكارت التي تصفها (جين فلاكس) Gane Flax بأنها محاولة للهروب من الجسد والجنس وغواية اللاشعور.
ومن هذا القبيل نقد (كارول غولد مان) للتراث الفلسفي من حيث هو أحادي الرؤية، ومنه أيضاً ما ذهبت إليه (مارسيل لاكوست) من أن الفلسفة التقليدية استخدمت مجموعة من الوسائل لتسوّغ التفرقة والتمايز، ومن أجل البرهنة على فكرتها هذه تتعرض لنقد فلسفة <هيوم> الأخلاقية، وفلسفة <جان جاك روسو> الاجتماعية، من حيث هما فلسفتان ذكوريتان تقرّان القسمة الثنائية التقليدية بشكلها ومضمونها، وهو ما دفعت به <فلاكس> بعيداً، إذ عدّتْ جميع النظريات الفلسفية التقليدية رجّع صدى لخبرات طفولة الفلاسفة الذكور ومشكلاتهم.
فهي ترى أن هذه النظريات تتسم برفض كل سمة تفاعلية واجتماعية في التطور البشري، وتتضمن أشكالاً من الفردانية، وتركز على العزلة والاستقلال، والتعارض بين الروح والجسد، والعقل والعاطفة، وتفصح عن أفكار السيادة والهيمنة والتحكم في الجسد والعواطف، وتصطدم بالخوف من المرأة، فتحطّ من قيمة النساء، ومن كل ما يرتبط بهنّ كالجنس والطبيعة والجسم. ومن هنا كانت قوة النساء خطراً يجب أن يكبح بواسطة السلطة الأبوية.
وأخيراً فإن الكتاب كما يقول ناصيف نصّار في تقديمه له يفتح الباب لدراسات جديدة تكمله أو تتجاوزه، وهو محاولة جادة لتطبيق مبدأ الانفتاح والكونية دون فقدان الذات والهوية، وذلك ما نحتاج إليه بحقّ في هذه المرحلة من تاريخنا المعاصر.

وفيق سليطين

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...