اطمأن على خصب غيم سلمية ثم مات ...
الجمل ـ خاص : هل تمطر بالسلمية؟ هكذا سأل الماغوط زائرته القادمة من السلمية ، كانت سماء دمشق المبشرة بالصيف بدأت تتراجع عن غيومها البيضاء ، قبل أن يستسلم الماغوط لصمته الأبدي، عواصف مغبرة لفعت شوارعها بمطر موحل ، فرشت الأرض ببساط من الوحل والحزن ، لم يأت بعد المساء حين تناقل الأصدقاء الخبر الحزين، وبدأ المطر النقي بالهطول.
الدنيا عم تشتي بدمشق والسلمية وفي كل الأراضي السورية يا أبا شام، أغمض عينيك مطمئنا لنومك العميق، "عم تشتي بالسلمية" .
صباح يوم الرحيل اتصل به أبن أخته الدكتور محمد بدور من المشفى، ثم اتصل به الشاعر بندر عبد الحميد كانت الساعة قد تجاوزت الثانية عشرة ظهراً، اتكأ على الكنبة ، وبين أصابعة استراحت سيجارة ، فيما كانت سماعة الهاتف باليد الثانية، فجأة صمت الماغوط فخيل لمحدثه على الطرف الآخر أنه أخذ إغفاءة قصيرة أثناء المكالمة، لكنها لم تكن قصيرة وإنما الأخيرة، على الطاولة ما يزال طعام الفطور والأدوية التي وضعتها مدبرة المنزل قبل أن تغادره، وكذلك كانت اللوحات والصور والذكريات ، آثار حرق السجائر على الأثاث والمساند، كل شيء من حوله آل الى الصمت ما عدا المسجلة .
لطالما كره هبوط الظلام ، وشعر بثقله وكآبته ، هاهو اليوم يحل على زوار بيته ما عداه هو الذي مازال في مشفى دار الشفاء يستعد لرحلة سلمية يوم الاربعاء الساعة الحادية عشرة والنصف، حيث سيكون هناك ابنتيه شام وسلاف وأحفاده ، وحشد من الأهل والأصدقاء يرافقون موكبه الى بيته العتيق بعد غياب أكثر من خمسة عشرة سنة. لقد عاتبوه على الغياب، ووعدهم بأن يزورهم في 17 نيسان ، لأنه سيذهب الى تكريم سيقام له في حماه، لكن القدر استعجله أو ربما الشوق الماطر حين يفجره الحنين.
وهكذا عاد وحيداً ، بدون سيجارته وكأسه وعكازه ، محمولاً على كتف الصمت .
وحده المطر سيغني لك يا اباشام.
إضافة تعليق جديد