أولمرت يردد كلام جماعة 14 آذار من أن الحرب هي ضد سوريا وإيران
ما إن بدأ الماراثون الدبلوماسي في الأمم المتحدة لتعديل مشروع القرار الأميركي الفرنسي، حتى حاولت إسرائيل كسب السباق بإطلاق أشد التهديدات بعملية عسكرية واسعة. وبرغم أن الجيش الإسرائيلي لم يحسم بعد أمر السيطرة على القرى الحدودية، فإنه أعلن سعيه لتنفيذ خطط لإيقاف إطلاق صواريخ حزب الله في كل مكان، حتى الليطاني وبعده. وأمام هذا الواقع أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود أولمرت أن الحرب الجارية هي حرب ضد إيران وسوريا وأن إسرائيل مستعدة لدفع ثمنها الباهظ.
ويوما بعد يوم يشتد غضب الحكومة والجيش الإسرائيلي جراء تصاعد القتال وخصوصا في ظل محدودية الإنجازات التي يمكن الإعلان عنها. ويجد الجيش نفسه من دون خيار أمام اعتبار أن التقدم نحو الليطاني هو الحل الوحيد الممكن. فالعملية السياسية عالقة والخسائر تتصاعد والجمهور الإسرائيلي يريد انتصارا. ولذلك بدأت الحكومة والجيش منذ صباح أمس حملة واسعة لإظهار أن قرار الحرب الواسعة قد اتخذ وأن كل ما هو مطلوب هو انتظار يوم أو يومين لاستنفاد العملية السياسية. وأعلن وزير الدفاع عمير بيرتس للمرة الثانية خلال أسبوع أنه أعطى الأوامر للجيش بالاستعداد للوصول الى الليطاني. ويدخل في هذا الإطار قرار الحكومة الإسرائيلية ليلة أمس إخلاء كريات شمونة من جميع سكانها.
ويرى معلقون أن هناك تفسيرين لهذا الموقف: إما أن إسرائيل فعلا لم تعد مستعدة لتحمل المزيد من الخسائر من دون أن تفلت العقال للجيش، وإما أنها تهدد طالبة من العالم بأسره أن يسارع للإمساك بها.
وأشار معلقون إلى أن واحدة من مشاكل إسرائيل الراهنة هي أن أحدا لا يسارع للإمساك بها. فالولايات المتحدة تقول لإسرائيل إنه ليست هناك قيود والحكومة الإسرائيلية تقول للجيش إنه ليس هناك ما يقيد حركته. ولكن كل ذلك حتى الآن مجرد كلام في كلام. ويشير هؤلاء المعلقون إلى أن قرارات من هذا النوع لا تتخذ أمام الكاميرات وأن أولمرت إذا أراد الحرب الواسعة فإن عليه أن يجمع الحكومة أو المجلس الوزاري المصغر وليس ضباط الاحتياط أمام كاميرات التلفزيون.
ولم يستبعد المعلقون أن تصعيد اللهجة الإسرائيلية، بما في ذلك الشروع بالحديث عن ضرب أهداف أخرى للدولة اللبنانية، يصب في خانة المفاوضات الجارية في الأمم المتحدة حول قرار وقف العمليات الحربية. ويشدد المعلقون على أن هذه التهديدات تصدر في ظل تزايد اليأس من
التوصل إلى وقف نار بالشروط الإسرائيلية. ويقول هؤلاء إن فكرة القوات المتعددة الجنسيات وفق الرؤية الإسرائيلية دفنت وباتت خلف ظهر المتفاوضين الدوليين. فالدول الأوروبية، وخاصة فرنسا، صارت أقل استعدادا للمشاركة من أي وقت مضى.
ومع ذلك فإن المعلقين لا يقللون من أهمية العبء النفسي الذي تتعرض له قيادة الجيش جراء استمرار حرب الاستنزاف للجبهة الداخلية الإسرائيلية. ويلاحظون أن رئيس الأركان دان حلوتس كان حتى مساء أمس الأول من أشد المعارضين للعملية البرية الواسعة، وأنه فقط غير رأيه صباح أمس في المداولات الأمنية التي جرت في رئاسة الحكومة وفي قيادة الجبهة الشمالية.
ومن الملاحظ أيضا أنه في مقابل التشدد الذي تعمد الحكومة الإسرائيلية لإظهاره، ثمة في إسرائيل من يقول إن الولايات المتحدة باتت تطلب من إسرائيل التهدئة وعدم التوسع. وأشار المراسل السياسي للقناة العاشرة مساء أمس إلى أن الولايات المتحدة أبلغت إسرائيل أنها ضد خطط توسيع الحرب واستهداف بنى تحتية لبنانية.
وفي كل الأحوال أشارت بعض المصادر الإسرائيلية إلى أن إعلان رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة عن استعداده لإرسال قوات كبيرة من الجيش اللبناني للانتشار في الجنوب، أربكت الموقف الإسرائيلي. وبدا أمس أن تصعيد اللهجة الإسرائيلية ترافق مع توجيه رسائل تهديدية للحكومة اللبنانية في ظل اجتماع وزراء الخارجية العرب في بيروت.
في أعقاب احتداد موجة الصواريخ ومقتل الجنود الاثني عشر في كفار جلعادي، عقد أولمرت اجتماعا تشاوريا أمنيا صباح أمس قبيل اتخاذ القرار بشأن الرد المحتمل. وشارك في هذه المشاورات كل من وزير الدفاع ورئيس الأركان ورئيس الشاباك يوفال ديسكين. وفي المداولات التي سبقت صعودهم إلى مقر القيادة الشمالية، أبدى أولمرت وبيرتس عزما على الرد عسكريا ولكن ضد الحكومة اللبنانية من أجل أن تبدأ بممارسة الضغوط على حزب الله. وجرى الحديث عن ضرب أهداف استراتيجية في لبنان بينها محطات توليد الطاقة ومشاريع المياه والجسور وسواها.
وأشارت وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى أن النية لضرب بنى تحتية هذه المرة، ينبع من حقيقة أن الحكومة اللبنانية وعلى رأسها السنيورة تسوي علاقاتها مع حزب الله وتعارض الآن وقف النار بالشروط التي عرضتها الولايات المتحدة وفرنسا. وترى إسرائيل أن معارضة الحكومة اللبنانية وحقيقة أنها لا تفرض على حزب الله وقف النار، هما ما يمنع تسريع العملية السياسية وصدور القرار في مجلس الأمن الدولي. وبرغم كل الضربات التي وجهتها إسرائيل للبنى التحتية والموانئ والمطارات، فإنها توحي بأنها امتنعت حتى الآن عن ضرب محطات الطاقة بسبب طلب صريح من الإدارة الأميركية. وتخشى جهات إسرائيلية رفيعة المستوى من أنه في ظل التصعيد الجاري سيقوم حزب الله باستخدام صواريخ بعيدة المدى بشكل متزايد. ولذلك ترى أنه لا مناص من ضرب البنى التحتية من أجل إجبار الحكومة اللبنانية على العمل لدى حزب الله من أجل وقف إطلاق الصواريخ بشكل مجنون، وإلا فإنه على المواطنين اللبنانيين فعل ذلك.
والتقى رئيس الحكومة ووزير الدفاع، في خطوة مرتبة وأمام الكاميرات، بقادة الجبهة الشمالية وبحوالى ثلاثين ضابطا من قادة القوات الاحتياطية العاملة في لبنان. وكان برفقة أولمرت وبيرتس عدد من الوزراء ورئيس الأركان. وكان الهدف التوضيح بأن أمرا مهما على وشك الحدوث وأن إسرائيل قررت توسيع الحملة البرية. وقال أولمرت أمام الضباط إنه يجب وقف إطلاق الكاتيوشا. لا يعقل أن يعيش مليون مواطن في الملاجئ، وفي هذا الشأن ليست هناك أي قيود على الجيش، موضحا للضباط أنه ينبغي العمل من أجل وقف إطلاق الصواريخ من لبنان على إسرائيل. وأشار أولمرت الى أن الحرب تعني قتلى، بكاء وألما وصدمة. وهذا ما نعرفه، ولكن هذه هي اللحظة التي ينبغي فيها أن نواجه في ميدان القتال وفي الجبهة الداخلية على حد سواء. إنني أمنحكم كل القوة والدعم. إننا لا نوقفكم.
وقال أولمرت ليس على الجيش أي قيد. فشعب إسرائيل يحب جيشه ويقدر عزمه. ومعظم الشعب يتماثل مع العملية ومستعد لدفع الثمن. كما أن الأسرة الدولية ترى الحرب اليوم بمنظار مختلف تماما.
وركز ديوان رئاسة الحكومة الإسرائيلية على إظهار حماسة الضباط للقتال من أجل اجتثاث الخطر وجلب الهدوء لمستوطنات الشمال.
وقال بيرتس، قبل دخوله اجتماعا للجنة الخارجية والأمن في الكنيست، إن ما يجري حرب وليس مجرد عملية عسكرية. وأضاف إذا لم تنته الخطوات السياسية في الأيام القريبة، فإن قوات الجيش سوف تسيطر على مواقع إطلاق الصواريخ في كل مكان تتواجد فيه.
وأشار بيرتس إلى أن الجيش لا ينتظر أي عملية سياسية، وليست هناك أي عملية مؤجلة بسبب العمل السياسي. وقال إن القرار الأهم الذي اتخذ حاليا هو إبعاد خطر الكاتيوشا ووقف إطلاقها على الجبهة الداخلية. وهذه يمكن إيقافها بطريقتين: بطريقة سياسية: إذا أوقفت العملية السياسية الجارية الكاتيوشا، حينها نستطيع القول إن العملية غيرت الواقع. وإلا، فإن التوجيهات صدرت للجيش للعمل من دون أخذ العمل السياسي بالحسبان. والمساران يتقدمان بشكل متواز.
وأضاف أنه لم ينشأ وضع لم يحصل فيه الجيش على تأييد للخطوات التي أرادها، موضحا أن هناك إجماعا قوميا حول ضرورة عملية عسكرية واسعة إذا اقتضى الأمر والجيش استعد لذلك. وفي حالة عدم نضج العملية السياسية، فإن الجيش الإسرائيلي سوف يسيطر على مواقع إطلاق الصواريخ في كل مكان من أجل تقليص الإطلاق وإخراج المدنيين من الملاجئ. وشدد بيرتس على أنه أعطيت للجيش تعليمات قاطعة: في حال فشل العملية السياسية الجيش سيعمل في كل مكان في لبنان.
في خطاب مسجل ألقاه أمام مؤتمر اتحاد الطوائف اليهودية في أميركا الشمالية، قال اولمرت إن الحرب لا تدور فقط ضد حزب الله وإنما ضد إيران وسوريا اللتين تريدان تدميرنا. واضاف أن الجميع يظنون أننا نحارب حزب الله، ولكن هيا نقل الحقيقة: دولة إسرائيل تحارب ضد إيران وضد سوريا اللتين تستخدمان حزب الله كأداة لمهاجمتنا من الشمال.
وقال إن هناك خلافا أساسيا بين إسرائيل وكل من الإيرانيين والسوريين. فإسرائيل تضرب مدنيين عن طريق الخطأ فيما أنهم يعتبرون ضرب المدنيين نجاحهم الأكبر. فهم يريدون القتل، والتدمير، وهم يأملون أن يساعدهم ذلك في تحقيق وعد الرئيس الإيراني بمحو إسرائيل عن الخريطة.
وشدد أولمرت على أن هذه حرب وحشية جدا. وللمرة الأولى في تاريخ دولة إسرائيل، ليس الجنود وحدهم من يقاتلون، وإنما الدولة بأسرها. مئات الآلاف من الإسرائيليين يواجهون بشكل يومي هجمات الصواريخ التي تسقط على رؤوسهم، وعلى بيوتهم، وتدمر شوارع مدننا.
وقال إنه :سقط حتى الآن أكثر من مئة قتيل في ميدان القتال وفي ساحات المدن والشوارع. وفقط في الليلة الأخيرة لقي ثلاثة من سكان حيفا مصرعهم نتيجة سقوط صواريخ على بيوتهم، مشددا على أننا سننتصر في هذه الحرب، ولكن كما قلت منذ اليوم الأول، لن يكون انتصارا سهلا. سوف ندفع ثمنا فظيعا. ولكننا نفضل دفع الثمن هذا الآن وليس الانتظار عامين آخرين أو ثلاثة أو أربعة أعوام، وبعدها نواجه أسلحة أشد تدميرا يمكن أن تطلق على السكان الإٍسرائيليين.
وفي نهاية خطابه طلب أولمرت من يهود أميركا التبرع لإعادة إعمار إسرائيل في نهاية المعركة حيث سنضطر لترميم مدن وبناء آلاف البيوت التي دمرت.
قالت مصادر إسرائيلية إن مداولات مجلس الأمن الدولي لن تتم قبل نهاية هذا الأسبوع وإن إعلان وزيرة الخارجية الاميركية كوندليسا رايس عن أن النقاش سيبدأ اليوم كان فقط من أجل الضغط على الحكومة اللبنانية. وجمعت وزيرة الخارجية الاسرائيلية تسيبي ليفني سفراء 13 دولة أعضاء في مجلس الأمن بهدف حثهم على التصويت إلى جانب مشروع القرار الأميركي الفرنسي. وقالت أمامهم إن تنفيذ القرار 1559 كان بوسعه منع الحرب وتوفير حياة كل هذا العدد الكبير من المدنيين والجنود.
وقالت ليفني إننا نتوقع أن تنفذ الأسرة الدولية قراراتها. فربما أن هذه هي المرة الأولى التي تعمل بها إسرائيل والأسرة الدولية معا من أجل هدف واحد: تغيير وجه لبنان. فمن المعروف أن الحكومة اللبنانية ضعيفة، ولذلك على الأسرة الدولية أن تعلم أن الزعماء الضعفاء بحاجة إلى دعم خارجي. ومن مهام أعضاء مجلس الأمن العمل على تنفيذ القرار 1559.
وأشارت ليفني إلى أن القرار الدولي المطلوب بشأن لبنان ليس خدمة لمصلحة إسرائيلية ضيقة وإنما هو مصلحة عالمية عامة. فأهمية قرار مجلس الأمن تكمن في أن كل الجهات الإسلامية المتطرفة، بما في ذلك حماس، الإخوان المسلمون، الجهاد الإسلامي وما شابه، يقفون ويفحصون الشكل الذي سيتعامل به مجلس الأمن.
رسم ضابط كبير في شعبة الاستخبارات الإسرائيلية بشكل قاتم الإنجازات الضئيلة التي حققها الجيش طوال أيام الحرب. وقال إن سلسلة القيادة لدى حزب الله وجهازه الاستخباراتي ما زالا يعملان وإن الإمدادات من سوريا تصل إلى أهدافها. وقال الضابط إن: حزب الله لم يضعف بما فيه الكفاية، ولا مفر من توسيع العملية البرية في اتجاه الليطاني.
وأضاف الضابط أن حزب الله ينجح في المحافظة على قدراته العملياتية في الصواريخ القصيرة المدى، وأنه أطلق منها حتى اليوم ما لا يقل عن 2500 صاروخ، وأن تقديرات الاستخبارات تشير إلى أنه يزيد من إطلاق الصواريخ لتسريع مفاوضات وقف النار.
وشدد ضابط الاستخبارات على أن إسرائيل نجحت أكثر في قتل رجال من حزب الله وأن لديها قوائم بأسماء مئتين منهم. كما أن الجيش يعتبر نفسه ناجحا في مطاردة الصواريخ البعيدة المدى. فكل راجمة أطلقت صاروخا كهذا تعرضت للتدمير، الأمر الذي يجعل رماة هذه الصواريخ انتحاريين.
ومع ذلك، فإن إسرائيل تخشى أن ينجح حزب الله في إفشال إدخال القوات المتعددة الجنسيات. وقال الضابط إن :حقيقة فرض حزب الله فيتو على القوة المتعددة الجنسيات تشكل مشكلة من ناحية إسرائيل. فحزب الله لم يضعف بشكل كاف، ويمكنه معارضة وصول القوة.
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد